المحتوى الرئيسى

هدى شعراوي تتحدث (1): كرهت أنوثتي وتمنيت المرض لأتساوى بأخي

07/01 12:27

علامة فاصلة في التاريخ المصري، ومحطة رئيسية يقف عندها كل راصد لواقع المرأة والمجتمع المصريين، النسوية الأولى، التي وضعت حجر الأساس في جدار تحرير المرأة، مستغلة ثورة شعبية خرجت فيها المصريات مستقبلات رصاص جنود الاحتلال ليهتفن بالاستقلال التام أو الموت الزؤام.

مرت منذ أيام الذكرى السابعة والثلاثون بعد المائة لميلاد نور الهدى محمد سلطان أو هدى شعراوي في 23 يونيو 1897 في محافظة المنيا، وعادت إلى دائرة الضوء، بعد دعوة الصحفي شريف الشوباشي، لخلع الحجاب في ميدان التحرير، حيث خلعت هدى شعراوي البرقع خلال مظاهرات ثورة 1919.

لتتناول عدة أقلام حياة السيدة التي دعت لتحرير المرأة في "عصر الحرملك"، وقادت مظاهرات النساء في ثورة 1919، وأسست لجنة الوفد المركزية للسيدات، وكانت رئيسة الاتحاد النسائي العربي، وأصبحت نائبة رئيسة لجنة اتحاد المرأة العالمي، ونظمت مؤتمرًا نسائيًا للدفاع عن فلسطين عام 1938، وتتداول عدة تقارير تدعي النقل عن مذكرات هدى شعراوي مقولات لم ترد فيها.

"دوت مصر" يرفع البرقع عن حياة هدى شعراوي التي طالها الكثير من التشويه، وينشر سيرتها الذاتية التي دونتها بقلمها، ونشرت عام 1976، مع عدم التدخل إلا في أضيق الحدود للتوضيح أو الشرح.

تروي هدى شعراوي أول تجربة أليمة تمر بها وهي في عمر الخامسة.

ثم جاء ذلك اليوم الذي لا يمكن أن أنساه أبدًا … كنت ألعب مع شقيقي "عمر"، عندما تناهى إلينا فجأة صراخ عال يملأ أرجاء البيت وملأ الخوف قلبي، وتعلقت أنا وأخي بمربيتنا، وفي ذلك الوقت أقبلت مرضعتي مهرولة، وهي تتشح بالسواد، وتصيح قائلة: لقد تحقق خبر الباشا فأعطني يا "سياج" – خادم - الطفلين لأذهب بهما إلى منزل مسعود باشا حتى لا يزعجهما الصراخ والعويل.

إن هذه الجملة لا تزال ترن في أذني حتى اليوم، ولا تزال تحدث صداها في أعماقي ولا تزال حرارتها في قلبي ونفسي.

كنت في الخامسة من عمري عندما وقع هذا الحدث الجسيم، فقد توفي والدي المرحوم محمد سلطان باشا يوم ١٤ أغسطس ١٨٨٤ في مدينة جراتس بالنمسا.

وقد لاحظت – زوجة أبيها - ما كنت أحاول أن أخفيه من آلام نفسية؛ بسبب تفضيل أخي عليَّ سواء من جانب والدتي أو أهل البيت جميعًا، فكانت تحاول أن تقنعني بأن هذا ليس تفضيلًا، ولكن لأن الولد هو الذي يحمل اسم الأسرة وهو الذي يحمل مسئوليتها.

وأجابتني – الأم - في ابتسامتها الحلوة: ألم تشعري الآن بالفارق الذي بينك وبينه، قلت: نعم ولكني أنا الأكبر وأنا الأولى، ويجب أن يكون نصيبي أوفر منه ومركزي أعلى من مركزه.

قالت: ولكنك فتاة وهو غلام، وليس هذا فحسب، بل أنت لست الفتاة الوحيدة وهو الولد الوحيد الذي عليه عمار الدار، أنت عندما تتزوجين ستذهبين إلى منزل الزوجية وتحملين اسم زوجك، أما هو فسيحيي اسم أبيه ويفتح بيته.

هذا الجواب الصريح المعقول، رد إليَّ رشدي، ولم أتألم من سماعه بل نزل على قلبي بردًا وسلامًا، وزادني حبٍّا لأخي الذي سيخلد اسم أبي الحبيب ويحل محله في العائلة.

أضافت: إن أخاك ضعيف البنية، لذلك يخافون على صحته ويعطفون عليه، أما أنت فقوية سليمة الصحة.

وقد تمنيت بعد ذلك أن أمرض لأتساوى معه في حب والدتي، وتصادف أن تفشت حمى الدنج في البلد، وكنت أول من أصيب بها في المنزل، ففرحت بهذا الاختبار ولازمت الفراش، وكم تأثرت من اهتمام والدتي بمرضي وانزعاجها منه؛ لأنها لم تتعود أن تراني مريضة، وأمرت في الحال بإحضار طبيب العائلة "علوي باشا".

وبعد يومين أو ثلاثة أصيب أخي بالمرض نفسه، فقام أهل المنزل على قدم وساق، ورأيت الأطباء يدخلون غرفتنا قاصدين فراش أخي، ثم يقومون بفحصه ويغادرون الغرفة دون أن يلتفتوا إليَّ، رغم أن فراشه كان بالقرب من فراشي، وقد أثر في ذلك كثيرًا، وارتفعت الحمى من فرط تأثري، ولكن أحدًا لم يهتم بأمري إلا بعد أن ازدادت حالتي سوءًا.

ولقد زادتني هذه التجربة المريرة انكماشا وحقدا على من حولي، فصرت أقضي معظم أوقات الفراغ بعد الدرس في حديقتنا التي كانت أشبه بغابة صغيرة.

أشار الطبيب الذي كان يعالج أخي أن يشتروا له مهرًا صغيرًا.. فطلبت أنا أيضًا أن يشتروا لي مهرًا لأركب مثله، وحاولوا إقناعي بأن ركوب الخيل لا يليق بالبنات، ولكني دحضت زعمهم هذا بحجة دامغة، فضربت لهم مثلًا بجارتنا ابنة الضابط لمعي بك التي تركب الخيل وتقود عربتها الصغيرة بنفسها، ولما عجزت والدتي عن إقناعي، خيرتني بين الحصان والبيانو، وكانت تعرف ميلي الشديد للموسيقى فنجحت إذ فضلت البيانو على الحصان، قائلة في نفسي: أكسب البيانو وأتمتع بركوب حصان أخي كلما أردت.

سعت "شعراوي" لتعلم قواعد النحو من معلمها الخاص، واتفقا على ذلك، إلا جنسها وقف في طريق رغبتها كما تروي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل