المحتوى الرئيسى

مدحت القصراوي يكتب: نقاط حاكمة في بيان حكم الكفار اليوم (ردا على الشيخ تليمة وشيخ الأزهر) | ساسة بوست

06/24 21:06

منذ 48 دقيقة، 24 يونيو,2016

القول أن كفار اليوم من اليهود والنصارى والوثنيين والملحدين، من الأوروبيين وغيرهم، أنهم أهل فترة، أو لهم حكمهم، بمعنى أن حكمهم حكم الأزمنة التي لم يكن فيها رسول ولا علم الرسل، وبالتالي فلا خطر عليهم في الآخرة.

وهو كلام أثاره الشيخ عصام تليمة ثم شيخ الأزهر، وهو أمر بالغ الخطورة ولا بد من بيان ذلك في نقاط حاكمة.

أولا الإسلام هو إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له، والتصديق بالغيب والرسالة وقبول الشريعة الناسخة. فمن عبد غير الله، أو أنكر ما أخبر الله ورسله به، أو رد الشريعة الناسخة ـ تمسكا بشريعة منسوخة أو مبدلة ـ فليس بمسلم. الكفر هو حكم شرعي لا يُطلق بالأهواء وإنما هو حكم شرعي يُطلق على من كذب الرسول أو رد حكمه؛ فالإيمان الشرعي هو تصديق خبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقبول حكمه، فمن انتفى تصديقه بالشك أو التكذيب، أو انتفى قبوله فرد حكمه الناسخ؛ فقد انتفى إيمانه، ولا ينفعه ما معه من العلم إذا لم يؤد لتحقيق أصل الإيمان الشرعي. القول أن الكفار الأصليين ـ غير المرتدين ـ بعد رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيوع علمه وتحقق إمكان العلم بما أُرسل به، أنهم معذورون كأهل الفترات: هو قول مخالف للنصوص «إن الدين عند الله الإسلام» آل عمران، آية 19 «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين». آل عمران، آية 85

ومسبوق بإجماع الصحابة والتابعين وعلماء الأمة جيلا بعد جيل: أنهم كفار وفي النار.

أن بلوغ الرسالة كافٍ، فالمقصود بلوغ الحجة للخلق، وأما الفهم فأمر وراء ذلك، فمن الناس من جعل الله على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا، لخبثٍ علِمه الله تعالى فيهم أو لجرائم قامت بهم، وقد يموتون على هذا، وقد يأذن الله تعالى لبعضهم أن يحييه «أومن كان ميتا فأحييناه…». تعليق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجة على أهل الكتاب بمجرد السماع به «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار». رواه مسلم. والى هذه اللحظة ورغم تحريف أهل الكتاب لكتبهم إلا أن بقيت إشارات وبشارات برسول الله صلى الله عليه وسلم، كالبشارة بالمُعزّي، وبروح الحق، وأنه خارج من جبال فاران، وهي جبال مكة المكرمة، وغير ذلك من الإشارات. وعلى هذا فمن سمع برسول الله وجب عليه طلب علمه حتى يؤمن به إيمانا صحيحا مجزئا، فيصدق خبره ويقبل حكم شريعته الناسخة التي كلفه الله وبها ونسخ بها ما قبلها. أن العالِم والمتمكن من العلم سواء في الحكم الشرعي. (البيضاوي، تفسير سورة البقرة)، فمن كان بحيث لو طلب علم رسول الله صلى الله عليه وسلم تمكن من علمه: فقد قامت عليه حجة الله تعالى، وعليه أن يطلب علمه ويسعى إليه، ولهذا فيكفي وجود المنتصبين للتوحيد والسنة بحيث من طلب علم الرسول حصّله. أن من الكفر ما هو كفر إعراض، وهو عدم الالتفات الى حق الله تعالى ولا طلب معرفته، والإعراض جريمة تقع من المكلفين وليست حجة أو عذرا لهم «والذين كفروا عما أُنذروا معرضون» الأحقاف، آية 3 «فأعرِض عمن تولى عن ذكرنا ولم يُردْ إلا الحياة الدنيا، ذلك مبلغهم من العلم» النجم، آية 29.

بل وعلّق تعالى دخول النار على الإعراض عن الرسل «وقد آتيناك من لدنّا ذِكرا، من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا، خالدين فيه، وساء لهم يوم القيامة حملا» طه، آية 99-101.

زمن الفترة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت الحجة عليهم ببلوغ دعوة ابراهيم وبوجود أفراد من المتحنفين. وخير عناصر الجاهلية والدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نُهي رسول الله عن الاستغفار لأمه فبعدما زار قبرها وبكى وأبكى من حوله قال: «استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي…» صحيح مسلم، وقال للرجل «إن أبي وأباك في النار». صحيح مسلم.

وقال تعالى للصحابة «وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها»، فلو كانوا معذورين لم يقل لهم أنكم كنتم على شفير النار. فعلم أنهم على وشك الهلكة بدخولها بسبب شركهم.

فهل تقوم الحجة ببلوغ دعوة إبراهيم وبأفراد من المتحنفين مع شيوع الجهل، ولا تقوم بشيوع رسالة محمد وبملايين المسلمين وشيوع العلم؟!

إمكانية وجود حكم (الفترة) بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي نفس تعريف (الفترة) قبلها وهو أن أهل الفترات المعذورين هم (من لم تبلغه الدعوة بوجه، ولم يسمع لرسول بخبر) ابن القيم طريق الهجرتين.. أما بلوغ الدعوة بوجه أو السماع عن رسول الله فهي كافية في إقامة الحجة وإسقاط العذر.

فإن وجد من تحقق فيه هذا الوصف فهي حالة انقطاع عن التواصل مع الناس ومع العصر، فقد توجد حالات فردية في مجاهل الغابات أو أقصى الأطراف، ومع صعوبة تصور وجود مثل هذا لكن إن وجد وتحقق فيه القيد السابق فله حكمهم.

فأهل الفترات ليسوا معذورين بإطلاق، بل (من لم يسمع لرسول بخبر ولم تبلغه الدعوة بوجه)، وهؤلاء اختلف فيهم أهل العلم ففرق كثير منهم بين من استنام لما عليه قومه ولم يستفزه ضلالهم، ومن رفض الشرك؛ لأن الشرك افتراء وعلى المفتري أن يأتي بحجة بصحة عمله وقوله لا أن يطالب المنكِر بالدليل؛ ولهذا قال تعالى «ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين» سورة الأحقاف، آية 4، ولهذا قال كثير من أهل العلم أن من لهم حجة يدلون بها يوم القيامة هم من توقفوا عن الشرك لعدم الدليل على صحته ولأنه افتراء، ولم يعملوا بشريعة لعدم بلوغ الرسالة اليهم ولعجزهم. (الشاطبي في الاعتصام، وابن القيم في طريق الهجرتين).

فأهل العلم على قولين فيهم:

قول أن من يدلي منهم بالحجة هم كل من تحقق فيه وصف (لم تبلغهم الدعوة بوجه ولم يسمعوا لرسول بخبر)، بإطلاق ولو وقع في الشرك.

والثاني أن المعذور منهم من توقف عما عليه قومه.

ومعنى العذر في الحالتين ليس أنهم ناجون في الجنة بمجرد هذا العذر؛ بل أنهم يدلون بالحجة ويمتحنون في عرصات القيامة (ساحات العرض على الله تعالى) حيث أن القاعدة أن الجنة لا تدخلها إلا نفس مسلمة، والنفس المسلمة هي من لم تشرك بالله وعملت بشريعة رسول، ولذا جاء في حديث المدلين بالحجة أن الله تعالى يقول لهم «أنا رسول نفسي اليكم اليوم».

وعلى هذا فالقول أن الناس في زماننا هم أهل فترة هو باطل وحجته متهافتة، والأمة منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اليوم على أنهم كفار وأن من لم يُسلم منهم فيصدق بالرسالة الخاتمة ولم يقبلها أنه من أهل النار. هذا مع أن التشويه في الأزمان السابقة كان أكثر وحملات الكنيسة الغربية ضد رسول الله كانت أشنع وأقسى، وكانت إمكانية إيصال العلم إليهم وتفهيمهم كانت أقل، ولهذا شرع الله تعالى الجهاد لمنع من يفتنهم عن الإسلام ويشوهه لهم ويحول بينهم وبينه، وعلى هذا فالقول بهذا في ثورة الاتصالات والمعلومات قول ساقط الحجة وأبعد في النجعة. الاحتجاج بأن فئة ما شوهت الإسلام؛ فهي ـ وإن وقعت في التشويه ـ فلم تشوهه أكثر ممن عارض إقامته وأيّد المبدلين للدين والمسقطين للشرائع، والمرسخين للجهل والمانعين من رؤية الإسلام عملا وتطبيقا وواقعا. الفئات التي شوهت الإسلام بممارساتها لا تصلح حجة، وذلك لإنكار المسلمين وعلمائهم على المنحرفين، وبيانهم مخالفة أفعالهم لما أمر الله به، ولاستمرار وجود الأخطاء البشرية ولم يسقط بها أحد من أهل العلم الحجة، وإلا لما قامت لله تعالى حجة لأنه لا يخلو المسلمون من معاصٍ وانحرافات في الممارسة، ولكن الشأن في بيان أهل العلم للحق وإنكارهم للانحراف. من رحمة الله تعالى، ومن العجيب، أن الأحداث المنسوبة للمسلمين للتشويه ـ مع رفضها الشديد، ورغم التدخل المخابراتي في كثير منها ـ كانت سببا في إثارة الأسئلة عن الإسلام وبحث الكثير عنه ومعرفته وإسلام الباحثين. مراكز الدراسات الغربية تقوم بدراسة الإسلام دراسات معمقة وتعرف نقاط قوته وإمكانياته، فالغرب أعلم بالإسلام من كثير من المسلمين! وهم يحاربونه من داخله وفي مقرراته وفي أفكار أهله فهم كما قال تعالى (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم). وأما من يتبعونهم ويضلونهم من عموم الناس، فمع عدم إطباق التشويه لوجود ثورة الاتصالات وإمكانية العلم بالرسالة بالضغط على أزرار الحاسوب والدخول الى الشبكة العنكبوتية، فحتى مع هذا وقبل توفر هذه الوسائل لم يكن هذا عذرا؛ يقول الإمام ابن القيم في كتابه «طريق الهجرتين»، في «طبقات المكلّفين»: «الطبقة السابعة عشرة: طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعاً لهم يقولون: إنا وجدنا آباءَنا على أُمة، ولنا أُسوة بهم. ومع هذا فهم متاركون لأهل الإسلام غير محاربين لهم، كنساءِ المحاربين وخدمهم وأتباعهم الذين لم ينصبوا أنفسهم لنا نصب له أُولئك أنفسهم من السعى فى إطفاءِ نور الله وهدم دينه وإخماد كلماته، بل هم بمنزلة الدواب. وقد اتفقت الأُمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالاً مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاءِ بالنار وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث فى الإسلام»، فما يقوله عصام تليمة والطيب هو واقع تحت ما أشار اليه ابن القيم مما حكى عن بعض أهل البدع. وعلى هذا فتعريف الإسلام تعريفا جامعا مانعا ملزِما أن «الإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك، والإيمان بالله ورسوله واتّباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا، فليس بمسلم، وإن لم يكن كافرًا معاندًا، فهو كافر جاهل؛ فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارا، فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله، إما عنادًا أو جهلاً وتقليدًا لأهل العناد” ا.ه. طريق الهجرتين لا بن القيم. إن شأن الرسالة أمر جلل وعظيم، وأهميتها ومركزيتها في حياة البشرية وتاريخها وخط سيرها أمر ضخم (قل هو نبأ عظيم، أنتم عنه معرضون)، فنوّه تعالى بشأن الرسالة وأنها أعظم حدث في تاريخ البشرية منذ محمد صلى الله عليه وسلم.

وبلاغ الحق لا يستلزم تغيير مقررات النصوص ولا المجاملة في الدين، فهذه المجاملة تزييف للحق وخداع للناس.. وبيان مصير وحكم من كذب الرسالة أو أعرض عنها فأهملها ولم يصدق ولم يكذب، أو من عرفها وردها، هو من البلاغ؛ تحذيرا وإنذارا لنجاة الخلق، وهذا دافع لهم لإدراك خطورة التكذيب أو الإعراض، بينما طمأنة الخلق مع الإعراض عن رسالته هي طمأنة في محل خطر، حتى إذا أتوا ربهم تعالى كانوا في موقف عسير.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل