المحتوى الرئيسى

هل اختار المسنّون أن تتلاشى بريطانيا؟

07/03 09:06

هل اختار المسنّون أن تتلاشى بريطانيا؟

روما – في أوائل الستينيات من القرن الماضي، علق وزير الخارجية الأمريكي الأسبق دين أتشيسون تعليقه الساخر الشهير بأن المملكة المتحدة قد فقدت امبراطوريتها، وحتى الآن لم تجد دورا لها في العالم. بعد ذلك، حاول القادة البريطانيون على التوالي تغيير هذا الوضع، من خلال صياغة دور جديد لبريطانيا في أوروبا. ويعتبر استفتاء “بريكسيت” ، والذي أعربت فيه أغلبية الناخبين عن رغبتهم في مغادرة الاتحاد الأوروبي، فشلا ذريعا لهذا الجهد – ونهاية حقبة.

بدأت رحلة بريطانيا اتجاه أوروبا في أوائل السبعينيات، عندما تولى رئيس الوزراء إدوارد هيث بحزم انضمام بريطانيا إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية ، سلف الاتحاد الأوروبي. وضمن خليفته، هارولد ويلسون، العضوية بعد استفتاء عام 1975.

وقد وقعت مارجريت تاتشر على القانون الأوروبي الموحد، الذي سمح بخلق السوق الواحدة، وكانت من أهم الخطوات في مجال التكامل الأوروبي، والتي تدين بالكثير إلى الإلهام البريطاني. وكان لخليفها، جون ميجور، الذي قام بحملة نشطة لصالح بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي قبل الاستفتاء الأخير، دور فعال في صياغة معاهدة ماستريخت. في حين تحدث توني بلير، لما كان في السلطة، ببلاغة عن الدور الأوروبي لبريطانيا.

ثم جاء ديفيد كاميرون، الذي تردد في محاولته للحفاظ على وحدة حزب المحافظين، وانتهت ولايته بفقدان كل من أوروبا والحزب.

ومن المؤكد أن كاميرون دافع على أوروبا أمام جمهور غير مقتنع. ويحن العديد من البريطانيين إلى الماضي، ويظنون أنه كان مألوفا ومطمئنا وآمنا.

وقد تعزز هذا الحنين باستمرار من خلال مشاعر لاذعة معادية لأوروبا – وعلى وجه الخصوص، لألمانيا – ضمن حملة قادتها بعض وسائل الإعلام الرئيسية في البلاد. وبقراءة صحيفتي “الديلي ميل” و “الصان” في السنوات القليلة الماضية نجد نوعا من القومية الرجعية – في كثير من الأحيان باستعمال أكاذيب سافرة – على نطاق واسع، نادرا ما يشاهد في بلدان أوروبية أخرى.

ولكن كانت هناك أيضا إشكالية النبرة. فخوفا من التداعيات السياسية، حتى القادة الذين دعموا بصدق التكامل الأوروبي ترددوا في الدفاع عن الاتحاد الأوروبي بطريقة جريئة أو ملهمة لناخبيهم. ومن جانبهم، قادة أولئك الذين عارضوا الاتحاد الأوروبي، مثل عمدة لندن السابق بوريس جونسون، الذي قاد حملة “الخروج”، واصلوا ببساطة تطبيق وصفة مجربة وحقيقية: إذكاء نيران القومية القائمة على الخوف.

لكن عندما عَبَر القادة البريطانيون القناة الإنجليزية إلى أوروبا، تغير كل شيء. وتركوا جانبا التشكيك في أوروبا، واستمروا في تعميق دور المملكة المتحدة في أوروبا. وعندما كنت وزيرا للخارجية في السويد، حضرتٌ أكثر من 130 اجتماعا للمجالس الوزارية المختلفة للاتحاد الأوروبي، وأستطيع أن أشهد بصدق أن صوت بريطانيا كان من بين الأبرز في كل اجتماع.

والحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي الذي ظهر على مدى العقد الماضي قد شٌكل في جزئياته من قبل المملكة المتحدة. وقد ساعد الاتفاق على سوق واحدة على تعزيز القدرة التنافسية. ومنحت اتفاقيات التجارة الحرة الجديدة الاقتصادات الأوروبية الوصول إلى الأسواق الرئيسية في جميع أنحاء العالم. ويعد توقيع اتفاق عالمي بشأن المناخ ليس فقط بمثابة وعود لحماية البيئة، ولكن أيضا لتعزيز دور أوروبا كشريك رائد في مجال الاستدامة، وتوسيع وتعزيز الأمن في أوروبا بشكل كبير.

هذه ، بكل المقاييس المعقولة، بعض الإنجازات التي قادتها المملكة المتحدة. ولكن هذه كانت في معظمها سرا غير معروف عند الرأي العام البريطاني. وهذا هو الفشل الذي تسبب في الكارثة التي هي بريكسيت.

لقد فقدت المملكة المتحدة الآن رسميا فرصتها في تأمين دورها الرئيسي في أوروبا، وإلى الأبد. بل أكثر من ذلك : المشهد السياسي الوطني في المملكة المتحدة أصبح في حالة خراب، وحزب المحافظين منقسم بشدة، وحزب العمل خامل تحت قيادة تحن إلى اليسار. وغاب الحزب الديمقراطي الليبرالي عن الأضواء.

و ربما سوف تتجه المملكة المتحدة نحو مزيد من التصدع، إذ قالت نيكولا ستورجن، أول وزيرة لاسكتلندا، التي صوتت بأغلبية ساحقة على البقاء في الاتحاد الأوروبي، أن استفتاء آخر على استقلال اسكتلندا ” محتمل جدا”، مؤكدة أن فصل اسكتلندا عن الاتحاد الأوروبي “غير مقبول ديمقراطيا.”

بينما يبقى احتمال تفكك أوروبا مستحيل التنبؤ به، فقد ثبت أن فيروس الطلاق السياسي بالتأكيد مٌعد – وربما تصبح أوروبا مٌجزأة أكثر وأقل أمنا.

في إجابة على سؤال واحد، أثار الناخبون المسنون الإنجليز – جوهر الناخبين لصالح “المغادرة” – مجموعة جديدة من الأسئلة: هل ستصبح المملكة المتحدة بلدا صغيرا داخل الاتحاد الأوروبي؟ هل ستصبح أكثر قليلا من المناطق الريفية النائية عن مركز مالي خارجي على نهر التيمز؟ هل سيجد قادتها دورا آخر تلعبه المملكة المتحدة في العالم، أم سيتركون بلادهم تتلاشى ببطء ؟

فقط الوقت كفيل بالإجابة عن هذه الأسئلة. وفي هذه الأثناء، سوف تتحمل المملكة المتحدة وجعا سياسيا واقتصاديا كبيرا.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل