المحتوى الرئيسى

أكبر من «تيران وصنافير» | المصري اليوم

06/25 11:59

يعتقد البعض أن حكم محكمة القضاء الإداري الخاص بقضية تيران وصنافير كان معتمدا على خطأ في الإجراءات ارتكبته الدولة أثناء التوقيع على الاتفاقية وعليه حكمت المحكمة ببطلان التوقيع والعقد.

لكن قراءة حيثيات الحكم تكشف أن أسباب الحكم أعمق من ذلك بكثير، فالمحكمة تتحدث هنا عن صلب الموضوع، وهي «ملكية الجزر» وليس إمضاء موظف ناقص أو ختم مش باين.

المحكمة ارتأت أن الحكومة تجاوزت سلطاتها المنصوص عليها في الدستور حين قررت التنازل عن أراضٍ مصرية لدولة أخرى، أي أن المحكمة أقرت بوضوح أن الجزر مصرية وليست سعودية، اعتمادا على الوثائق التي قدمها المحامي «خالد على» في مقابل عدم تقديم الدولة أي شيء يثبت ملكية الجزيرتين للمملكة السعودية، وعليه فإنه ليس للحكومة الحق في التنازل أو التصرف فيها.

ثانيا، وهو الأخطر، أن المحكمة أعادت تعريف معنى كلمة «الأعمال السيادية»، موضحة أن أعمال السيادة ليست نظرية جامدة، وأنها تتناسب عكسياً مع الحرية والديمقراطية، فيتسع نطاقها في النظم الديكتاتورية ويضيق كلما ارتقت الدولة في الديمقراطية.

باختصار، المحكمة تقر بوضوح «الجزر مصرية»، وتضيف أن سلطات الرئيس والحكومة ليست مطلقة بدعوى الأعمال السيادية.. ومن جانبها طعنت الحكومة لوقف تنفيذ الحكم.

وعليه يمكن إيجاز الموقف القانوني في التالي:

المحكمة حكمت بملكية مصر للجزيرتين وألغت الاتفاقية، فقررت الحكومة المصرية الطعن لوقف تنفيذ الحكم، وهو ما يفسره البعض بأن هدف الطعن إعطاء نفسها فرصة لعرض الأمر برمته على البرلمان الذي ينتظر أن يصدق على الاتفاقية ويقر بملكية السعودية للجزيرتين.

هذا عن الشق القانوني، أما الشق السياسي فهو أكثر تعقيدا.

القضية في صلبها ليست قضية وطنية أو خيانة، بل هي «التقدير السياسي للموقف الإقليمي»، فوفقا لما تسرب من داخل الغرف المغلقة، فإن الرياض كانت غاضبة من القاهرة لتقاعسها في معركة اليمن، فالسعودية انتظرت من مصر دورًا أكبر في الحرب، وهو ما رفضه السيسي إيمانا منه بأن اليمن مستنقع، تورُّط الجيش المصري فيه كارثة لا يحمد عقباها، وهو ما ثبتت صحته مع الوقت مع تأكد فشل الحرب هناك.

ووفقا لنفس النظرية، فإن السعودية كانت تبحث عن أي إنجاز ينقذ ماء وجهها، فضلا عن ترضية من القاهرة عما اعتبرته خذلانًا لها.

وهنا طفت على السطح المسألة القديمة «تيران وصنافير» التي بدت تسوية مرضية، من ناحية، تحافظ القاهرة على الحليف الرئيسي والداعم الأكبر لها، ومن ناحية أخرى، تقدم الوجوه الجديدة بالرياض لشعبها نصرا يسوّق له إعلاميا.

تعامل الأمن مع الموقف وإلقاؤه القبض على كل من تظاهر أو نشر أخبارًا عن مصرية الجزيرتين، وكم الغرامات المفروضة والأحكام الصادرة بحق المعترضين على الاتفاقية المتزامن مع تصريح الرئيس شخصيًّا بأنه لا يريد الحديث في الموضوع ده تاني، يشى بوضوح بأن الدولة تؤمن بأن هذا هو الحل الأمثل لمأزق إقليمي، وأن ما يفعله المعترضون يضر بالمصلحة المصرية العليا من وجهة نظرها.

والملاحظ أن أغلب المدافعين عن الاتفاقية حين تحدثوا عن القضية كانت المحافظة على «العلاقات المصرية- السعودية» هي القاسم المشترك في ردودهم، مما يؤكد الظنون حول السيناريو المطروح أعلاه.

على الجانب الآخر، شن الرافضون للتنازل عن الجزر حملةً شعواء ضد الموقعين، حملةً وصلت للتشكيك في الوطنية واتهامات بالخيانة والتفريط.

وبصرف النظر عن الدوافع العاطفية للمعترضين وأسباب حملتهم، فإن الخلاف (كما أظن) ليس حول الوطنية أو حب البلاد، فلا أحد يحق له التشكيك في وطنية أي مواطن، رئيسًا كان أو مرؤوسًا، لكن القضية هي الرؤية السياسية للدولة ومن يديرونها.

الإشكالية ليست هل هي أرضنا أم أرضهم- فهذا أمر تم التنازع عليه لعقود وكان من الممكن أن يستمر لعقود أخرى- لكن الحكومة قررت طواعية الآن إنهاء التنازع بشكل وديّ وتسليمهم الجزر، فلا شك أن من وقعوا الاتفاقية كانوا يرون أن المصلحة العليا للبلاد تقتضى المحافظة على العلاقات بالمملكة، وعمليًّا لا يوجد عاقل واحد يطالب بخسارة دولة بحجم السعودية.

لكن السؤال هنا: ألم يكن هناك بدائل أخرى لتسوية الموقف مع السعودية غير تقديم الجزيرتين لها؟ وهل السعودية (رغم أهميتها وقوتها) تستطيع أن تخسر القاهرة في ظل تعقيدات إقليمية وتشابكات لا حصر لها؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل