المحتوى الرئيسى

نبيل النجار يكتب: أوكسيتوسين «كيمياء السعادة» | ساسة بوست

07/02 17:07

منذ 11 دقيقة، 2 يوليو,2016

إنها الحياة تتعاقب فيها الأحداث وتتلاحق، ونظل مستمرين في حلقات مفرغة نبحث عن السعادة, ونمضي فتمضي معنا ذكريات تربطنا بها أماكن وشخصيات ومواقف نختزلها في باطن العقل ويتأثر بها منبع الإحساس والشعور والحياة وهو القلب, تتسارع نبضاته وتعلو تارة ثم تبطئ وتقل صيحاتها تارة أخرى، حينما نتذكر موقفًا نستحضر به مسرح الحدث ونراجع أنفسنا ماذا كان يجب أن نفعل؟, هل نشتاق أم نبتعد أم  نرفض أم نقبل أم نحكم العقل أم نسير وراء أصوات نبضات القلب.

ولكننا لا نزال نبحث عن الإجابة وقد انتهى الأمر, فنبحث عن من يساندنا ويحتوينا ويمدنا بعنصر الأمان والراحة والطمأنينة,  فقد نجد من هم بجانبنا وقد نجد من تغيروا وابتعدوا وقد نجد من لم يتبق منهم سوى مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي تحمل معها ذكريات دفنت في باطن الأرض وحنينًا إلى الماضي وأشخاصًا قد غابوا عن الحدث وانتقلوا للحق، فلم يتبق ما يربطنا بهم سوى سيرتهم العطرة التي تتجدد عند كل حديث وروحهم الطيبة التي تراودنا في كل مكان .

ووسط هذا الصخب الشديد الذي يدور بداخلنا تبعا لدوران وتيرة الحياة، قد أعطانا الله تعالى عقلا نستطيع به القدرة على إدارة الذات والتحكم في المشاعر وعدم الانسياق وراء أهواء النفس البشرية في جميع ما نمر به في الحياة، فإن تركنا الأمور تسيرنا وفق ما تريد لأهلكنا وإن أبعدنا المشاعر وأحكمنا العقل دون القلب لأصبحنا كالآله أو الجماد الذي لا يشعر بقيمة الحياة ولا يحس بالحزن أو الفرح، لأن الحياة ليست مادة فالحياة ملك لله والإنسان روح من الله.

ولكن هل هذه المشاعر ناتجة عن تفكير الإنسان أم هى مجرد مواد كيميائية تحرك مستقبلات الشعور لدى الإنسان؟!

أما الحقيقة فهي حقيقة مرة، لأن الإنسان ليس إلا مصنعًا كبيرًا للمواد الكيميائية لهذة المشاعر، وعند القول أنها تتحكم بمشاعر الإنسان فسياق الكلام لا يدل على أن هذه المواد الكيميائية (الهرمونات) تتحكم تحكما تاما في المشاعر، بل هناك منطق والمنطق يوجه هذه المشاعر إلى الطرق الصحيحة.

وقد قامت بعض الدراسات على الإنسان لكى يعرفوا ما الذي يزيد من إنتاج هذه الهرمونات عند الشعور بالحب مثلا، فهناك بعض الأشياء التي تخفى عن الإنسان العادي، فمثلا الرائحة لها تأثير قوي جدا، فالإحساس بهذه الرائحة عن بعد، يجعل الإنسان يقوم بلا وعي بالتوجه إلى مكان الرائحة والجنس الآخر الذي يتعطر بها، فيؤثر عليه وعادة ما يقوم بهذا الدور هو الذكر بسبب أن الأناث لديهم الحذر الغريزي من الرجال، ووجدوا أن المسئول عن هذه المشاعر هو هرمون أوكسيتوسين Oxytocin.

فعند الشعور بالرائحة (بالعلم أن كل إنسان لديه بعض الروائح المفضلة) يثار جزء في العقل مما يؤدي لزيادة إنتاج هرمون أوكسيتوسين الذي يوجه ذلك الشخص للانجراف إلى ما يسمى الحب.

وهذا الكلام ينطبق على جميع الحواس الخمسة، فكل إنسان لديه بعض الصفات التي يحبها في شريكه الذي ينجذب إليه, وعند اصطدام المنطق العقلي مع المشاعر الفياضة يحدث صراع داخلي حتى ينتصر أحدهما.

والجدير بالذكر أن زيادة هذا الهرمون يؤثر على ذاكرة الإنسان في حالة الحب مثلا أو الأم المرضع كما أنه يتحكم في ثقة الإنسان.

إن الروح الإنسانية هى وعاء المشاعر والأحاسيس التي نختبرها في حياتنا وقد ظلت طبيعة هذه المشاعر تثير عقول الفلاسفة والعلماء على مدار الزمان.

وفى عصرنا الحديث فاجأنا العلماء باكتشافات مذهلة أخرجت هذه المشاعر من ثوبها السحري وجعلتها تبدو مجرد ناتج تفاعل كيميائي, كما أن الشعور بالثقة بالآخرين هو آخر تلك المشاعر التي نجح العلماء مؤخرا في ربطها بمجال الكيمياء فطالما أرجعها المرء إلى طول المعاشرة وحسن الظن, غير أن نتيجة بحث قام به فريق من العلماء السويسريين والأمريكان أثبتت أن الكيمياء تلعب دورا كبيرا في تكوين هذا الشعور وعلى الأخص هرمون أوكسيتوسين Oxytocin   وذلك في بحث لهم نشر مؤخرا في مجلة الطبيعة.

إنه الهرمون البيتيدى أو الأكسيوسين وهى كلمة مشتقة من اللاتينية ὀξύς oxys وتعنى الولادة السريعة.

يفرز هذا الهرمون بشكل جزئي من العصب  Nucleus paraventricularis في منطقة الوطاء وينتقل من الوطاء إلى الجزء الخلفي من الغدة النخامية عن طريق العصبونات, يخزن هذا الهرمون في الفص الخلفى للنخامية ويستخدم عند حاجة الإنسان إليه, ولهذا الهرمون أهمية خاصة في عملية الولادة ولا تكمن أهمية هذا الهرمون في دوره الكبير في علاقة الأم بطفلها، والعلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة، بل ويتعداه إلى وظائف أخرى, حيث يعمل على تنشيط مشاعر الثقة والتجاذب بين الناس، وذلك عندما يتم تحريره في الدماغ وترتفع كميته في المراحل الأولى من الحب الرومانسي الغرامي.

ووفقا لبحث صادر في مجلة Journal of Neuroscience فإن هذا الهرمون ليس سهم الإله كيبوبيد  «إله الحب» الذي يحث المرء على الوقوع في الحب مع أقرب شخص إليه ببساطة، بل يعتمد إلى حد كبير فيما إذا كان الشخص أو لم يكن في علاقة أحادية ملتزمة أي هل سبق له الوقوع في حب سابق!

تلك هى  كيمياء السعادة الناتجة عن صنع الله والتي أعطاها لنا لكي نعيش بالحب ونشعر بالسعادة وقيمة الحياة وكما قال الله تعالى «ولقد خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا».

فهل تأتي الصلات والتعارف بين الناس والارتباط بين الأحبة والغريزة الأموية ومحبة الأبوين بل والأهم والأشمل من ذلك هو وجود البشرية على الأرض بعد أن خلق الله آدم وحواء لعمارة الأرض وتعمير المجتمع دون الحب؟!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل