المحتوى الرئيسى

"نعم" الغربيون ليسوا كفاراً وحكمهم مثل "أهل فترة".. فتوى فقهية توحّد الحكومة والمعارضة في مصر

06/23 21:09

أثار شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، جدلاً عندما قال في سلسلة حوارات أنتجتها المؤسسة الدينية المصرية ذات الاحترام في العالم الإسلامي، إن غير المسلمين من مواطني أوروبا وأميركا وغيرهم ممن يعيشون في زماننا لا يعدون كفاراً بل ينطبق عليهم حكم "أهل الفترة".

ولكن المدهش أن الرأي الذي تعرض له شيخ الأزهر (المؤيد للنظام المصري الحالي)، يؤيده أحد علماء الدين البارزين المعارضين للنظام، ويستشهد عليه بكثير من أقوال علماء السلف الإسلامي.

ففي سلسلة مقالات كتبها الباحث الإسلامي الشيخ عصام تليمة قبل أسابيع من بث آراء شيخ الأزهر، أورد أدلة كثيرة تدعم الرأي القائل، بأن هولاء الذين يعيشون خارج العالم الإسلامي، ولم تصلهم الرسالة الإسلامية بصورة صحيحة خالية من التشويه لا يعدون كفاراً، كما فند بالتفصيل أدلة من يرفضون هذا الرأي.

وكان الدكتور أحمد الطيب، قال في واحد من سلسلة حوارات تبثها مشيخة الأزهر طوال شهر رمضان على صفحتها على يوتيوب، إن الأوروبيين ينطبق عليهم حكم "أهل الفترة"، ولن يعذبهم الله؛ لأن دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- بلغتهم بطريقة "مغلوطة ومغشوشة ومنفرة".

وأوضح في برنامجه (الإمام الطيب) - الذي يذاع يوميًّا كذلك على التليفزيون المصري وقنوات فضائية أخرى - "الناس في أوروبا الآن لا يعرفون عن الإسلام إلا ما يرونه على الشاشات من قتل وغيره، ولذا ينطبق عليهم ما ينطبق على أهل الفترة؛ لأن العلم لم يحصل عندهم". ودلل بقوله تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً"، فكيف يعذب الله -سبحانه وتعالى- شعوبًا لم تعرف عن محمد -صلى الله عليه وسلم- أي صورة صحيحة، وكذلك الحال مع الوثنيين في أدغال أفريقيا الذين لم تبلغهم الدعوة أو بلغتهم بصورة مشوهة ومنفرة وحملتهم على كراهية الإسلام ونبي الإسلام".

وذكر أن لشيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت كلاماً في ذلك، إذ يقول: "الكافر الذي يدخل جهنم هو من بلغته رسالة الإسلام، وبلغته بلاغاً صحيحاً، وكان أهلاً للنظر، أي للتأمل والتفكير، ثم بعد ذلك عرف أنها الحق ثم جحدها فهذا هو الكافر".

وعلى نفس المنوال يؤكد الباحث الإسلامي الشيخ عصام تليمة -وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- في مقالاته التي سبق أن كتبها على نفس المعنى، مؤكداً أن هذا الرأي هو ما يقول به علماء كبار من بينهم ابن حزم الظاهري، وابن تيمية، ومن المعاصرين: محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، والطاهر بن عاشور، وغيرهم.

ويمضي معدداً حجج من يقولون بعدم كفر من لم يبلغهم الإسلام بصورة صحيحة، فيقول إن آيات القرآن الكريم تبين أن الذي يؤاخذه الله سبحانه وتعالى، ويحاسبه على عدم إيمانه بالإسلام، هو فقط من بلغته دعوة الإسلام، واضحة بلا لبس أو غموض، وبلا تشويش أو غبش، وليس مجرد أن يسمع بالإسلام، فلا يتبعه فنحكم عليه بالكفر.

يضيف: يقول تعالى (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)؛ فالآية هنا تقول: (لأنذركم به ومن بلغ)، أي من بلغته دعوة الإسلام، بينة واضحة، لأن الله بين في آية أخرى كيف يكون البيان، فقال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم)، أي أن يخاطب كل إنسان بلغته التي يفهمها، بل في اللغة الواحدة باللهجة التي يتقنها، وبأسلوب الإقناع الذي يصلح له، فالعاطفي بالعاطفة، والعقلاني بالعقل، ومن يجمع بينهما بالجمع، فهل أوصلنا دعوة الإسلام وبلغناها للناس في مشارق الأرض ومغاربها بهذا الوصف والشرط الذي ذكره الله عز وجل في إنذار من لم يؤمن برسالة الإسلام؟!

ويقول: أما الآية التي تحسم الأمر بوضوح كبير، فهي قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً)، فهي تصرح بأن من يشاقق الرسول بالمعاداة والكفر، له جهنم وساءت مصيراً، لكن بعد ماذا؟ لقد نصت على شرط مهم يغفل عنه الكثير في تناول هذه القضية، وهو قوله تعالى: (من بعد ما تبين له الهدى)، فهنا شرط البيان، أن يوضح هذا الدين للناس، بوضوح، لا لبس فيه ولا غموض، ولا تشويش، في الوقت الذي نشاهد فيه دعاة نخاف على المسلمين من خطابهم المنفر، فكيف بغيرهم؟! فشرط أن يتم بيان الإسلام، وكلمة (الهدى)، أن يتبين لمن يتلقى هذا الخطاب، ويقتنع به قناعة تامة، أنه (الهدى)، يتضح بلا جدال أنه (الهدى).

ويرى الشيخ تليمة أنه إضافة إلى تقصير المسلمين في ترجمة القرآن بلغات الناس وشرحه شرحاً مقنعاً، فإن كثيراً من ممارسات المسلمين لا يرى منها غير المسلم سوى صورة سيئة تسيء للإسلام، وأن كثيرا منهم عندما يخطئ، يلبس تصرفه ثوب الإسلام، كي يهرب من نظرات الناس وحسابهم.

ويقول: كل هذه صوارف تصرف الناس عن الهداية، وتجعل بينهم والإسلام مسافة كبيرة، وتجعلنا نقول مطمئنين: إن القليل في هذه الحياة هو من ينطبق عليه آية: (من بعد ما تبين له الهدى)، وهو ما أكده علماء كبار من أمثال ابن حزم الظاهري، وابن تيمية، ومن المعاصرين: محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، والطاهر بن عاشور، وغيرهم، وهو ما يلقي بتبعة كبرى علينا في بذل جهد كبير لتوضيح الإسلام، وإقناع الناس به، وتحسين صورته التي شوهها أبناؤه.

وفي مقال آخر يورد الشيخ تليمة آراء من يعارضون ذلك الرأي، ومن ذلك استدلالهم على فساد الرأي الأول بقوله تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)، فهم يعرفون محمداً -صلى الله عليه وسلم- والإسلام كما يعرفون أبناءهم، حسب رأي أولئك العلماء، ولكن تليمة أن الآية دليل يثبت صحة الرأي الأول ولا يدحضه؛ فالآية تتحدث عن: (الذين آتيناهم الكتاب)، وهي هنا عن الأحبار والرهبان، وحملة الكتاب، ومعلوم أن التوراة والإنجيل لا يقرأها عموم اليهود والمسيحيين، بل خاصتهم، كما أن الآية تبين مستوى المعرفة بنبي الإسلام، أي أن المعرفة عندهم به وصلت لمستوى معرفتهم بأبنائهم، وهو دليل على من عرض عليه الإسلام عرضاً وصله به بمعرفته كمعرفته بابنه تماماً، فهل هذا قائم فعلاً مع غير المسلمين؟ يقينا لا -كما يقول-.

ويضيف: أما النص الأهم الذي يستدل به المعارضون فهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني، ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار". والحديث صحيح لا أشكك في صحته، لكن الكلام فيه على معنى (يسمع بي)، فهل معناه هنا مجرد السماع؟! فإن مادة (سمع) في القرآن والسنة واللغة لها مدلولات كثيرة، علينا أن نرجع إليها، ومنها قوله تعالى: (وإنْ أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون). فالآية هنا تأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، بأن من يأتيه من المشركين يطلب إجارته، أن يعطيه الأمان، حتى يسمع كلام الله، ثم ختم الآية بقوله: (ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) رغم أنهم محاربون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويسمعون بالإسلام منذ البعثة وحتى نزول الآية في المدينة في غزوة تبوك، فقد تعامل القرآن على أن منهم من لم يسمع بالإسلام سماع العلم اليقيني، وليس مجرد السماع عن عدو لهم اسمه محمد (صلى الله عليه وسلم).

ويشير إلى أن الإمام أبي حامد الغزالي قال كذلك في كتاب "التفرقة بين الإسلام والزندقة": (إن أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة إن شاء الله تعالى، أعني الذين هم في أقاصي الروم والترك، ولم تبلغهم الدعوة، فإنهم ثلاثة أصناف: صنف لم يبلغهم اسم محمد -صلى الله عليه وسلم- أصلاً، فهم معذورون، وصنف بلغهم اسمه ونعته، وما ظهر عليه من المعجزات وهم المجاورون لبلاد الإسلام والمخالطون لهم، وهم الكفار الملحدون، وصنف ثالث بين الدرجتين بلغهم اسم محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يبلغهم نعته وصفته، بل سمعوا أيضاً منذ الصبا أن كاذباً ملبساً اسمه محمد ادعى النبوة، كما سمع صبياننا أن كذاباً يقال له: المقفع، تحدى بالنبوة كاذباً، فهؤلاء عندي في معنى الصنف الأول، فإنهم مع أنهم لم يسمعوا اسمه سمعوا ضد أوصافه، وهذا لا يحرك داعية النظر في الطلب).

ونفس الرأي ذكره الطبري والزمخشري وابن عاشور وأبو زهرة في تفاسيرهم، كما ذكره ابن حزم في كتاب "الفصل في الأهواء والملل والنحل"، ورشيد رضا في تفسير المنار، والقاضي عياض في "إكمال المعلم"، وغيرهم.

لقراءة تفاصيل آراء العلماء حول المسألة اقرأ المقالات التالية للشيخ عصام تليمة:

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل