المحتوى الرئيسى

وليد عبد الله يكتب: كيف نهضت ماليزيا | ساسة بوست

06/25 21:03

منذ 1 دقيقة، 25 يونيو,2016

«أيها الماليزي! ارفع رأسك؛ ناظرًا إلى المستقبل» ـ «مهاتير محمد».

عندما زار مهاتير محمد إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق «رونالد ريجان»، كان هذا الأخير ينظر لكل زائريه من العالم الثالث نظرة مليئة بالاستعلاء والغرور، اقترب من الضيف الماليزي، وقال له «انظر أمامك! ما تراه، هما العمارتان الأطول في العالم»؛ يقصد «برجي مركز التجارة العالمي» WTC!  فرد عليه أبو ماليزيا الحديثة «سيدي الرئيس! أطمئنك أنه سيكون في ماليزيا قريبًا ما هو أطول منهما».  وبالفعل احتفظ مهاتير بوعده للرئيس الأمريكي، وفي عام 1998 كانت ماليزيا على موعد مع تدشين العمارتين الأطول في العالم المعروفتين ببرجي «بتروناس»

لقد استطاعت ماليزيا خلال سنوات قليلة تحقيق نهضة شاملة في شتي الجوانب، حيث :

ونحاول فيما يلي توضيح الأسباب الرئيسة لهذه النهضة:

من أهم مميزات التجربة الماليزية التخطيط الجيد لمستقبل الدولة، حيث تم ما يلي :

اعتماد رؤية (2020م) كخطة مستقبلية سعت الحكومة إلى تنفيذها، لتصبح ماليزيا في مصاف الدول الصناعية. رسم خريطة لمستقبل ماليزيا حدد فيها الأولويات، والأهداف والنتائج، التي يجب الوصول إليها، خلال ١٠ سنوات. وبعد

٢٠سنة. حتى عام 2020 طبقا لرؤية الدولة. بناء إطار مؤسسي لتطبيق سياسات اقتصادية وخطط تنموية، مثل: تخفيض الفقر، والخطط الخمسية، وتزايد مشروعات «الصحة، والتعليم، والتشغيل، والأمن الاجتماعي».

تعددت الأعراق داخل المجتمع الماليزي 60% ملايو ، 28% صينيون، 12% هنود وأعراق أخرى، وكذا تعدد الديانات (18 ديانة داخل ماليزيا)،  على الرغم من ذلك، قرر الجميع  أن يضعوا خلافاتهم جانبًا، وأن يهتموا بنهضة البلاد.

آمن مهاتير أن الصدام المستمر بين الأعراق الثلاثة هو العقبة الأكبر في تحقيق النهضة؛ فسعى إلى معالجتها عن طريق:

1- مواجهة هذا الصدام من خلال التعليم والإعلام ومؤسسات الدولة الكبرى، وفرض حالة حقوقية تربط حقوق الفرد وواجباته بانتمائه الوطني، وليس بانتمائه العرقي.

2- استثمار التعدّد العرقي في ملفّ النهضة، فقد استغل مهاتير محمّد الملايو في إقامة علاقات ثقافية واقتصادية مع العالم الإسلامي وتحديداً دول الخليج، في حين استغلّ الصينيون والهنود في الانفتاح الاقتصادي على الصين (في مجالات الصناعة) وعلى شبه القارة الهندية (في مجالات الزراعة) فنقل المجتمعَ الماليزي من حالة «التعدّد» إلى حالة من «التعدّدية» والمشاركة في التنمية.

حل مشكلة المحرومين من خلال زيادة نصيب كل فئة من الدخل بدرجات متفاوتة، وليس من خلال مصادرة حقوق الآخرين أو التضييق عليهم. أي أن الفكرة مبنية على أساس «تكبير الكعكة»، وليس على أساس التنازع عليها.

يقول مهاتير محمد «التعليم هو سبب نجاح التجربة الماليزية ونقلها من العالم الثاني تصل إلى مصاف الدول المتقدمة»، مضيفًا أن

«ربع الميزانية كان مخصصًا للتعليم».

تخصيص أكبر قسم في ميزانية الدولة ليضخ في التربية والتعليم. ومحو الأمية. والتدريب والتأهيل للحرفيين. وتعليم الإنجليزية. والبحوث العلمية. تقوية العَلاقة بين مراكز البحوث والجامعات وبين القطاع الخاص، فتشارك الحكومة مع المصانع والمؤسسات المالية والاقتصادية في دعم كل الأنشطة البحثية. الحفاظ على ميزانية التعليم دون تخفيض، في وقت الأزمة الاقتصادية. تدعيم الحكومة للتعليم الأساسي والثانوي. الإبداع في تدريس الرياضيات والعلوم، بحيث تلائم متطلبات سوق العمل. قياس المستوى التعليمي للطلاب باستمرار حسب المعدلات العالمية لملاحظة أي قصور أو خلل ومعالجته. وضع خطة لتعليم اللغة العربية ابتداءً من الصف الأول الابتدائي. تدريس اللغة المالاوية لجميع أبناء ماليزيا على اختلاف أعراقهم ولغاتهم لإيجاد لغة تفاهم مشتركة بينهم. اختيار التلاميذ النجباء وإرسالهم للخارج فى بعثات تعليمية ومنح دراسية على نفقة الدولة. (في البداية تم ابتعاث نصف مليون طالب ماليزي إلى الجامعات الغربية بهدف نقل حضارة العالم المتقدم إلى المجتمع الماليزي). تقديم مساعدات مالية، و تسهيلات إعاشة للأطفال المحرومين ومنخفضي الدخل، ما ساعد على زيادة أعداد الطلاب الذين أكملوا تعليمهم. إقرار إلزامية التعليم، ومعاقبة الآباء الذين لا يرسلون أبناءهم للمدرسة؛ مما أدى إلى انخفاض نسبة الأمية. بث قنوات «تليفزيونية وإذاعية حكومية»، وتخصيص37% من برامجها عام 1990، لتعليم القراءة والكتابة، ومحو الأمية «الوظيفية والمعلوماتية»، وبث الوعي الصحي والمنزلي… إلخ.

إنشاء عاصمة سياسية لماليزيا، وهي مدينة «بوتراجايا» والتي تضم معظم الوزارات والهيئات الحكومية. بجانب العاصمة التجارية «كوالالمبور» ، لتسهيل التعاملات علي المستثمرين الذين أتوا من الصين والهند والخليج ومن كل بقاع الأرض. تقديم إعفاءات ضريبية تصل حتى عشر سنوات، وتزويد المناطق المختلفة بالبنية التحتية. السماح بالاستثمار الأجنبي المباشر بشرط ألا تنافس السلع التي ينتجها المستثمر الأجنبي الصناعات الوطنية التي تشبع حاجات السوق المحلية. أن تصدر الشركات الأجنبية 50 % على الأقل من جملة ما تنتجه، والسماح لهذه الشركات باستقدام خمسة أجانب – فقط لشغل بعض الوظائف في الشركة. (لزيادة الاعتماد على مواطني ماليزيا).

كانت خطة مهاتير واضحة للشعب؛ مما أكسبه ثقتهم وحماسهم للعمل، فقد سعى أن تكون ماليزيا في عام 2020 رابع قوة اقتصادية في آسيا بعد الصين، واليابان، والهند، وهو ما سمي بخطة (عشرين  عشرين)، فبدأ بتنمية الصادرات لإنعاش الاقتصاد. في قطاع السياحة. تم تحديد الدخل المستهدف في عشر سنوات لـ ٢٠ مليار دولار، بدلًا من ٩٠٠ مليون دولار عام 1981 ،

لتصل الآن إلى ٣٣ مليار دولار سنويًا. وليحدث ذلك. تم اتخاذ العديد من الإجراءات لتنشيط السياحة لتصبح ماليزيا «مركزًا عالميًا» للسباقات الدولية في السيارات، والخيول، والألعاب المائية، والعلاج الطبيعي، و… و… في النشاط المالي .. فتح الباب على مصراعيه بضوابط شفافة أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية، ولأجل ذلك بني أعلى برجين توأمين فى العالم «بتروناس» يضمان ٦٥ مركزًا تجاريًا فى العاصمة «كوالالمبور» وحدها، وإنشاء البورصة التي وصل حجم تعاملها

اليومي إلى ألفي مليون دولار يوميًا. خصخصة العديد من الشركات والمؤسسات الحكومية مع احتفاظ الحكومة بسهم خاص في إدارة المؤسسات ذات الأهمية الاجتماعية والاستراتيجية؛ لتمارس الحكومة دورها في الرقابة والإشراف عليها. ولتقليل من الآثار السلبية للتحول إلى القطاع الخاص قامت الحكومة بمنح تأمين ضد البطالة للعاملين في الخدمات التي تم تحويلها إلى القطاع الخاص، وتوفير فرص بديلة لهم. مما أحدث نقلة نوعية في الاقتصاد الماليزي.

«النظافة والكفاءة والأمانة» كانت تلك الكلمات الثلاث شعار أول انتخابات عامة في العام 1982،يخوضها مهاتير، وهو مُتقلد منصب رئيس الوزراء. يقول «أردت إجراء انتخابات عاجلة لتشريع وضعي كقائد، واحتجنا إلى شِعارٍ مناسب للإشارة إلى التغيرات التي رأينا وجوب إدخالها في عهدي، فوجدنا أن التغيير واجب في نواحٍ ثلاث: تطهير البلاد من الفساد، ورفع الكفاءة، والتحلي بالأمان».

لذا فقد أعلن للشعب بكل شفافية خطته واستراتيجيته ، وأطلعهم على النظام المحاسبي الذي يحكمه مبدأ الثواب والعقاب للوصول إلى «النهضة الشاملة» فصدقه الناس ومشوا خلفه ليبدءوا « بقطاع الزراعة ». فغرسوا مليون شتلة «نخيلزيت» فى أول عامين لتصبح ماليزيا أولى دول العالم في إنتاج وتصدير «زيت النخيل».

وقد تميزت هذه القيادات في ماليزيا بأنها مثقفة ومتعلمة، تعرف ماذا تريد، ولا تبالغ في تقدير الإمكانات المُتاحة، وهي مستعدة للعمل الحثيث التدريجي الهادئ، للنهوض بماليزيا ووضعها في مصاف الدول المتقدمة.

اعتمدت ماليزيا بدرجة كبيرة على الموارد الداخلية في توفير رؤوس الأموال اللازمة لتمويل الاستثمارات، حيث ارتفع الادخار المحلي الإجمالي بنسبة 40 % بين سنة 1970م وسنة 1993م، كما زاد الاستثمار المحلي الإجمالي بنسبة 50 % خلال الفترة عينها. فى عام 1996 تم تحقيق طفرة صناعية تجاوزت ٤٦٪ عن العام السابق. انتقلت ماليزيا إلى مرحلة الصناعات عالية التقنية منذ عام 1986 وأصبحت الآن واحدة من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للرقائق الإلكترونية والأجهزة الحديثة، كما دخلت مرحلة تصنيع الأسمنت والحديد والصلب، وكذا التوسع في صناعة النسيج وصناعة

الإلكترونيات.وتشكل السلع الصناعية 82٪ من صادراتها.

بدء العمل في مجال تصنيع السيارات، فتم صناعة السيارة الماليزية الوطنية «بروتون».

من أقوال مهاتير المأثورة «إذا أردت الحج اذهب إلى مكة. وإذا أردت العلم اذهب إلى اليابان».

وأشار إلى أن ما لفت انتباهه في التجربة اليابانية، هو شعور العامل الياباني مهما اختلف قطاعه بالفخر مما قدمه من سلع أو منافع، دون النظر إلى ما يتقاضاه مقابل ذلك العمل، وهو ما دفعه لنقل التجربة إلى ماليزيا عبر جهود متواصلة.

ولفت إلى أن مقومات النجاح، هي ذهنية، والخضوع لنظام قيمي جيد، بحيث يشعر الموظف برغبته في العمل الجاد، دون أن يلتفت لمغريات السرقة والغش والرشوة، فبذل جهودًا  كبيرة لغرس ذلك بين الناس.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل