المحتوى الرئيسى

أنس ممدوح يكتب: علاقة تنظيم الطليعة بالأستاذ سيد قطب | ساسة بوست

07/03 20:01

منذ 11 دقيقة، 3 يوليو,2016

«فليس يوليوس قيصر هو الذي قتل جمهورية روما، فموتها كانت نتيجة التحولات الخفية التي طرأت على الروح الرومانية».

مالك بن نبي (ص 156) – مشكلة الأفكار.

كانت هناك تحولات خفية تحدث في المشهد السوري، بعد إرهاصات مروان وشبابه في المحافظة الحموية. وتحولات في الجهة الأخرى ظاهرة للعيان بانتشار الكفر والمُجاهرة به علنًا. وهذا ما جعل أحد الطلبة في مدرسة عثمان الحوراني الثانوية يتقدم في ثقة ويكتب على السبورة:

«ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك همُ الكافرون».

فاحتجَّ الطلبة البعثيون ودارت مصادمات، تدخلت على أثرها المخابرات واعتُقل الطالب الذي كتب الآية، وقدمته لمحكمة أمن الدولة التي حكمت عليه بالسجن لمدة عام مع تغريمه مبلغًا من المال.

هيَّج الطلبة الجمهور كما هي عادتهم في العصر الحديث. وذهبوا مع الحُكماء لتحريض التُجار على الإضراب للإفراج عن الطالب المُسلم. فاستجاب الشعب الحموي فتدخل الجيش ونزل شارع العلمين وهو الشارع الرئيسي في المدينة. (وتوجهت دبابة إلى مدخل حي البارودية وكان حولها جنود، وتجمهر بعض الشباب، ولم يكن إطلاق نار، تلاسن الشاب عبد الرزاق الجواد مع جندي فأطلق عليه النار. فكان أول قتيل في هذه الثورة.)*[1]

مقتل ولي عهد النمسا أشعل حربًا عالمية امتدت عقودًا، ومحرقة بوعزيزي امتدت خارج القطر لتشعل ثورات الربيع العربي.

وكذلك من بطن الحدث الفردي يخرج الجنين القائد. هاجت المدينة وماجت لمقتل الطالب عبد الرزاق، وحفر الحمويون (الخنادق ووضعوا المتاريس، وأخرجوا الذخيرة ثم صنعوا قنابل المولوتوف، نسبة إلى الوزير الروسي الذي اخترعها، كانت تلقى من سطوح المنازل مما رفع عدد القتلى من الجنود، وقلل نسبتهم من الشعب).*

ملاحظة على منهج الشيخ مروان قبل المواجهات

كوّن الشيخ نظريته القتالية في أثناء هذه الحوادث المتسارعة في عام 1964م. وقد أوجب على الشباب والشيوخ واجبًا عمليًا لكي يواجهُوا كل من يعتقلهم من الأمن فقال: (فواجب الجماعة التي ينتسب إليها أن تحميه)* وعليه كوّن فرقة للتدخل السريع وقد فُرّغ بعض الشباب لهذه المهمة الطارئة.

رفض المحافظ التوسط في أمر الطالب المعتقل، وتعنتت السلطة في ذلك مما أدى إلى قرار الاعتصام في مسجد السلطان بعدد يقترب من التسعين. وكان في قلبهما مروان حديد. وقد تبين لهم مبكرًا أن السلطات العلوية النُصيرية لن تراعي في أهل السنة دمًا ولا ذمة. فأخذوا حذرهم ببـعض الأسلحة لحماية أنفسهم. كما تحرك عوام المدينة وأعلنوا النفير العام مما أدى إلى تردد الأمن فيما يدبره وأرسل من يفاوض الشيخ، وانتهت الليلة بقطع الكهرباء عن مسجد السلطان.

وتحركت الذئاب البعثية نهارًا بفيالق من الجيش لدك المسجد. وبدأ الحصار بدك مئذنة المسجد !

فاستبسلت المقاومة السنية تحت هذا المشهد الذي تدك فيه المئذنة الصخرية التي أتوا لها بمدفعٍ خاص. وتجرؤوا على عمران الإسلام كما لم يتجرأ عليه فرنسي من قبل وقت الانتداب. وقد أجاب رئيس الدولة أمين الحافظ عندما سُئل عن قصف المساجد فقال مقتضب الخيبة: «لقد هدم الحجاج الكعبة!».

كان القصف محتدمًا بين الشعب والجيش، والذئب ليس لهم من راحة إلا أن يرى جثة مروان غارقة في دمائها. حتى اشتُبه عليهم شخص يشبه حديد فقتلوه.

وصل عدد القتلى (حوالي سبعمئة قتيل من الجيش، وكان عدد القتلى من الشعب، أقل من عشر هذا العدد.)[2] سكن دوي النار من الداخل. وتأكدت السلطة أن المقاومة ضعفت وتلاشت، فاقتحموا المسجد وأسروا المتبقين من المعركة. حتى وجدوا مروان حديد فأهلكوه ضربًا. في كل وجعٍ وضعفٍ وثغرٍ في الجسد. واقتيد الجميع إلى سجن تدمر الصحراوي. ولم يتبق في المكان سوى الدماء التي ستقود روح الثورة القادمة التي ستطول إلى عقدين من الزمن حتى 1982م. وتبدأ جولاتها الأخرى في 2011م .

اقتيد إلى السجن الصحراوي تدمر. الاسم المفزع الذي يُشبه زميلهُ في الجحيم العقرب والحربي في مصر. وقد وصفه مصطفى خليفة في كتابٍ له باسم (القوقعة)، وقد أبلغ في وصف مساحاته الأديب الأسير أيمن العتوم في (يسّمعون حسيسها) في وصفه حينما قال: (هناك دائمًا في الجحيم مساحة مهما كانت ضئيلة فهي لا تنتمي إلى واحات النعيم). كان يقصد تدمر. وقد كان مروان حديد مِن أوائل من حط الرحال هناك من أجل قضية الجِهاد. وبدأ هناك يكتُب كتابه (صفات المؤمنين في القرآن الكريم)* وهي مسودات لم تنشر أشار إليها الدكتور الأديب أحمد الخاني الحموي في كتابه عن حماة .

مذهب سيد قطب في التورية

أسس الأستاذ سيد قطب مذهبًا في الجراءة الإنسانية أمام الحيوانية الحديثة في تحقيقات صلاح نصر له. حتى إنه لمّا سئل عن جراءته وصراحتهِ قال:

«لأن التورية لا تجوز في العقيدة، وليس للقائد أن يأخذ بالرخصة».

سبق مروان حديد أستاذه في تطبيق هذا المذهب قبل أن يُسطره الأستاذ سيد بسنة. وفرض على جلاديه مساحات شاسعة من القلق والخوف. حتى إنه لا يعبأ بهيبة الأمن المعروفة في التحقيقات. فيرد الكلمة بركلة. حتى مسك أحد المحققين لحية الشيخ مروان، وقال له لا أريد أن أرى هذه المكنسة مرة أخرى. فركله ركلة أودت به إلى سحيق الغرفة التي كان فيها! كان جريئًا للحد الذي يخشاه منه صاحب السوط وهذه لا تعطى لكثير من القادة في الأسر. لعل السبب في مكانة الله في قلبه: فماذا فقد من وجد الله وماذا وجد من فقد الله؟

لو جاءهُ رئيس الدولة وأهانه فسيرد عليه ما قالهُ كما فعل مع أمين الحافظ:

«لتكن خصومتك شريفة يا أمين!».

ولو استجوبه مصطفى طلاس في المحكمة على الهواء لأذاقه ما يستحقه:

قال الشيخ: أنا عميل لله.

فرد الشيخ باقتضاب: مأجور من الله.

والجميع يستمع بحماسة وبابتسامات فيها الفخر والقاضي قد فقد صوابه وقال:

حكمت المحكمة عليك بالإعدام شنقًا.

ابتسم مروان. وقد قال لتلاميذه ابتسموا واسخروا من هذا الحكم وقال:

«والله يا مسكين لو عرفتُ أنّ بيدك الموت والحياة لعبدتُكَ من دون الله».

وأمام هذا المشهد سكنت القاعة برهة من الوقت من هول الفصاحة. وصفقت بعدها إعجابًا وفخرًا. وقُطع البث الهوائي رهبًا من هذا الذي حصل.

حكمت المحكمة بالإعدام. لكن رُفع الحكم بعد تدخل مشايخ السنة، لتهدئة الوضع بقيادة الشيخ العلامة محمد الحامد.

لم يخفض لمروان جفن ولم يسكن لجهادهِ نبضة، بعد خروجه من المعتقل، وظل فترة يعد نفسه وتلاميذه. حتى دخلا الحرب الفدائية مع اليهود 1967 من أجل مقاومة المحتل الصهيوني وفي نفس الوقت تدريب تنظيمه الذي أنشأهُ باسم اختلف عليه فريقان من المؤرخين الإخوان. وعرف تاريخيًا باسم «الطليعة المقاتلة».

تعرّف على الدكتور عبد الستار الزعيم (كان ياسر عرفات يقول: أتمنى أن يكون في قيادة عملنا العسكري أمثال عبد الستار الزعيم)، في أثناء هذا الحدث. وتأثر الدكتور بالشيخ وانضم إلى تنظيمه.

في عام 1970م. بدأت السلطة تشعر بتحركات عسكرية لتنظيم يديره مروان حديد. وأصدرت في طلبه مرة أخرى. حتى صار الشيخ يقفز من بيت إلى بيت ليتوارى عن الأنظار . وكلف عبد الستار الزعيم (بمهمة الإشراف على تدريب إخوانه في مناطق يتم الاتفاق على تحديدها، وقد كان التدريب في جبال لبنان في فصل الشتاء في الثلج. فتنبَّهت السلطة لهذا الموضوع، فركزت قبضتها على لبنان، حتى لا يكون معسكرًا للجماعة الإسلامية).[3]

سبب اسم التنظيم باسم الطليعة

كان قد تشكل اسم الطليعة المقاتلة عند بعض الرواة في هذا التوقيت. ولا يختلف الرواة حول وجود تنظيم يتحرك باسم الإخوان سواء رضوا عنه أم لم يرضوا يقوده الشيخ مروان حديد. ولعل اسم الطليعة قد أُخذ من ذلك المصطلح الذي كان يُبشّر به الأُستاذ سيد قطب في معالمهِ. عندما قال:

«إنه لا بد من طليعة تعزم هذه العزمة، وتمضي في الطريق، تمضي في خضم الجاهلية الضاربة الأطناب في أرجاء الأرض جميعًا، تمضي وهي تزاول نوعًا من العزلة من جانب، ونوعًا من الاتصال من الجانب الآخر بالجاهلية المحيطة. ولا بد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من «معالم في الطريق»».[4]

تشابه مُصطلحات التنظيم كاسم الطليعة الذي يتحدث عنه سيد قطب في كل معالمه وكل ظلاله، يدلل لنا أن هناك تأثرًا كبيرًا للشيخ مروان وتلاميذه. وصلت إلى تبني مشروع الأستاذ سيد قطب المتمثل في مبادئه الستة، نقل ذلك صلاح الخالدي دون أن يذكر من هم بالتحديد في كتابهِ سيد قطب (ولقد أقرَّت مجموعة من الإخوان في سوريا في السبعينيات اعتماد هذا المبدأ – المبادئ الستة لسيد قطب – في مواجهة حكم النصيريّين للبلاد واضطرت قيادة الإخوان وقتها إلى اعتماده وإقراره).[5]

خط الطليعة المُقاتلة في السبعينيات

كانت القبضة النُصيرية قد وكزت وصفّت وأحالت وأزاحت كل القيادات السنية من واجهات الجيش. حتى صار الجيش علويًا. وهذا ما جعل التنظيم المرواني (الطليعة)، يُصّعد حملاته إلى اغتيال الرؤوس العلوية الظالمة: كاغتيال محمد الفاضل القيادي البعثي، والعميد عبد الكريم الرزوق والحاكم الطائفي في مدينة حماة محمد غرة والذي تم اغتياله بعد اغتيال الشهيد مروان حديد في يونيو 1976م.

استشهد مروان حديد بعد حقنه في رقبته. بعد تعذيب طويل بالمعادن والسياط والتعرية، استخدموا معه كل أدوات التعذيب حتى بتسليط الأضواء فيما يعرف بالأضواء المبهرة. ولم يُجدِ معه ذلك فاستخدموا معه ما يسقط قوى الرجال. بتعذيب امرأته في غرفة مجاورة وإسماعه صوتها كأنها تُغتصب. حتى خارت قواه، وبدؤوا يحاربونه بالطعام، فصاروا يخلطونه بالقاذورات والغائط حتى اشمأز من الطعام، ونحف جسده العريض، وفقد من وزنهِ النصف ويزيد، ولم يأكل إلا بعد أن أتوا بأخيه الدبلوماسي كنعان لكي يقسم عليه أن يأكل وبعد محاولات ظهرت فيها معالم الإخوة والحنان استجاب الشيخ واشترط على أخيه شرطيْن: الشرط الأول أن يأتيه بماء من حماة. والثاني أن يصلي لأنه كان لا يصلي.

أسلم روحه في يونيو 1976م بعد ستة وأربعين قمرًا من عمرهِ (1934م). قُتل ولم يدخل على الفتاة التي عقد عليها منذ أربع سنوات. تلك الفتاة التي حملت معه السلاح وقاومت بشكل أسطوري وملحمي، تسامى بإنسانية الإنسان، كي لا يجعلها أرملة بعده ولم يدخل عليها، قُتل ولم يأخذوا منه كلمة واحدة تشفي صدورهم، بل توعد عملاء أهل السنة مصطفى طلاس القاضي، وناجي جميل باغتيالهم وقد أوصى تلاميذه بذلك*. كما أرسل إلى تلاميذه والشعب الثائر: (انقل عنّي وقل للناس أن هؤلاء الكلاب «لمحققين» أنهم لم يحصلوا مني على كلمة واحدة تُشفى بها صدورهم).

موقف الإخوان من جماعة مروان وعبد الستار الزعيم (الطليعة)

دخل تنظيم الإخوان في نهاية الستينيات منعطفًا انشقاقيًا وفي خلال عقد كان للإخوان جماعتان؛ واحدة للأستاذ العطار وواحدة للشيخ أبو غدة. وصار اضطراب ولا مركزية. فلم يعد هناك عقل مصطفى السباعي الذي يجمع البيت، ولا قبضة التنظيم المعروفة. فاضطرب موقف الإخوان من البداية مع أمر الشيخ مروان بين اعتراضهم على أسلوبه، ويذكر ذلك المراقب العام السابق عدنان سعد الدين (وبالرغم من احترام الإخوان لإخلاص الشيخ مروان وشجاعته بل ولبطولاته، فإنهم لم يوافقوه على أسلوبه في مواجهة السلطة والصدام معها).*[6]

ومرة بالمد والجزر ثم الانسجام (حتى كانت العلاقة بين إدارة المركز ومجموعة الشيخ مروان بين مد وجزر لسنوات، فتارة يكون الانسجام تامًا، وأحيانًا يبدو الخلاف بارزًا للعيان، وحينًا تكون بين بين).

وهذا الذي جعل الشيخ مروان يقول مقولته التي توضح لنا موقف الإخوان منه ومن قسم الطلبة وشباب الإخوان الذين تبعوه وقتها: (لئن أخرجني الإخوان من الباب فسأدخل عليهم من النافذة، وسأجرهم للجهادِ جرًا).*[7]

وربما وصل الأمر مع الدكتور عبد الستار الزعيم بعده إلى الانسجام في بعض الوقت ثُم التباعد بسبب رفض الدعم من قبل فريق عدنان سعد الدين لطلب الولاء أولًا. والجفاء والقطيعة بعد حادثة المدفعية التي ظهر من خلالها الاضطراب مع القيادة الجديدة عدنان عقلة بعد اغتيال الدكتور عبد الستار الزعيم.

[1] رواية الخاني في كتابه.*

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل