المحتوى الرئيسى

سؤال جوهرى حول البديل | المصري اليوم

06/28 22:46

أتلقى ممتنًا تعليقات كثيرة على ما أكتب فى «المصرى اليوم»، وتحمل صفحة «فيس بوك» عشرات منها، وهى متاحة لمن يود الاطلاع ويريد تحليل مضامين هذا الديالوج، الذى تمتزج فيه سرديات مجتمعية «سوسيولوجية» مع رؤى سياسية وفكرية، غير أن هناك تعليقًا أراه مهمًا، وهو مهم بالفعل، لأنه يطرح سؤالاً محوريًا جاءنى على بريدى الخاص من الصديق المفكر العربى والإعلامى المرموق الأستاذ غسان طهبوب ابن فلسطين المصرى الهوى القومى الوجدان، والذى لا ينى يذكر فضل المحروسة على جيله وأجيال أخرى فى أكثر من مجال، وهو ممن لا يزالون قابضين على جمر الإصرار على الإجادة والتميز فى العمل «الصنعة»، وجمر الانتماء العربى الحضارى والثقافى، وجمر الوفاء للمودة الإنسانية!

كتب الأستاذ غسان معلقًا على مقال الأربعاء الفائت ومن تعليقه أقتبس: «... أجدد اقتراحى إليك بكتابة مذكراتك/ يومياتك، فقد حباك الله قدرة على رصد فريد برؤية خاصة، وتدقيق فى تفاصيل حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية بثرائها وقيمها وتفاعلاتها مع بيئتها.. أما ما يتصل بشق المقال المتعلق ببالونات «المصالحة»، فقد أصبت فى النتائج التى انتهيت إليها لكن.. ولعنة الله على لكن هذه.. ما هو البديل الممكن لحركة الإخوان المسلمين وأضرابهم من السلفيين ومن لف لفهم؟! من سيبادر إلى ملء الفراغ الفكرى الرهيب الذى يلف العالم العربى من أقصاه إلى أقصاه؟! كيف يمكن لهذا البديل أن يولد؟! أحسب أنك تلاحظ بدايات مراجعات عند الإسلاميين، كما فى حالة الغنوشى فى تونس، المسبوق بالمغربى بن كيران والمتبوع بإخوان الأردن.. هى على الأرجح - والحديث ما زال للأستاذ طهبوب - مراجعات تكتيكية لمواءمة معطيات المرحلة، لكن سيكون لها آثارها البعيدة وستستقطب اهتمام شبان كثر، خاصة أن مكانة الدين مستقرة فى وجدان مجتمعاتنا العربية، وهذا الاستقرار يدركه الغرب بكل مكوناته، وهو ما أسهم فى رسم سياساته فى المنطقة منذ انتهاء الخلافة العثمانية، وهو على الأرجح أحد أسرار العلاقة التى لم تنقطع بين بريطانيا وحركة الإخوان، وأحد أسباب استمرار الاهتمام الأمريكى بالإخوان والحفاظ على العلاقة معهم.. ومع الأسف فإن الغرب وجد ضالته فى الإسلاميين، ونجح فى استخدامهم مرة ضد الوطنية المصرية «ثورة 1919»، ومرة أخرى ضد عبدالناصر، وثالثة فى فلسطين لإضعاف منظمة التحرير، واليوم لتفتيت كل قطر عربى ينطوى على تنوع دينى وعرقى.. أليس مدهشًا أن الإسلاميين سنة وشيعة شريك أصيل فى خراب سوريا والعراق وليبيا واليمن، وفى الانقسام الفلسطينى، وفى مشاكل مصر، وفى الحال اللبنانية والبحرينية؟!.. لا شك أنك تدرك أن الإخوان براجماتيون بامتياز.. بل إن ميكيافيللى تلميذ فى البراجماتية مقارنة بهم.. لذلك ليس مستبعدًا أن تكون بالونات «المصالحة» مؤشرًا على شىء ما قيد التداول أو التفاوض وأعود إلى السؤال- والحديث ما زال للأستاذ غسان طهبوب- من سيملأ هذا الفراغ الفكرى الضخم فى حياتنا العربية..؟! هل ستتمكن نخب الوطنية المصرية من اجتراح وصفة فكرية تستوعب التدين الفطرى للناس، وتستوعب المتغيرات الموضوعية، وتحسن مخاطبة الشباب وتعمل على إشراكهم وتقدم رؤى مؤهلة لملء الفراغ، لكى لا يجد أبناؤنا أنفسهم أمام إعادة إنتاج الماضى.. وأقول نخب الوطنية المصرية على وجه التحديد لأنها قطب رحى الفكر والتحديث فى عالمنا العربى، ودع عنك كل الأشجار الباسقة اليوم، فهى قد تحجب الغابة ولكن إلى بعض الوقت وليس كل الوقت..»، ويختم الأستاذ طهبوب تعليقه بسؤال آخر مهم: «أعلم أنك مثلى تشعر بأثقال الواقع وهى أثقال قد تستدعى الإحباط لكنى أذكر نفسى وأقول متى كان واقعنا العربى منذ العصر العباسى الثانى متحررًا من الأثقال؟! وفقك الله وقدرك على الاستمرار فى إضاءة الشمع فى هذا الليل البهيم».

انتهى تعليق المفكر العربى غسان طهبوب على مقالى المنشور الأربعاء الفائت، وكان عن المصالحة التى طرحها الوزير العجاتى والنائب اللواء سعد الجمال!

وبداية أقول: إن ما يطرحه الأستاذ غسان هو جوهر كل ما يمكن أن يثار حول مستقبل وطنى وقومى أو إقليمى متحرر من وصاية التنظيمات والقوى، التى تزعم مرجعية دينية وفى مقدمتها الإخوان والسلفيون وأضرابهم!

القضية المثارة إذن: ما البديل الذى يملأ الفراغ الناجم عن خلخلة وجود وتأثير تلك الاتجاهات، التى لم تقتصر على الوجود الفكرى، وإنما امتدت للواقع العملى اليومى للناس؟! وفى ثنايا طرحه أشار الأستاذ طهبوب إلى لقطة تاريخية مهمة عندما ربط بين انهيار واختفاء الخلافة العثمانية، وظهور الإخوان المسلمين بدعم بريطانى أو بالأصح تفكير البريطانيين فى إيجاد بديل للتماسك فى المنطقة حول الطرح الدينى، ولذا كان إنشاء الإخوان عام 1928 فيما اختفت الخلافة قبل ذلك بزمن وجيز!! وأهمية «اللقطة- الحقيقة»، هى أن أمر حاضرنا ومستقبلنا ليس معادلة محلية محضة، وإنما هناك أطراف أخرى إقليمية ودولية تلعب دورًا فى هذا الأمر، وعليه هل يمكن إيجاد بديل يسد الفراغ، وفى الوقت نفسه يحوز قبول تلك الأطراف الإقليمية والدولية أو على الأقل لا يستعديها كى لا تجهضه؟! وذلك مرتبط بسؤال أظنه جوهريًا طالما طرحته من قبل، وهو كيف يمكن أن نبنى مصر متماسكة قوية متوازنة، تلعب دورًا مع محيطها بدلاً عن «فى محيطها»، دون أن تستفز قرون الاستشعار بالخطر لدى تلك الأطراف فتسارع بضرب التجربة المصرية، كما حدث مع محمد على وإسماعيل وعبدالناصر؟!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل