المحتوى الرئيسى

الشيخ عبدالباسط عبدالصمد: من مكة إلى رأس الرجاء الصالح مروراً بـ«الأقصى».. إنا له لحافظون

06/29 23:29

يسمونه «المقرئ النجم»، أو أكثر مقرئى القرآن نجومية. كان من حسن حظه أن أجهزة التسجيل أصبحت فى متناول الجميع، وبذلك أتيح لقاعدة جماهيرية هائلة أن تستمتع بقوة صوته الساحرة ورنته العذبة. إنه الشيخ «عبدالباسط عبدالصمد»، شيخ عموم المقارئ المصرية ونقيب محفظى وقارئى القرآن الكريم، ابن مدينة «أرمنت» فى صعيد مصر، مدينة مصانع السكر وزراعات القصب.

كان محباً للقرآن، وكان يتمنى أن يكون قارئاً مشهوراً. حفظ الصبىّ عبدالباسط (1927-1988) القرآن فى سن العاشرة. ولأن أجهزة الراديو كانت قليلة فى ذلك الوقت.. اضطر الشيخ عبدالباسط إلى سماع الشيخ محمد رفعت فى مقهى يبعد عن أرمنت ثلاثة كيلومترات. طلب من والده أن يكون قارئاً للقرآن فأبدى الأب استعداداً كاملاً لإرساله إلى مدينة طنطا، التى اشتهرت بتدريس هذه العلوم، لكن مدرساً لعلوم القرآن يدعى الشيخ محمد سليم حمادة كان قد حضر إلى قرية مجاورة لمدينة أرمنت تسمى «أصفول المطاعنة»، تتبع مركز «إسنا»، استقبله أهلها بالترحاب وأنشأوا له جمعية أو مدرسة لتعليم قراءة القرآن. وهناك قضى شيخنا أربع سنوات ظل خلالها مرافقاً لأستاذه فى كل حفلاته الخاصة، حيث تعلم القراءات السبع. وعندما حضر إلى القاهرة تعلم القراءات الثلاث المتممة على يد الشيخ عبدالفتاح القاضى.

كان الشيخ عبدالباسط يجتهد فى تحسين صوته وترتيل القرآن. وكانت شعبيته فى الصعيد -من السودان إلى بنى سويف- طاغية. وعندما عُرض عليه العمل فى الإذاعة لم يكن مقتنعاً فى البداية، لكن المقربين منه أقنعوه بأن شهرته ستتضاعف وسيصبح مقرئاً عالمياً.. فاقتنع، والتحق بالإذاعة المصرية عام 1950 لتبدأ شهرته فى العام التالى ولم يكن قد تجاوز العشرين من عمره.

بعد نجاحه فى اختبارات الإذاعة ظل متردداً بين الإقامة فى القاهرة والصعيد. وفى العام 1951 أدى فريضة الحج مع والده، وسجل لأول مرة فى حياته فى إذاعة السعودية. ثم عاد إلى القاهرة حيث أقام فى فندق إلى جوار مقام السيدة زينب، ومن هناك بدأت شهرته، إذ كان يدعى للقراءة فى المسجد أيام المولد. ومن الفندق انتقل إلى شقة تواجه المسجد، ثم إلى شقة أخرى فى الحلمية الجديدة.

كانت قد بدأت مرحلة الاحتراف، وبدأت الدعوات تنهال عليه من جميع مدن القطر المصرى، ثم سافر إلى دمشق حيث أحيا ليالى رمضان فى المسجد الأموى، وتنقل بين حلب واللاذقية وطرطوس. ثم دُعى إلى بيروت والأردن، وأحيا ليالى رمضان مرتين فى المسجد الأقصى. وكان التسجيل هناك يتم بعد صلاة العصر ويذاع بين الثامنة والتاسعة مساءً. وذات يوم اقترح على وزير الإعلام الأردنى إحياء ليلة القدر من المسجد الأقصى، على أن تنضم إلى الإذاعة الأردنية إذاعات دول عربية وإسلامية أخرى، فوافق على الفور، وكان حدثاً لا يُنسى.

زار الشيخ عبدالباسط دولاً كثيرة، وقرأ القرآن فى 14 ولاية أمريكية، وكان أول من سافر إلى جنوب أفريقيا على الرغم من مقاطعة الدول العربية والإسلامية لنظامها فى ذلك الوقت بسبب عنصريته، فضلاً عن أن المسلمين هناك كانوا أقلية. استمرت الزيارة شهراً ونصف الشهر، وشملت جوهانسبرج ودربن ورأس الرجاء الصالح، وكان من نتائجها أن تحمس بعض المسلمين هناك وأرسلوا أبناءهم للدراسة فى الأزهر. ومن الذكريات الطريفة أن مجلة «الجيل الجديد» أطلقت عليه فى تلك الفترة لقب «عبدالباسط براندو»، نسبة إلى نجم السينما الأمريكية المعروف «مارلون براندو». وفى مقابلة بدون تاريخ نشرت على موقعه الخاص، يتحدّث الشيخ كنجم متحفّظ عن الشهرة وانفعالات الجمهور بكثير من الورع الذى يربط فيه بين شخصيّته الفنيّة المشهورة، وبين توفيق الله. يخبر المذيع عن رحلاته فى العالم، وكيف كان أول مقرئ ذهب إلى جنوب أفريقيا، وكيف وقف له الفرنسيّون يصفّقون 10 دقائق بعد قراءة له هناك، وكيف كان لقب «عبدالباسط براندو» جزءاً من حرب شنّتها ضده بعض الأوساط بسبب شهرته ونجوميته. وينهمك المقرئ المشهور فى تعديد المساجد والمدن والبلاد التى قرأ فيها، مختتماً أىّ رقم أو مسجد أو اسم مدينة بعبارة: «دا طبعاً بتوفيق من الله». وعندما يحاول المذيع استدراجه لذكر أسماء مقرئين معاصرين يستمع إليهم.. يتهرّب من الإجابة معللاً ذلك بتولّيه منصب نقيب المقرئين المصريين، وبأنّه لا يريد أن «يزعّل» أحداً.

كان الشيخ عبدالباسط من أكثر مقرئى القرآن اهتماماً بما يمكن تسميته «موسيقية الصوت»، وكان يرى أن التلاوة أيضاً تعتمد على المقامات، إذ فيها «نهاوند وبياتى وصبا وحجازكار».. لأن فيها تلويناً، لذا كانت لجنة اختبار المقرئين فى الإذاعة تضم دائماً عضوين من معهد الموسيقى للتأكد مما يسمى «التكوين النغمى» للصوت. ورغم اعتراف الشيخ عبدالباسط بأن تشجيع جمهور المستمعين هو الذى أنضج موهبته.. فإن الهرج الذى يحدث عادة أثناء القراءة، وتعليقات الإشادة والثناء، لم تكن تعجبه، وكان يفضل سماع القرآن بأدب انطلاقاً من أن للقرآن «آداب استماع» صوناً لهيبته.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل