المحتوى الرئيسى

مهمة ضرورية للأمين العام الجديد للجامعة العربية | المصري اليوم

06/30 01:55

ما العمل الآن، وماذا نتوقع الآن من نتانياهو وحكومته غير كلمات زائفة ومعسولة عن التمسك بالسلام وعن تفضيل مؤتمر إقليمى للسلام يشارك فيه العرب مع مواصلة تطبيق معتقداته الحقيقية الأيديولوجية المتطرفة، وهو يرتدى بدهاء عباءة السياسى البرجماتى المرن؟ إن الحل المفضل عنده حسب تاريخه وتصرفاته يتمثل فى احتلال الضفة وقضمها وهضم أرضها وحشر الفلسطينيين فى مناطق محاصرة بالمستعمرين المستوطنين وبالجدران وبأدوات القمع العسكرى. ماذا نتوقع الآن وبعد أن رفض نتانياهو المبادرة الفرنسية صراحة، وبعد أن تمكن بأدوات متعددة من إفراغ مؤتمر باريس من آليات صنع سلام حقيقى قادرة على استخدام الضغط الدولى لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية؟. ماذا نفعل الآن بعد أن عدنا للمربع الأول؟ وهو المربع الذى صمم عليه نتانياهو من البداية، وهو مربع الانفراد بالسلطة الفلسطينية مع مواصلة توسيع استيطان الضفة الغربية. ماذا نفعل الآن وبعد أن وقف نتانياهو يتحدث عن السلام فى مناسبة توسيع حكومته وسط ديكور سياسى قام هو بتصميمه ونصبه شخصيا على نحو لا يبشر بالحد الأدنى من السلام العادل؟ لقد استبعد من هذا الديكور الحزب الذى يدعو لسلام عادل على أساس إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، وهو المعسكر الصهيونى برئاسة هرتزوج، ثم وقف بجوار شريكه الجديد، الذى فضل ودبر أن يدخله فى الحكومة، وهو المتطرف اليمينى ليبرمان، ليطالب العرب بتعديل المبادرة العربية أى بقبول إملاءاته لتكريس واقع الاحتلال والاستيطان. لحسن الحظ أن وزيرى خارجية عربيين قد أجابا على الفور برفض هذا الابتزاز السياسى باسم السلام، حيث أكد وزير الخارجية المصرى، سامح شكرى، ووزير الخارجية السعودى، عادل الجبير، كلٌّ بطريقته، أن المبادرة العربية مازالت صالحة كما هى لإطلاق وإقرار عملية سلام، وأن العرب متمسكون بمبادئها فى مقايضة الأرض المحتلة بالسلام وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الذين شردتهم الحركة الصهيونية عام ١٩٤٨. ومع هذا الرد الحاسم من جانب الوزيرين المصرى والسعودى نسأل أيضا: وما العمل وقد أجاب نتانياهو بنفسه على هذا الموقف العربى المعلن فى اجتماعه الأخير مع المجموعة الوزارية لحزبه ليكود؟ لقد نقلت الصحف الإسرائيلية عن بعضٍ ممن حضروا الاجتماع أنه قال لوزرائه صراحة إنه يرفض المبادرة العربية بصورتها الحالية، وإن العرب إذا حاصرونا بين خيارين يقولان خذ المبادرة أو اتركها (تيك إت أور ليڤ إت) فإن إسرائيل ستختار أن تتركها. إن هذه الرسالة المسربة للصحافة يراد منها هز أعصاب العرب وإشعارهم بأنهم بدورهم بين أحد خيارين: الأول إما أن يقبلوا بتخفيض مطالبهم الواردة بمبادرة قمة بيروت عام ٢٠٠٢ ليحصلوا على مهرجان وحفلة دولية لتوقيع اتفاق سلام يقوم فعليا بتكريس واقع الاستيطان فى الضفة والجولان ويسقط قضية اللاجئين ويتناسى القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية ويمنح إسرائيل علاقات سلام وتطبيع مع جميع الدول العربية. والثانى أن يرفضوا هذا العرض وبالتالى يستمر الأمر الواقع الذى تتزايد فيه عملية الاستيطان فى الجولان، وقضم الضفة الغربية وحشر الفلسطينيين فى مناطق ضيقة بالضفة وتتواصل فيه عملية حصار غزة وتكريس وجود سلطتين فلسطينيتين متناحرتين تستقل كل منهما بكيان، وتدرك كل منهما أنها باقية فى مقاعد الحكم بشروط إسرائيل. دعونا نلخص الموقف لنجد أن العرب يضعون نتانياهو بين أحد خيارين، إما قبول المبادرة العربية أو رفضها، ومن الناحية الثانية يضع نتانياهو العرب بين خيارين مريرين، إما تعديل المبادرة وإما استمرار الأمر الواقع. من الطبيعى فى العلاقات الدولية عندما يصل طرفان فى مشكلة إلى طريق مسدود أن يظهر احتمالان، الأول أن يمارس المجتمع الدولى، بقيادة الدول الكبرى، ضغطا لإرغام الطرف المعتدى على الانصياع لقواعد القانون الدولى، كما حدث من قبل عام ١٩٥٦، عندما أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية حكومة إسرائيل وبرلمانها على ابتلاع قرارهما بضم شبه جزيرة سيناء والانسحاب منه، وهو احتمال لم يعد قائما فى الحالة الدولية الراهنة، أما الاحتمال الثانى فيتمثل فى أن تدخل أطراف دولية للتوسط وإقناع كل طرف من أطراف النزاع بتقديم قدر من التنازلات ليمكن كسر الجمود وفتح الطريق إلى اتفاق مقبول للطرفين، وهو احتمال تم تجريبه دون جدوى فى صورة جولات المفاوضات الثنائية المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أمريكية. إن الطريق الثالث المفتوح الآن هو طريق المشاورات فى الكواليس الدولية للتقريب بين دول المبادرة العربية وبين إسرائيل لتقريب وجهات النظر. فى تقديرى أن نتانياهو لا يشير فقط إلى وقائع الاستيطان عندما يتحدث عن المستجدات والتطورات التى طرأت منذ إطلاق المبادرة العربية عام ٢٠٠٢، والتى يجب أن يضعها العرب فى الحسبان عند تعديل مبادرتهم، بل إنه يشير أيضا إلى أن الدول العربية فقدت كثيرا من وزنها منذ عام ٢٠٠٢، عندما أطلقت المبادرة نتيجة المستجدات. هنا يجب أن نتذكر أن أول وأخطر هذه المستجدات والتطورات التى وقعت فى المنطقة العربية بعد وقت قصير من إطلاق المبادرة يتمثل فى اجتياح القوات الأمريكية للعراق تحت إدارة المحافظين الجدد المتوافقين مع أفكار حزب ليكود الإسرائيلى، وعلينا ألا ننسى أن هذا التطور هو الذى قاد الدول العربية إلى ما تعانيه اليوم من صراع طائفى شيعى سنى تلعب فيه إيران دورا رئيسيا ويؤدى إلى إذكاء موجة العنف والإرهاب. ما ألمحه هنا هو أن نتانياهو يريد بالحديث عن المستجدات أن يدعونا إلى الاعتراف بهذا الخلل الشديد الذى وقع فى النظام العربى، وما ترتب عليه من ضعف عربى عام، وبالتالى التواضع فى مطالبنا الواردة بالمبادرة. إننى أدعو أمين عام جامعة الدول العربية الجديد، الوزير أحمد أبوالغيط، والذى نعرف قدراته الرفيعة فى التخطيط الاستراتيجى والسياسى منذ كان دبلوماسيا شابا فى مجموعة إدارة حرب أكتوبر، إلى أن يُخضع هذه الصورة بمجملها لبحث متعمق تشارك فيه مجموعات من الباحثين المصريين والعرب من التخصصات المناسبة للموضوع. أعتقد أن هذا هو الطريق الوحيد الصحيح لبناء رؤية عربية موحدة لكيفية التعامل العربى الموحد مع الحالة الراهنة، والإجابة المناسبة على سؤال: وما العمل؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل