المحتوى الرئيسى

جراند أوتيل.. المرأة القويّة.. ظالمة ومظلومة

06/27 11:55

لعله من الطبيعي أن تقترن القوّة بالظلم والسيطرة والنفوذ، ولكن هل يمكن أن يكون المظلوم قويًا أيضًا؟ وهل يكون المظلوم قادرًا على التغلب على ظروفه المحيطة ووضع نفسه فجأة ندًا أمام القوي الظالم؟ هذا ما يفعله نساء الـ"جراند أوتيل" باقتدار. 

سواء كنّا أمام عملٍ تم اقتباسه من مسلسل أجنبي بنفس العنوان، أو أمام عملٍ تم تمصيره وأخذ فكرته الأساسية وإضافة سيناريو وحوار مختلفين للشخصيات، فالواقع أننا إزاء مسلسلٍ هام، استطاع منذ الحلقات الأولى أن يلفت انتباه الكثيرين، ليس فقط لحبكته المعتمدة على الحدث البوليسي، بل لوجود علاقات ثنائية فريدة من نوعها، حتى وإن كانت معروفة ومكررة، وعلاقات حب مبتورة تضيف إلى تشويق المسلسل بُعدًا آخر.

يدور عالم المسلسل في فندق "جراند أوتيل" على ضفاف نيل أسوان الساحر، في أجواء الثلاثينيات المصرية، حيث العالم مقسّم إلى طبقتين بشكل حاد، طبقة "المُلاك الباشوات" وطبقة "الخدم العمال"، وعلى الرغم من ذلك التقسيم الصارم الذي يظهر في طريقة تعامل كل فردٍ من الطبقة مع الآخرين، فإنه يبدو قد تخلخل هذا الحد، وأصبح من الممكن أن يكون ثمّة علاقة -وإن كانت في الخفاء- بين سيدٍ وخادمته، أو العكس. 

منذ الحلقات الأولى نكتشف أننا أمام شخصياتٍ متعددة جمع بينهم الحب وفرّقتهم المصالح، فهناك المحب المهجور "أمين" الذي يحب بإخلاص من طرفٍ واحد، لا تبادله حبيبته "ورد" أي مشاعر، بل لا تفكر فيه أصلاً، إذ أنها تتطلع لسيده "مراد بيه"، بل وتقيم علاقة معه يكون نتيجتها حملها بالفعل منه. 

من جهة أخرى ثمة سادة يحبون أيضًا، "إحسان باشا" يبدو واقعًا في غرام "آمال" بنت "قسمت هانم" صاحبة الفندق، ولكنه ذلك الرجل الحائر بين زوجته وأمه، يحاول أن يرضي الجميع، وتبدو "آمال" هنا مدركة لطبيعة حب زوجها، ولكنها راغبة في امتلاكه أكثر، حتى يحدث ما يعكر صفو تلك العلاقة حينما تخسر جنينها وتتكتم أمها على الخبر، وتبقى واهمة زوجها أنها ما تزال محتفظة به حتى لا يضيع ذلك الزوج الثري المحب "اللقطة".

ربما تكون التفاصيل مختلفة بعض الشيء في حالة "مراد" الذي يبدو من أول إطلالاته عاشقًا مخلصًا لحبيبته "نازلي هانم"، التي ما إن تظهر حتى يخبر عشيقته/ الخادمة "ورد" أنه لن يكون لها، كان ذلك في الوقت الذي تكتشف فيه الخادمة المسكينة أنها حامل، بل ونعرف بعد ذلك أنها ليست العشيقة الأولى بل الثانية، بعد اختفاء "ضحى" الخادمة الأخرى التي يدور المسلسل حولها.

ليست المشكلة قطعًا في الخيانة، فهي عادية ومتواترة وموجودة طوال الوقت، ولكن المشكلة في ظني في طريقة تعامل ذلك الخائن مع الأخرى التي يبدو أنه يحبها بصدق، وطريقة تلقينا لتلك الحالة الملتبسة بين الكذب والخيانة والحب، ثم طريقة تعامل تلك المرأة المحبوبة الأخرى مع ذلك الحبيب الوغد. 

يظهر "علي" في حياة "نازلي هانم"، وهو الخادم الذي يبحث عن سر اختفاء أخته، وتتعرف على قصته وتتقرّب منه، بل وتقع في غرامه، وهي بنت "قسمت هانم"، ولكنها الوحيدة بينهم التي تعامل الخدم بإنسانية وطيبة، وترى فيهم أفرادًا لهم كل الحقوق مثل غيرهم، ويبدو أن نظرتها تلك تنقلب لعنةً عليها، إذ ها هي تتورط في علاقة حب مع "علي"، بل وترفض عالم الفندق كله، وفي الوقت الذي تعزم فيه على الرحيل مع حبيبها تاركة خطابًا لخطيبها بأنها لم تكن تحبه، وأنها ستكون سعيدة في البعد عنه، تفاجأ بأن "علي" ما يزال يطارد قتلة أخته.. يخذلها "علي" ويرفض أن يسافر معها. 

لا تبدو علاقات الحب في المسلسل بشكلٍ عام مستقرة، ورغم ذلك فهي تبدو واقعية جدًا، حتى أنها لتكاد تكون كلها أقرب إلى البحث عن الحب منها إلى علاقة الحب المكتملة الحقيقية، نجد ذلك بين ثنايا حوارات الأبطال، ولعل القصة الأكثر بريقًا بين كل هؤلاء علاقة الحب التي تنشأ بين "علي" و"نازلي هانم"، والتي تستعيد كلاسيكيات قصص الحب بين الخادم الفقير والسيدة الغنية، ولكنها تعالجها هذه المرة بطريقة مختلفة كليًا، وتضع لها عراقيل خاصة بهذه القصة، بل وتحكم عليهم -حتى الآن- بالفراق المحتوم، ذلك أن كلاً منهما ما يزال مربوطًا بماضيه الذي سيبقى يطارده، ولا مفر من تركه أو تجاهله والتغاضي عنه، يبدو هذا بشدة في أحد الحوارات الهامة بين "علي" و"نازلي" تؤكد له فيه -حتى رغم وجودهما في مكان واحد- أن علاقتهما مستحيلة.

في الوقت الذي تبدو فيه علاقات مستقرة مكللة بالزواج ولكنها مهددة بالحمل مثلاً، التي نجدها في علاقة "إحسان باشا" بزوجته "آمال" والذي نجده يحاول أن يؤكد لها حبه بشتى الطرق لدرجة أنه يورط نفسه ويضحي بحياته ويزعم أنه قاتل حتى يدفع التهمة عن زوجته ويصرف أعين المحققين عنها، الأمر الذي يجعل "آمال" تفكّر في علاقتها بهذا الرجل من جديد، وتدرك أن ثمة حبًا حقيقيًا يجب أن تراعيه وتحافظ عليه، بل هي تفترض بعد ذلك أن ما تشعر به إزاء زوجها بعد كل ما فعلته هو الحب. 

علاقة خاصة أيضًا تلك التي جمعت أبناء الطبقة الواحدة "أمين" و"ورد" الذي ظل وفيًا لحبه لها، مستعدًا لأن يقبل حملها السفاح حتى لا تبتعد عنه، في الوقت الذي تضع الأقدار الفرصة والرسالة بين يديها التي تجعلها تتقرّب من "أمين" باعتباره (بعد أن عرفت حقيقته) أحد الوارثين الرسميين لذلك الفندق كله. 

لا يوجد في المسلسل كله، وباختلاف طبقات الأبطال فيه امرأة ضعيفة، تبدو المرأة هنا قوية قادرة متحكمة، سواء كانت رومانسية محبة طيبة أو حتى شريرة داهية، فهي في كل أوضاعها قادرة على فرض سيطرتها، والتغلب بدهاء على كل ما قد يمر بها من ظروف سيئة، وهنا تبدو شخصية صاحبة الفندق "قسمت هانم" ورئيسة الخادمات "الست سكينة" على طرفي النقيض ظاهريًا، في حين أنهما قادرتان -رغم ذلك الاختلاف الواضح في القدرة والنفوذ- على الحصول على ما تريدان، ففي الوقت الذي تحصل به "قسمت" وبنتاها السيطرة والأموال، تتمكن "سكينة" وخادمتاها سواء "ورد" أو "ضحى" من تقويض أركان ذلك الفندق والمسيطرين عليه بالحكمة والدهاء والصبر وطول النفس.

من جهةٍ أخرى يبدو الرجال مغلوبين على أمرهم، ربما يمثلهم "صديق" رئيس الخدم، الباحث عن الحياة بعد أن خسر كل شيء، والذي يحاول في وجوده بينهم أن يعرفهم على الحب بطريقة مختلفة، رغم أنهم مرهونون بنساءٍ يسيطرن عليهم بطريقة أو بأخرى، حتى أن نموذج الحبيب الوغد "مراد بيه" الذي اعتقد أنه يستطيع أن ينهي علاقته بـ"ضحى" الخادمة الأولى، بقتلها لا تموت، وتعود لتنغص عليه وعلى الفندق كله حياته، ولا يتمكن في المرة الثانية من أن ينهي حياة "ورد" الضحية الثانية، التي يبدو أنها تنتظر الوقت المناسب لتنتصر لنفسها ولابنها وربما لحبيبها المخلص أيضًا. 

أهم أخبار مرأة

Comments

عاجل