المحتوى الرئيسى

الحقيقة الكروية فى المسألة الأوروبية | المصري اليوم

07/02 22:55

طَغت نتيجة الاستفتاء على بقاء أو خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى على كل ما عداها من أنباء خلال الأسبوع الماضى. كانت النتيجة مفاجأة للجميع: الساسة والنخب فى أوروبا وخارجها، والمراقبين والمحللين، والدول الخصوم منها والأصدقاء، والشعوب القريب منها والبعيد. ورغم ما بدا كأنه صاعقة سياسية وصفها أحد الكتاب بأنها «أهم ما جرى فى العلاقات الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفيتى»، فإن عشرات- إن لم يكن المئات- من التحليلات انهمرت من كل حدب وصوب عن أسباب الخروج، بعد أن كان أهم ما قبلها عن أسباب البقاء. فى هذه اللحظة فإنه لا توجد نية هنا للدخول فى هذا السباق بين المحللين، لأنه لا يمكن تقديم كلام جاد فيما لا يزيد على 700 كلمة مخصصة لهذا العمود. ومع ذلك فإن هناك مجموعة من الحقائق لابد- يا عزيزى القارئ- أن تعرفها، إذا كان هذا الموضوع يهمك فى المقام الأول.

أولى الحقائق أن المملكة المتحدة، وبريطانيا العظمى، وإنجلترا، ليست أمرا واحدا. الأولى، أى المملكة المتحدة، هى كيان فيدرالى يضم خمسة أقاليم: إنجلترا واسكوتلندا وويلز وشمال أيرلندا وجبل طارق. والثانية، أى بريطانيا العظمى، تعبير جغرافى عن «الجزيرة البريطانية»، التى تضم الكيانات الأولى الثلاثة فقط، بينما ينتمى الكيان الرابع إلى جزيرة أخرى تشغل معظم مساحتها دولة أخرى هى جمهورية أيرلندا، أما الخامس فهو بعيد فى جنوب إسبانيا على البحر الأبيض المتوسط. والثالثة، أى إنجلترا، هى أقوى الكيانات الأربعة تاريخيا، وأكثرها سكانا، وفيها توجد القاعدة الصناعية الكبرى للدولة وأهم جامعاتها، ومنها تكون الملكة (أو الملك حينما يتولى الرجال أحيانا قيادة الدولة)، وفيها توجد العاصمة لندن.

الاتحاد الأوروبى، على الجانب الآخر، ليس دولة، وإنما هو تنظيم إقليمى يضم الآن معظم الدول الأوروبية، وكان يسعى إلى أمرين: إعادة بناء أوروبا بعد الحرب، ومعها جعل الحرب مستحيلة بين أعضائه الذين حاربوا بعضهم البعض طوال التاريخ، لأن الأغنياء الذين يعتمدون على بعضهم البعض لا تكون فكرة الحرب بالنسبة لهم فكرة مغرية. وللعلم فإن بريطانيا لم تساهم فى إنشائه، وعلى العكس قاومته بمحاولة إنشاء تنظيم مقابل أقل طموحا، هو المنطقة الأوروبية للتجارة الحرة، لم يعد أحد يسمع عنها الآن. وبعد الفشل البريطانى فى إفشال الاتحاد، انضمت بريطانيا إلى التجمع الأوروبى فى عام 1973 إلى الست دول الأولى المؤسِّسة (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبرج). وبعد الدخول البريطانى توالى دخول الدول حتى وصل العدد إلى 28 دولة، ومعها جرى تعميق العلاقات حتى وصل إلى ما بات معروفا الآن بـ«الاتحاد الأوروبى». لم يعد الأمر مجرد «سوق مشتركة» أو حريات أربع لانتقال السلع والبضائع ورأس المال والعمالة، وإنما صار اتحادا يسعى إلى سياسة خارجية مشتركة، أما الدفاع والأمن فهو وظيفة مؤسسة أخرى هى حلف الأطلنطى، حيث توجد دولة أخرى تمثل خيطا رفيعا بين كل الدول الأوروبية، هى الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن الجائز أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد لم يكن مصادفة تاريخية أنه حدث، بينما تجرى مباريات كأس الأمم الأوروبية، وفيه فإن المملكة كانت ممثلة بأربعة فرق تتنافس فيما بينها ومع الآخرين، والمدهش أن اثنين منها كانا من المصوتين على البقاء فى الاتحاد الأوروبى (اسكتلندا وشمال أيرلندا)، واثنان آخران صوتا مع الخروج (إنجلترا وويلز). أما أسباب ذلك فأمر يطول شرحه، ولكن الواضح أن الانقسام فى المملكة عبر دوما عن أزمة فى العلاقة مع الاتحاد، فهى لم تنضم لأهم الاتفاقيات التى تحكمه، وهى اتفاقية الشنجن التى تضع الحدود الأمنية للدخول والخروج من المجال الأوروبى، واتفاقية «اليورو» وإنشاء بنك مركزى أوروبى الذى يضع الجذور لأوروبا «الفيدرالية». وفيما تبقى من اتفاقيات اقتصادية، فإن المملكة كانت حريصة دوما على أن تحصل على العديد من الاستثناءات التى تجعلها أقل دول الاتحاد تكاملا معه. باختصار كانت بريطانيا عضوا رخوا فى الاتحاد.

وفى حدود ما أعلم- وهو ليس كثيرا- فى الأمور الكروية، فإن أياً من فرق المملكة لم يحصل قط على كأس الأمم الأوروبية. والسبب أن نصف المملكة على الأقل لا يرى فى أوروبا أكثر من ساحة جغرافية، تلعب فيها دور «الموازن» واللعب على حبال دول تقاتلت وتصارعت طوال التاريخ، فوقفت مع هولندا ضد إسبانيا، ومع ألمانيا وإيطاليا ضد فرنسا، ومع فرنسا ضد ألمانيا، وفى كل الأحوال كانت المملكة منتصرة. ومَن يظن أن «سياسة فرِّق تَسُد» البريطانية فى الشرق الأوسط فقط فهو على خطأ كبير، لأن لندن جعلت ذلك سياسة عالمية منذ وقت طويل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل