احتضار النسوية: النخبة النسوية الفلسطينية
ترسيخاً على ما ورد، فتحت كتابات إدوارد سعيد في مدرسة "ما بعد كولونيالية" إمكانية قراءة "النسوية ما بعد كولونيالية" انطلاقاً من تحليل سياق الهيمنة الاستعمارية التي لم تلبث أن تركت تأثيرها على سياق البناء الثقافي والاجتماعي والسياسي المعرفي حول نظرية التبادل الوظيفي، وهذا ما ظهر في كتابات رنا قباني، مثل "أساطير أوروبا في الشرق"، وفي كتابات أستاذة الدراسات الثقافية وعلم الاجتماع التركية ميدة يغينوغلو في مؤلفها "خيالات كولونيالية: نحو قراءة نسوية للاستشراق"، وكتابات فرانز فانون و"دراسات التابع" لدى غياتري سبيفاك؛ حيث ربطت هذه الكتابات بين تشكيل المعرفة داخل المجتمع وعلاقات القوة والسلطة في المجتمع نفسه.
وهذا يأتي ارتكازاً على فكرة الدراسات «ما بعد الكولونيالية» التي قامت بتأسيس معرفي نقدي تفكيكي لتفسير مشاركة النسوية في الحقل السياسي والثقافي والاجتماعي انطلاقاً من أن ظهور نسوية ما بعد الاستعمار كرد فعل رافض لمقولات النسوية الغربية أبقاها أسيرة لفكرة الصراع الجنساني بين الرجل والمرأة، والذي أدى إلى تسقيف مطالب النسوية بإنهاء ما يطلق عليه السيطرة الذكورية مع تحييد اهتمامها لرفضها السياق الاستعماري.
وتحضرني هنا فكرة الأمم المتحدة وهيئاتها "كمنظمة الأمم المتحدة للمرأة" التي تعتبر مع عدد من المؤسسات الدولية الألمانية والإيطالية المتبرع الأبرز لمشاريع المؤسسات النسوية الفلسطينية؛ حيث إن الدور الذي تقوم به هذه المؤسسات الدولية ومنذ نهاية التسعينات ولغاية اليوم تجسيد حقيقي لفكرة "ما بعد الاستعمار" وما حصل مؤخراً بانتخاب "إسرائيل" لإدارة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة وهي إحدى اللجان الست التابعة للأمم المتحدة، التي تشرف على قضايا تتعلق بالقانون الدولي ومكافحة الإرهاب، وانتخابها في العام الماضي لإدارة لجنة "إنهاء الاستعمار" ما هو إلا يقين على أن الأمم المتحدة لم تتوقف عند إخفاقها في حل الصراعات إنما أصبحت تدعم هذه الصراعات وتوفر لها بيئة قانونية كونها تتعامل مع "إسرائيل" ككيان طبيعي وليس استعمارياً.
وبذلك باتت الصورة للمؤسسات النسوية، وكما أشار ساري حنفي في كتابه الصادر عن المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن) "بروز النخبة الفلسطينية المعولمة: المانحون، والمنظمات الدولية، والمنظمات غير الحكومية المحلية" أن حصول الفلسطينيين على مساعدات دولية ساهم بصناعة نخبة "مدنية" تؤيد السلطة السياسية ولا تقوم بنقد ممارساتها وتقوم على استثناء خطاب التحرر الفلسطيني من ذهنها.
وبهذا يبدو أن النسوية التي نشأت كحركة ثورية نضالية عالمية تخلت عن هذه الثورية وأصبحت تمثل حالة لاستمرار الاعتماد على المال السياسي الدولي، الذي يقود إلى دعم بناء مؤسسات دولة فلسطينية تقبل بالتنازلات على أراضٍ مجزوءة، هذا بالإضافة إلى أن مشروطية المساعدات الدولية، سواء في المجتمع المدني أو الحكومي، لم تخرج عن كونها قائمة على دعم مبادئ وأهداف أبرز مخرجاتها الاحتلال، وأن هذه المنح الدولية أثرت على تصدير نخبة نسائية في مجالات وظيفية عدة تتأثر بالمشروطية الدولية.
Comments