المحتوى الرئيسى

الكلفة الاقتصادية في السعودية جرّاء إغلاق المتاجر أثناء الصلاة

06/23 19:09

يهرع شاه روز (من التابعية الباكستانية) بخطوات سريعة إلى آخر زبون بقي في محل البقالة، مطالباً إيّاه بسرعة اختيار نوع الدجاج الذي يريد شراءه ليغلق المحل. وبينما أمسك روز في يده اليسرى مفتاح البقالة، كانت سيارة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنادي بصوت مرتفع عبر مكبّر الصوت "يا صاحب المحل.. الصلاة اتّق الله".

يعمل روز في محل بقالة في حي العليا وسط العاصمة السعودية، الرياض منذ نحو 4 سنوات مع بائع باكستاني آخر. فضّل هذا الأخير أن يستغل وقت صلاة العصر في الذهاب إلى محل سكنه القريب، للحصول على قسط  من الراحة.

وجه روز حديثه إلى الزبون الذي بدا في حيرة من أمره، نظراً لحاجته إلى المزيد من الوقت لشراء حاجياته، قائلاً "ما نبغى مشكلة يا أرباب.. وقت صلاة الآن.. لازم محل سكّر".

تمنع الحكومة السعودية وفقاً لنظام رسمي، عمل جميع المحالّ وكافة أنواع البيع والشراء والتجارة خلال أوقات الصلاة. وتكلف الشرطة الدينية "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" تطبيق النظام، ومتابعة إغلاق المحالّ بصرامة. يختلف عمل الهيئة من منطقة إلى أخرى، فينحصر دورها المنوط في بعض المناطق في متابعة إغلاق المحالّ فقط، وتتمتّع بنفوذ أكثر في مناطق أخرى، تحث أصحاب المتاجر والمارة على الذهاب إلى المساجد بعبارات تبدو أشبه بالأوامر.

شارك غرد"يمكن أن ننتظر الطعام ولكن لا نستطيع أن ننتظر الدواء" يقول شاب سعودي تعليقاً على إقفال المتاجر أثناء الصلاة

شارك غردما يقارب 2400$ دولار خسارة المحلات يومياً جرّاء الإقفال أثناء الصلاة في السعودية

تنص اللّائحة التنفيذية لنظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفقرة الثانية من المادة الأولى على أنه "لما كانت الصلاة هي عماد الدين، وسنامه، فيتعين على أعضاء الهيئة مراقبة إقامتها في أوقاتها المحددة شرعاً في المساجد، وحث الناس على المسارعة إلى تلبية النداء إليها، وعليهم التأكد من إغلاق المتاجر، والحوانيت، وعدم مزاولة أعمال البيع خلال أوقات إقامتها".

يختلف رجال الدين في السعودية حول وجود نصوص دينية صريحة في الإسلام، تفرض على "ولي الأمر" إغلاق المحالّ أو إجبار الناس على الصلاة. ويقول منتقدو نظام إغلاق المحالّ إنه حتى مع وجود تلك النصوص، لا يجبر هذا القرار الناس على الصلاة، إنما يبقى مجرد صورة شكلية في المملكة.

أغلق روز أبواب البقالة وأطفأ الأنوار ولكنه بقي بداخلها ينتظر انتهاء الصلاة، كما يفعل الآلاف من العاملين في المحالّ بالمملكة وقت الصلاة. عندما اقتربنا منه، قال مستعجباً: "لقد اعتدنا هذا، أشعر بأنها تمثيلية، من أراد أن يشتري شيئاً لن يذهب للصلاة الآن، وهو يحتاج إليه ونحن ننتظر في المحالّ. إذاً ما هي الفائدة؟".

تُعد قضية إغلاق المحالّ أثناء أوقات الصلاة محل جدال واسع منذ سنوات طويلة في المملكة نظراً لتأثيرها الاجتماعي والإقتصادي على المواطنين والتّجار في المملكة الخليجية، التي أطلقت "رؤية 2030" في مسعى لتنويع مواردها وخفض الاعتماد على النفط الذي تهاوت أسعاره العالمية.

وبحسب مسؤول اقتصادي سعودي سابق مقرب من دوائر صنع القرار في المملكة، فإن قرار إغلاق المحالّ أصبح محل نقاش حتى في الدوائر الحكومية، وسوف يزول ولكن يحتاج بعض الوقت.

ووسط مساعي ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى المضي قدماً لإنجاح خطة "التحول الاقتصادي"، فإن المملكة ستكون بحاجة لتعديل بعض السياسات المثيرة للجدل. خصوصاً أن الخطة الاقتصادية تعتمد بصورة واسعة على المستثمرين الأجانب، الذين يطمحون للعمل في بيئة أكثر انفتاحاً.

ويقول المسؤول السعودي السابق المطّلع على مجريات الأمور في البلاد: "إذا كانت الحكومة تفكر بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، وإن استغرق هذا 10 سنوات أو أكثر، فسيكون إلغاء قرار إغلاق المحالّ في مدة أقصر، لأن المحاذير الدينية والاجتماعية في هذه الحالة أقل بكثير من قيادة المرأة للسيارة".

وعلى عكس قضية حظر قيادة المرأة للسيارات التي لا تلقى الأصوات المؤيدة لها مساحة في الإعلام السعودي، ونادراً ما يفتح المجال للنقاش حولها، فإن قضية إغلاق المحلات أثناء الصلاة تخصص لها مناقشات في الصحف والقنوات لرجال أعمال سعوديين مقربين من دوائر الحكم.

يؤكد مدير أحد المطاعم الشعبية المعروفة بالرياض، أن خسائره المادية جراء إغلاق المطعم عدة مرات في اليوم ليست قليلة. ويقول: "نغلق ما بين 2-3 مرات وبأوقات متقاربة. إلا أن كل توقف يحتاج إلى مدة تراوح بين 25 و35 دقيقة. وإذا حسبنا أيضاً جميع الاستراحات التي يستغرقها كل توقف، لوجدنا أن ساعات العمل تهدر بشكل يؤثر على سير العمل ويعطل مصالح الناس".

يزور المطعمَ الشعبي ذا الصيت الواسع في الرياض، نحو 150 زبوناً كل ساعة. تزداد وقت صلاة العشاء، إذ تُعد هذه الفترة وقت الذروة في المطاعم السعودية. يُضاف إلى هذا العدد نحو 50 زبوناً يطلبون وجباتهم عبر الهاتف، وهي الخدمة التي تتوقف أثناء الصلاة. ينفق كل زبون نحو 30 ريالاً سعودياً (8 دولارات أميركية)، كمتوسط، ما يعني أن المطعم يخسر يومياً نحو 9000 ريال سعودي (2400 دولار أميركي)، نتيجة التوقف عن العمل خلال الفترات الثلاث.

ولا تغلق المجمعات التجارية الكبرى أبوابها وقت الصلاة، لكن العاملين يغادرون مواقعهم حتى نهاية الصلاة، ويستكمل الزبائن التسوق حتى يعود العاملون مجدداً. ينصّ قانون العمل السعودي في المادة 44 على حق العامل في الحصول على نصف ساعة وقت كل صلاة لتأدية الفريضة.

يقول الخبير الاقتصادي عبد العزيز الدخيل، إن توقف عمليات البيع في المحالّ، مع تأخر بعض العاملين في العودة إليها، يعني أن مجموع  الساعات المهدورة يصل إلى 4 ساعات. ولو اعتبرنا أن المحالٰ يتم افتتاحها 12 ساعة، فإن التاجر سيخسر الكثير لاضطراره للعمل فقط 9 ساعات يومياً. وطالب الدخيل بضرورة وضع ضوابط تحدد المدة الزمنية المفترضة لكل صلاة، وتعميمها على جميع المناطق، فيقضي على العشوائية الموجودة في الوقت الراهن.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل