المحتوى الرئيسى

بعيداً عن "الفلسفة الزائدة" والتنميق في الخطاب.. هذا ما يعنه مصطلح "ما بعد الحداثة"

07/03 21:03

1- لامركزية ما بعد الحداثة

يعد مصطلح ما بعد الحداثة غامضاً بعض الشيء، نظراً لأن الحركة الـ "ما بعد حداثية" ترفض التعريفات والتقييمات، أي ترفض أية سلطة مسبقة لتقييم منتجاتها.

فمنظرو هذه الحركة، التي ارتبطت مع طغيان وسائل الاتصال بين أرجاء العالم والكم الهائل من المعلومات التي يتم تناقلها، جعل الما بعد حداثيين يرفضون مفهوم "المركز"، أي الجهة التي تدّعي امتلاك الحقيقة وشرعيتها، إذ لا مركزيّة في نظرهم لأي شيء: المعرفة، الجنس، التاريخ، كلها خاضعة للتشكيك.

تهاجم "ما بعد الحداثة" وتفكك كل المركزيات عدا الفكرة الأساسية التي تقوم عليها وهي" اللاتعيين"، ما جعل كل مفكر وباحث يقدم تصوره عن ما بعد الحداثة ومكوناتها.

يرتبط هذا المصطلح بما بعد الحداثة وتعريفها، فبما أنه لا يوجد حقيقة واحدة، وبالتالي تتلاشي سلطة ما يسمى بـ "السرديات الكبرى" أو النظريات التي تفسر الكون وعلاقاته بصورة كاملة، فالحقيقة التي تدعيّ امتلاكها لم تعد مجديّة، وهذا يرتبط بالدين والحركات الفكرية الكبرى.

لكن ما بعد الحداثة قدّمت ما يعرف بالسرديات المضادة، التي تفسر وضعيّة تاريخية أو الأحداث التاريخية وفق شروطها ومعطياتها الخاصة، ثم تفكك نفسها، بالتالي لا يمتلك أحد الحق باحتكار الحقيقة، كما هو الحال مع الأديان، التي تقدم تفسيرها لحقيقة الكون والعلاقات البشريّة.

ترتبط ما بعد الحداثة بالتاريخ والموقف منه، بوصفه لا يمثل الحقيقة. إذ ترى أن التاريخ عبارة عن حكايات أو تصورات سببها وسائل الإعلام من جهة و"الحكايات" التاريخية من جهة أخرى.

ونتيجة هذا التراكم الهائل، فَقد التاريخ قدرته على تمثيل الواقع، إذ أصبح واقعاً فائقاً، أي شديد الواقعية لأن "الصور" التي تمثّله تُنتج عبر مؤسسات تعكس صورة للواقع متماكسة بصورة "خارقة"، سواءً كانت إيجابية أم سلبيّة، لكنها لا تمثل "الواقع"، بالتالي نحن نؤمن بنسخ من الواقع يقدمها التاريخ وما هو اصطناعي واستهلاكي، لا ما هو حقيقي.

نتيجة انهيار المركزيات الذي ذكرناه سابقاً، بدأت الهوامش تظهر في عالم ما بعد الحداثة، والمقصود بالهوامش الحركات والتجمّعات التي تم إهمالها عمداً ولم يُسمح لها بتقديم خطابها أو نظريتها للكون، مثل خطاب الجنون، والحركات النسوية، والمثليّين، وسكان المستعمرات، والأقليات، فهذه الهوامش في ظل ما بعد الحداثة تخرج من تصنيفات الهامش، وتقدم نصوصها وخطابها ومحاولاتها لتفكيك الصورة النمطيّة التي رسخها المركز عنها.

5- الموقف من الفن والأدب

لا يقتصر تأثير ما بعد الحداثة على الحركات الاجتماعية والسياسية، بل هي موقف متكامل من العالم يمتد تأثيره إلى الأدب والفن، إذ قدمت ما بعد الحداثة العديد من التقنيات التي أقامت ثورة في عالم الفن والأدب لأهميتها الجمالية إلى جانب السياسيّة.

أصبحت هذه التقنيات وسيلة للتشكيك بالفن ذاته وبالتاريخ، ففي السرد توجد: تقنيات ما فوق النص، (حكاية عن حكاية أو عمل أدبي)، كذلك التخييّل التاريخي والسرد النرجسي، والتي بالرغم من أسمائها التي تبدو غريبة لكنها تجارب أدبيّة لا يمكن إنكار أهميّتها. ويمكن تلمسها في العالم العربي في أعمال الروائيين: سمير قسيمي - كمال الرياحي - علي بدر- مها حسن- حسن بلاسم.

وينطلي ذلك على الفنون البصريّة، فما بعد الحداثة قدم نظريات وجماليات خاصة بتقنيات البارودي، أي تقديم عمل فني يسخر من "صورة التاريخ" ويقدم أعمالاً تاريخية تشكك به وبمرجعياته.

تقوم ما بعد الحداثة على أساس الجسد، بوصف الأفكار مكونات غير مادية لينتصر الجسد كونه يختزن الحقيقة والتجربة التاريخيّة. وهذا ما نراه في فنون الأداء والاحتجاجات، فالجسد هو الحقيقة الوحيدة، والمخاطرة والاختبارات التي يخضع لها هي إمعان في تحقيق وجوده في ظل الكم الهائل من الصورة والنصوص والقوانين، التي تحاول تقييده أو تأطيره.

7- الفن الشعبي والفن الراقي

ضمن عالم ما بعد الحداثة، لا توجد تقييمات على أساس مُنتجي العمل الفني، إذ يتداخل الفن الشعبي مع الراقي، كإعلانات الطرق مع القصائد الكبرى. ويُعتبر أي منتج فني ذو جماليات خاصة وشِعريات تجعله مميزاً دون التقييم الجمالي المرتبط بالطبقة الاجتماعية المنتجة.

مقطوعة موسيقية للفنان جون كايج بعنوان “4:33” لا يعزف فيها أي شيئاً

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل