المحتوى الرئيسى

محاولة الدخول لمكتب حسنين فى عابدين.. والتاريخ الشامل للقصر وساكنيه (الحلقة الرابعة والعشرون ) | المصري اليوم

06/28 22:05

حاولت الدخول لقصر عابدين لإنجاز مهمة صحفية متعلقة بأحمد حسنين باشا.. فكما تشرفت بمقابلة كريمته «جيدة» وحفيديه، وكما زرت ضريحه المقابل لمشيخة الأزهر- كما سأستعرض لاحقًا - فإننى من باب الأمانة الصحفية وجدت أنه لابد أن أقترب من مكتبه كرئيس للديوان الملكى فى مكتبه بقصر عابدين. تنقل الرجل فى وظائف مهمة لكن «رئيس الديوان» وعلاقته بفاروق «والقصر»، كانت العنوان الرئيسى فى هذه الحلقات. تقدمت بطلب رسمى لرئاسة الجمهورية، جاءت الموافقة على دخول «المتحف» وليس «القصر».

لم أتلق إجابات قاطعة ومحددة حول أسباب الرفض أو التأجيل.

أعلم أن الإجراءات الأمنية فى هذه المناطق الحساسة وفى هذا القصر بكنوزه التى لا تقدر بثمن ينبغى أن تكون على أشدها، أعلم ذلك، ولكننى أعلم وبشكل أكثر دقة، أن حقنا كمصريين فى المعرفة مهم وله احترامه أيضًا.

علمت أيضًا أن هناك ضوابط جديدة فى سبيلها للظهور قريبًا حول الزيارات الجماهيرية بشكل عام للقصور الرئاسية الثمانية بشكل عام وضمنها قصر عابدين. كنت أرغب فى الاقتراب من الرجل ومن مكتبه بشكل أكثر صدقا وحياة وأنا أكتب عن مرحلة مهمة من تاريخنا. سألت الدكتور مصطفى الفقى والذى عمل فترة مهمة من حياته فى رئاسة الجمهورية كسكرتير للمعلومات، عن مكتب حسنين باشا وهل هو نفسه الذى مارس منه رؤساء الديوان عملهم إلى جوار رؤساء الجمهورية ابتداءً من عبدالناصر وحتى السيسى. سألته بالتحديد عن مكتب الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان الجمهورية فى عهد مبارك، فقال لى إن الأمانة العامة انتقلت إلى منشية البكرى.. وإن الغالب أن مكاتب قصر عابدين لم تكن بالحجم الكبير.. وأن المعلومات لديه قليلة عن طبيعة مكتب أحمد حسنين فى «عابدين».

غير أننى للمقارنة بين سهولة دخول الصحفيين لقصر عابدين فى مطلع ثورة يوليو والصعوبة التى واجهتها، أحيل القراء الأعزاء إلى موضوع صحفى شيق منشور فى «المصرى اليوم لايت» مستمد من قصة صحفية للكاتب الراحل أنيس منصور منشورة فى آخر ساعة عام 1953 وقصتها كالتالى:

اقترح أنيس منصور- وكان يومها صحفيًا شابًا على رئيس تحريره محمد حسنين هيكل رئيس تحرير آخر ساعة - فكرة مبتكرة لتنفيذ الاحتفال بثورة يوليو 1952 وذلك بفتح قصر عابدين للشعب على أساس أنه رمز للحكم الملكى فى مصر.. وافق هيكل على الفور.

يحكى منصور أنه تمكن من الحصول على التراخيص اللازمة وذهب إلى قرية «الحوتية» المهندسين الآن ووقع اختياره على فلاح نموذجى للمهمة وهو محمد سليم وزوجته وابنهما محمد الذى يبلغ من العمر 3 سنوات. وفى 9 إبريل 1953 صدر عدد آخر ساعة وعلى غلافه صورة التقطها الفنان حسن دياب لسليم وزوجته على عرش مصر وكان المانشيت كالتالى:

«قصة فلاح جلس على عرش مصر».

أخرج من هذه القصة.. إلى وضع القصر حاليًا، والذى خضع للترميم والتجديد بقرار من الرئيس الأسبق حسنى مبارك وتم استكمال هذه العملية فى 1998.. وتم افتتاح مجمع المتاحف فى 17 أكتوبر من نفس العام.. وصدرت أوامر بإعادة توثيق وترميم جميع قصور مصر الرئاسية أسوة بقصر عابدين. وقبل أن أنتقل إلى هذه النقطة، فإن متحف «عابدين» وباقى المتاحف الرئاسية تضم كنوزاً رائعة، ويديرها متخصصون أكفاء لديهم خبرة رائعة فى الإدارة وكذلك فى التوثيق والحفظ والتعامل مع هذا الميراث الذى لا يقدر بأى ثمن.

وللتعويض عن عدم دخولى «القصر» حصلت على كتاب تاريخى قيم أصدرته رئاسة الجمهورية - فى عهد مبارك - عن قصر عابدين وكنوزه وتحفه.. والأهم أنه تضمن عرضًا تاريخيًا دقيقًا ومحايداً لمسيرة حكام مصر داخل قصر عابدين حتى قيام ثورة يوليو.

ترجع تسمية قصر عابدين إلى أحد القادة العسكريين المتميزين فى عهد محمد على باشا (عابدين بك).. كان يمتلك قصراً صغيراً فى مكان القصر الحالى.. اشتراه الخديو إسماعيل من أرملته وهدمه وضم إليه أراضى واسعة ثم شرع فى تشييد هذا القصر.

فى عهد إسماعيل وبتخطيط مهندسيه نشأت فى غرب مدينة القاهرة، عاصمة أخرى رائعة تتسم بثقافة جديدة مفعمة بالحيوية، وقد تواجدت فيها جماعات وجاليات متميزة وشوارع عريضة مزينة بإتقان، إلا أن المدينة الجديدة تخيلها الخديو إسماعيل ليستكمل بها الثورة الزراعية والسكانية فى البلاد ولينعكس وضع مصر الجديد أمام العالم من خلالها. قام الخديو إسماعيل ببناء القصر الجديد لإقامة العائلة المالكة فى وسط هذه المدينة الجميلة بحيث يصبح مركزاً رئيسيًا للأعمال الملكية ومقراً لإقامة الحاشية الملكية. وهكذا أصبح قصر عابدين صرحًا مبنياً على الطراز الكلاسيكى الفرنسى الحديث، يضاهى القصور الأوروبية بمعماره الجديد الفخم وزخارفه الداخلية.

وأصبح تحديث مدينة القاهرة ضرورة قصوى بعد قبول الخديو إسماعيل دعوة الإمبراطور نابليون الثالث عام 1867 للاشتراك فى المعرض الدولى المقام فى مدينة باريس بعد اكتمال تجديدها.. بعد أن أدرك إسماعيل خلال رحلته هذه أنه إذا ما كانت لديه رغبة حقيقية فى جذب الملوك الأوروبيين لحضور الاحتفالات المقامة بمناسبة افتتاح قناة السويس فعليه المبادرة باستكمال التوسعات الكبيرة فى بناء القصور والطرق والكبارى والحدائق والانتهاء من هذه الأعمال قبل موعد الافتتاح.

وفقًا للسياق التاريخى، فإن الخديو كان يعتزم إبهار ضيوفه وبخاصة الإمبراطورة «أوجينى» زوجة نابليون الثالث إمبراطور فرنسا. ولكن بحلول نوفمبر 1869 لم يكن قصر عابدين قد أكمل، فنزلت الإمبراطورة أوجينى فى قصر الجزيرة. كما أن كوبرى قصر النيل كان لا يزال تحت الإنشاء، فاستخدم جسراً عائماً على هيئة قوارب كبديل، وإذ لم تكتمل أوبرا عايدة أيضًا، فقد عرضت «ريجوليتو» عوضًا عنها.

شيد القصر من طابقين بحيث يشتمل الطابق العلوى على السلاملك (جناح الرجال والاستقبال والاحتفالات والمقابلات الرسمية).

والحرملك (جناح العائلة والحريم، بينما يضم الطابق الأرضى مقر الحرس الخديوية ومكاتب التشريفات والمخازن والخدم). وعلى النقيض من القصور السابقة، جمع التصميم المعمارى لقصر عابدين الحرملك والسلاملك فى مبنى واحد، وهو ما يعد مخالفًا للتقاليد المتبعة فى مصر وإسطنبول، وهى التى كانت تقوم على تشييد الحرملك والسلاملك فى مبنيين منفصلين. احتلت مطابخ القصر أحد المبانى المجاورة، للتقليل من خطر الحريق، وتجنب الروائح غير المرغوب فيها.

وأحيط القصر بملحقاته وحدائقه بسور كبير به العديد من البوابات للدخول أشهرها وأفخمها باب باريس الذى يؤدى إلى المدخل الرئيسى للحرملك. وجاءت تسمية المدخل بهذا الاسم نسبة إلى الإمبراطورة الباريسية أوجينى.

بدأ قصر عابدين فى استقبال الضيوف عام 1872.. وفى شهر ديسمبر شهد الاحتفال بزفاف أنجال الخديو وكريمته.. حيث أقيمت الاحتفالات فى قاعات القصر وصالوناته بالإضافة إلى الحديقة.

ترك الخديو إسماعيل مساحة كافية لحديقته مليئة بأشجار الفاكهة والفسقيات وأحواض الزهور، كما أنه خطط لأن يتبع تصميم حدائق القاهرة النموذج الغربى الذى يتمثل فى حدائق مخططة فنيًا ذات ممرات مرصوفة بحصى ملون استورده من إيطاليا فى عام 1873. أمر الخديو إسماعيل بمنح القصور الملكية الثلاثة (قصر عابدين، وقصر الرملة، وقصر الجيزة) بما فيها من أثاث، لزوجاته الثلاث، وقد سجل تعديل الحجة التى منحت زوجات الخديو ملكية القصور الثلاثة عام 1876.

برر الخديو تصرفه هذا عن طريق إعداد وثيقة تشير إلى أن زوجاته قد اشترين الأرض التى شيد قصر عابدين عليها، بمبلغ ثلاثين ألف جنيه مصرى ذهبى. وعندما نُفِى الخديو إسماعيل، قدرت المحكمة العليا تكلفة مبنى قصر عابدين والأراضى التابعة لها بأكثر من مئة وسبعين ألف جنيه مصرى ذهبى، وهو ما يشير إلى أن زوجات الخديو الراحل لم يكن المالكات الوصيات للقصر. وفى 29 ديسمبر 1881 أصدر الخديو توفيق قانونًا رسميًا ينص على أن القصور الرسمية مثل قصر عابدين والجيزة والجزيرة... إلخ هى ملكية منفردة لمصر وينبغى أن تظل محلاً لإقامة الأسرة المالكة بدون أن تكون ملكًا لها. وخلال فترة حكم الخديو توفيق (1879- 1892) أصبح القصر مسرحًا للاحتفالات الفخمة وكذلك الاضطرابات السياسية، إذ كثرت الاحتفالات التى تتسم بالفخامة والسهرات ذات التكاليف الباهظة فى القصر. وقد روت الجريدة الرسمية «الوقائع المصرية» فى ديسمبر 1890 ما يلى عن إحدى الحفلات المتسمة بالبذخ: اجتمع الضيوف فى البهو الواسع الرحيب حيث عزفت الموسيقى، ثم فتحت قاعة الشاى فتناول الضيوف الشاى والوجبات الخفيفة، وأخذوا فى التجول فى الحديقة العلوية حتى فتحت قاعة الموائد الكبرى التى يقدم فيها العشاء بكرم بالغ.

وشهدت قاعة الاجتماعات الكبرى بقصر عابدين الاجتماعات الرسمية التى أدت إلى تغييرات وزارية فى كثير من الأحيان.

وفى 1881 شهد ميدان عابدين والقصر مظاهرة للجيش بقيادة أحمد بك عرابى، الذى كان لواء فى الجيش المصرى آنذاك. وطالب عرابى بحل وزارة رياض باشا وتشكيل وزارة وطنية. وكانت ثورة عرابى بمثابة ذريعة للتدخل البريطانى. وفى يوليو 1882، قذفت السفن البريطانية مدينة الإسكندرية بالقنابل، وترك الخديو قصر عابدين إلى قصر رأس التين فى الإسكندرية. وفى سجن القصر «عابدين» تم احتجاز أحمد عرابى عقب القبض عليه قبل نفيه إلى سيلان.

وشهد قصر عابدين أحداثا جسام أشهرها حريقه فى 1891 وما تبعه من إعادة تجديد شامل فى نهاية عهد توفيق وفى عهد الخديو عباس حلمى.. ثم تعاقب عليه بعد ذلك السلطان حسين وذلك لفترة قصيرة قبل أن يستقر فيه ولتسعة عشر عامًا الملك فؤاد (1917- 1936) وفى عهده أضيفت للقصر أهمية إضافية وخاصة لحدائق عابدين والتى لعبت دورا حيويا فى الاحتفالات الملكية.. كما تم تكريم الخديو إسماعيل- والد فؤاد- بإبراز الحرف اللاتينى الأول من اسمه والحرف اللاتينى الأول من لقبه معا IP على الأبواب الخشبية طبقا للتصميمات التى وضعت عام 1919. استعان فؤاد بمصمم معمارى إيطالى اسمه «ماريو روس» وبإشراف مهندس القصور الملكية «ارنستو فيروتشى» فى تصميم أكشاك الشاى الشمالية والجنوبية وصنابير المياه الرخامية وكشك الموسيقى.. استمر فيروتشى الذى عمل فى القصر منذ 1919 وحتى عام 1931 فى الإشراف على بناء متاحف القصر، كما استكمل تجديد القصر بشكل شامل.

ورث الملك فاروق هذا القصر المجدد حديثًا وأضاف إليه مقتنيات تتسم بكونها أكثر ترفًا.. وفى عام 1938 استقبل القصر بعد تجديده، الملك فاروق والملكة فريدة اللذين كانا حديثى الزواج، وفى قاعة العرش التقطت صور زفافهما ومن السلالم الرخامية الفخمة توجها إلى الوليمة التى أقيمت بمناسبة الزفاف.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل