المحتوى الرئيسى

مصوّر صحفي يعلّم أولاداً لاجئين كيفية إخبار رواياتهم الخاصة | المصري اليوم

06/24 23:00

عندما سألت مايا رستم والدتها أوّل مرّة إن كان يمكنها الانضمام إلى دورة تصوير جديدة في مخيّم «كاوير جوسك» للاجئين الذي تقيمان فيه، أجابتها هذه الأخيرة بـ«لا» مدوّية.

وتذكر والدتها، جميلة محمد أمين، ما قالته لها: «عليك الذهاب إلى المدرسة بالإضافة إلى الأمور الأخرى التي يجب أن تقومي بها».

كانت الدورة التي أرادت رستم المشاركة فيها مصمّمة لتلاميذ المدارس في «كاوير جوسك»، وقد نظّمها المصوّر الصحفي الفرنسي الإيراني المشهور رضا دقتي، المعروف باسم رضا. وفي النهاية، نجحت الفتاة في إقناع أمها وانضمّت إلى المشروع، الذي أطلق عليه اسم«أصوات منفيّة». آنذاك، كانت تبلغ من العمر 12 عاماً، وكانت من بين أصغر المشاركين سنّاً.

الصف عبارة عن مقطورة رُكنت على طرف المخيّم الشاسع في ضاحية إربيل، عاصمة إقليم كردستان العراقي، حيث يعيش أكثر من 10،000 لاجئ سوري، بما يشمل ألفي ولد في سن الذهاب إلى المدرسة. وقد وصل معظمهم في العام 2013، لكنّهم يواصلون العيش في ملاجئ مؤقّتة، وسط بحر من القماش المشمّع الأزرق والأبيض، الممتد على مساحة 400 متر مربّع.

وقال رضا «إنّ معظم هؤلاء الناس خسروا كلّ ما لديهم بين ليلة وضحاها».

تعيش رستم في منزل أرضيّته من الباطون، وجدرانه ألواح بلاستيكيّة، مدعَّمة أحياناً بالأخشاب. ويلعب الأولاد في الشوارع الموحلة خارج مساكنهم.

غالباً ما يغطّي الصحفيون والمصوّرون الأجانب «كاوير غوسك» وغيره العشرات من مخيّمات اللاجئين في أرجاء المنطقة. وقال رضا، «حتّى الآن، نسمع بشكل شبه دائم الرواية التي يخبرنا بها الأجانب. لكن بودّي الاطّلاع على القصّةعلى لسان الأشخاص الذين عاشوها».

يقضي هدف رضابتدريب هؤلاء الشبّان على رصد تفاصيل حياتهم بطرق يعجز عنهاالزائر. وفي العام 2013، أطلق صفّاً في مخيّم «كاوير غوسك»، وقدّم آلات تصوير لعشرين تلميذاً. ومع أنّ عدداً أكبر من التلاميذ أراد الانضمام، إلا أن الأمر لم يكن ممكناً بسبب عدم توافر ما يكفي من التجهيزات أو المساحة.

منذ ذلك الحين، تعلّم المصوّرون الصغار استعمال عدساتهم عبر تصوير حياتهم اليوميّة، من أولاد يستحمّون في برّاد من الستايروفوم، وصغار يركضون على الأرض الوعرة وسط صفوف من الخيم، ولاجئين يأكلون ويدرسون على ضوء قناديل صغيرة.

في أوّل يوم من الدورة، التقطت رستم صورة عن الحذاء الذي انتعلته عندما سارت عائلتها من سوريا إلى العراق هروباً من الحرب. ويظهر في الصورة المأخوذة في الصباح الباكر أنّ الجليد يغطّي الحذاء، بعد أن بقي خارج الخيمة طوال الليل. والواقع أنّ رستم جاءت إلى الصف متأخرة لأنها اضطرّت إلى الانتظار حتّى تتمكّن من لبس الحذاء، وهذا هو بالتحديد نوع الصور المؤثّرة التي كان رضا يبحث عنها.

تعود فكرة المشروع إلى وقت بعيد سبق بكثير اندلاع الحرب في سوريا. ففي العام 1983، كان رضا في باكستان، وغطّىتوافد اللاجئين الهاربين من أفغانستان. وبدأ يعلّم شبّاناً في أحد المخيّمات كيفيّة التقاط الصور وإنشاء روايتهم الخاصّة عن حياتهم في المنفى. وقال «إن الأفغان سردوا رواية مختلفة» عن تلك التي تداولتها وسائل الإعلام.

في العقود التالية، نظّم رضا برامج مماثلة في أرجاء الكرة الأرضيّة، في السودان وجنوب أفريقيا، والآن في العراق. وهو يطلق على منظّمته غير الربحيّة تسمية «أكاديمية رضا البصريّة». وحتّى الآن، وفّر بنفسه القسم الأكبر من التمويل، وقال إنّ الجزء الأصعب يكمن في إيجاد دعم لمواصلة العمل.

في العام 2012، أصبح مسعود حسيني، وهو تلميذ تدرّب في مدرسة التصوير التي أسسها رضا في كابل، أوّل أفغاني يفوز بجائزة بوليتزر، وبات مثالاً أعلى يحتذى به بنظر عدد كبير من التلاميذ هنا، بما يشمل نالين بشار التي يبلغ عمرها 12 عاماً. وهي أفادت قائلة، «أحببت الصور منذ البداية، وأحلم بأن أصير صحفيّة مرموقة».

راحت بشار تتصفح الصور مع محمد القادري، وهو أيضاً لاجئ كان في الماضي معلّماً للّغة الإنكليزيّة، يعمل بالتعاون مع التلاميذ بغياب رضا. وأرته صوراً عن أصدقائها وعن نزهة لها في الطبيعة مع عائلتها. وقد أفاد القادري قائلاً وهو ينظر إلى إحدى اللقطات عن المخيّم عند المغيب، «إنّها صورة جميلة. لكن كان يجب أن تكون الشمس من الجهة المقابلة».

وصل عدد من صور التلاميذ إلى باريس، إذ تمّ تعليقها بين يوليو وأكتوبر 2015 على ضفاف نهر السين، مقابل متحف أورسي، في سياق معرض بعنوان «حلم بالإنسانية»، تمّ تنظيمه لتسليط الضوء على عمل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وكان برعاية مؤسسة «جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي».

اليوم، تقيم مايا رستم في أوروبا، بعد أن وصلت السنة الماضية إلى ألمانيا مع والدها، إلى جانب عشرات آلاف اللاجئين السوريين الآخرين. وقالت أمّها التي لا تزال في «كاوير غوسك» إن مايا لم تأخذ آلة تصويرها لأنها سافرت برفقة مهرّبين، وخشيت أن تُسرَق منها فيالطريق. وتأمل أمين وأولادها الأربعةالآخرين الانضمام إليهما عمّا قريب وإحضار آلة التصوير.

قالت أمين، «لقد فتحت آلة التصوير عينيها على العالم، وأصبحت راغبة في تعلّم أمور جديدة».

كشف رضا أنّ جميع الأولاد المشاركين في البرنامج يحصلون على أفضل العلامات في المدرسة، حتّى أنّ كثيرين بينهم تسجّلوا أيضاً في صفوف لغة إنكليزيّة في المخيّم.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل