المحتوى الرئيسى

عامر القيسي يكتب: «داعش» ليس بندقية نسقطها.. التطرف والفساد الوجه الثاني للتنظيم! | ساسة بوست

06/28 02:26

منذ 10 ساعات، 27 يونيو,2016

يعتقد البعض أن الحرب على داعش هي حرب إسقاط البندقية وتنظيف المدن العراقية التي احتلوها منهم. وهو اعتقاد استراتيجي خاطئ لسبب بسيط وواضح هو أن تنظيم داعش ليس بندقية فقط، إنه بكل وضوح فكر متواجد في كل زوايا التطرف والفساد في البلاد، وهو الأرضية التي تنشأ عليها استراتيجيات البندقية والحرب، وهو الأرض الخصبة لنمو أشكال متعددة من الممارسات الداعشية وإن اختلفت التسمية.

يقول المفكّر الأمريكي نعوم تشومسكي، إنَّ الجماعات الإرهابية، تنشأ في ظل الاستبداد والتطرّف العنصري، فيما يؤكد الباحث اللبناني علي حرب في كتابه  «الإرهاب وصناعة: الرشد – الطاغية – المثقف» على دور هذا الثلاثي المرعب في تأسيس الأشكال المتنوعة من الإرهاب، يقول حرب: «ثلاثة فاعلين يشكّلون ثالوث المرشد والطاغية والمثقف»، وهم كما يصفهم، «ملاّك الله والأوطان والحقيقة وكل فاعل منهم قد أسهم في صنع التنين الإرهابي بأدواته على طريقته».

ولا يقصد حرب بالإرهاب داعش فقط وإنما منتجات هذا الثلاثي الخطر على الحياة الاجتماعية الإنسانية والحريات ومنهجيات الإقصاء والإبعاد والإبادة أيضا تحت شعارات غير داعشية!

وتلعب الثقافة دور الممول للطاغية والمرشد، فهي في صدارة منتجي الإرهاب وإن كان غير داعشي، وإخفاق المثقفين في تجديد الأفكار  وإلغاء حساسيات التلاقح الحضاري مع الثقافات الإنسانية الأخرى، سيؤدي حتما إلى تجمد الأفكار ومع مرور الزمن تصبح سلفية متخلفة رائدة للتطرف وإن لم تحمل البندقية.

العراق على سبيل المثال،  يواجه ثلاثة تحديات إرهابية باختلاف عباءاتها، الأول هو الإرهاب الداعشي الذي يحمل البندقية ويحز الرؤوس معلنا عن نفسه واضحا جليًا، الثاني هو التطرف المليشياوي الذي يمارس نفس الممارسات الداعشية وتحت غطاء مذهبي مختلف، وإن كان أقل قسوة من داعش نفسه، ففرض نمط محدد من الحياة والسلوك والأفكار على جماعة من الناس تحت خيمة الدين ليس إلا  شكلا من أشكال الإرهاب الداعشي، وعلينا أن نتصور مثل هذا الوجود الذي يمارس إلغاء الآخر وهو مسلح بالفكر والبندقية معا، في اعترافات السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء الذي أعلن في خطاب متلفز أمام ملايين العراقيين، أنه يعرف بوجود مائة ميليشيا مسلحة منفلتة، هي خارج الحشد الشعبي الذي يرأسه من الناحية الرسمية، التحدي الثالث هو الفساد المالي والإداري في كل مؤسسات الدولة، وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، بإجماع واعتراف كل الأطراف المشاركة بالعملية السياسية وغير المشاركة فيها، ويجمعون أيضا على أن الفساد المالي قد «ذبح» العراقيين أكثر من الإرهاب نفسه!

منع وتحريم الموسيقى، سلوك داعشي بامتياز، لكنها ممارسة في أغلب المحافظات العراقية، وتتعرض حفلات موسيقية ينظمها ناشطون ومثقفون إلى الإلغاء والمنع وملاحقة المنظمين وتهديدهم!

إزالة النصب والتماثيل، سلوك داعشي لإلغاء الهوية العراقية، وهو ما قام به أكثر من مسؤول في بغداد، فقد رفعوا رأس هارون الرشيد، وبعد الاحتجاجات الجماهيرية أعادوه تحت حجة «الصيانة»، ووزير عراقي يرفض دخول أكاديمية الفنون في بغداد قبل تغطية التماثيل أو رفعها لأنها «حرام»، وآخر المبتكرات إزالة مبنى معهد الدراسات النغمية من الوجود بشفلات معدّة ومستوردة لأغراض الإعمار والبناء!

فرض نمط من الحياة، سلوك داعشي معروف، وتقوم ميليشيات مسلحة في كافة محافظات العراق بفرض نوع من الحياة والممارسات والسلوكيات لا تتناسب مع أفكارهم، والفرق أن هذا السلوك الداعشي لا يتم بنفس طريقة داعش وإنما من خلال الإيحاء والتهديدات والتحريمات!

رفض مصافحة النساء، سلوك داعشي يمارسه مسؤولون عراقيون على مستوى عال في أجهزة الدولة، في ظاهرة تشكل أكبر إهانة لنصف المجتمع العراقي أو أكثر، وهو سلوك معلن ومرئي إعلاميا، مترافق مع ابتسامات للمسؤولين!

محاربة الحياة المدنية، سلوك داعشي أيضا، لكنه أيضا يجري في بقية المحافظات برعاية غير رسمية من الحكومة الاتحادية أو الحكومات المحلية، كغلق النوادي الاجتماعية ومحال بيع الخمور  ومنع مهرجانات عروض الأزياء وفرض الحجاب على المرأة وسطوة الحياة العشائرية وفوانيها على سلطة «الدولة المدنية» وقوانينها!

اختفاء المعارضين، أيضا سلوك داعش، فداعش لا تريد أن ترى معارضا لها يتنفس على قيد الحياة، فيما اختفى الكثير من الناشطين المدنيين في ظروق غامضة على يد الأجهزة الأمنية الحكومية أو المليشيات المتنفذة، كاختفاء الناشط جلال شحماني منذ نحو سنة ونصف، بل واستشهاد بعض المحتجين على أيدي القوات الأمنية التي تصدت لهم بالرصاص الحي في أكثر من محافظة ومنها بغداد العاصمة!

الأمثلة كثيرة لاتعد ولاتحصى، يعاني منها الشعب العراقي بكافة شرائحه، وللأسف يقوم الكثير من المثقفين العراقيين  بتسويق هذه الحياة، كما يقف معظم السياسيين وأحزابهم ضد كل شكل حقيقي من أشكال محاربة حيتان الفساد، دافعين بكبوش الفداء من صغار الموظفين أو المدراء العاميين إلى سوح القضاء، وتجري فيما بعد إما محاولات لاطلاق سراحهم أو توفير ظروف اعتقال لهم لا تتوفر لغيرهم، فيما يلعب أئمة المساجد والحسينيات دور الحامي والمنظر والمسوّق لكل هذا الخراب، ووصل الحد بالمرجعية العليا أن قالت إن صوتها قد بح من كثرة الدعوات لمحاربة الفساد وتطمين مصالح الناس، ولاحياة لمن تنادي!

وينبغي الاعتراف أيضا من باب الموضوعية والمصداقية، أن المحافظات العراقية بما فيها العاصمة بغداد التي تعاني من هذه الأنواع الدواعشية، تشهد في المقابل حراكا اجتماعيا وجماهيريا وسياسيا، يؤسس من بين كل هذا الخراب لحياة جديدة مبنية على أساس الحريات أولا واحترام حقوق الإنسان وخياراته، وتشق هذه الفئة طريقا بعسر وصعوبات وممنوعات، ورغم ذلك تقيم العروض المسرحية والأزياء والمعارض الفنية… إلخ.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل