المحتوى الرئيسى

أحمد سعيد قاضي يكتب: المشروع الاستيطاني الألماني في فلسطين.. فرسان الهيكل | ساسة بوست

06/23 13:59

منذ 18 دقيقة، 23 يونيو,2016

لطالما كابدت فلسطين في العصر الحديث مشاريع ومخططات استيطانية أوروبية عديدة استهدفت سلب الأرض من سكانها الأصليين واستيطانها، معظمها بقيت نظريات مدرجة على الرفوف، ومشروعان فقط من بين كل هذه المشاريع خرجا إلى أرض الواقع وحققا نجاحًا ما.

بالطبع نعرف جميعًا المشروع الاستيطاني الأكثر نجاحًا والذي ما زلنا نقاسي تحت ضرباته وهو المشروع الاستيطاني الإحلالي الصهيوني، أما الثاني فهو مشروع الاستيطان الألماني في فلسطين. ومثّل المشروع الثاني فرسان الهيكل أو فرسان المعبد الألمان كما أطلقوا على أنفسهم. وتهدف هذه المقالة إلى التعريف بالمشروع الأخير السابق على المشروع الصهيوني والذي منحه الأمل بالنجاح.

فرسان الهيكل هي حركة استيطانية ألمانية دينية تتبع المذهب اللوثري البروتستانتي هدفت إلى «تجميع شعب الله مع بعضه البعض» في القدس. وكانت الحركة قد تأسست في عام 1861م وذلك في مدينة لودفيغسبورغ الألمانية على يد رجل الدين كريستوف هفمان، وجورج دافيد هارديغ.

وأعلنت هذه الحركة الاستيطانية عن غاياتها عند إعلان تأسيسها عام 1861م، وتمثلت أهدافها حسب إعلانها في النضال من أجل خلق سلطة سياسية ألمانية في الأراضي المقدسة تعمل على إعادة بناء الهيكل واحتلال فلسطين. وتعتقد أن بناء الهيكل يعجّل من قدوم المسيح.

وتم اختيار اسم حركتهم وفقًا لاعتبارات دينية على اعتبار أن المعابد أو الهياكل هي تجسيد للرب على الأرض. واعتقدوا أن الاستيطان في الأرض المقدسة وتجميع «شعب الله» في ربوعها يعجّل كذلك من قدوم المسيح إلى الأرض.

واعتقدوا أن بناء الهيكل ضروري جدًا لأن الهيكل يجسّد روح الله على الأرض. كما اعتقدوا أنهم بحكم كونهم شعب الله لهم الحق غير القابل للتصرف في احتلال الأراضي المقدسة التي منحها الله لهم. ودُشّن فعلًا الاستيطان الألماني في حيفا على يد كريستوف هفمان، وانتقل إلى القدس ويافا والجليل لاحقًا.

وعلى الرغم من أن قانون 1867 منح الأجانب حق ملكية عقارات في كافة أرجاء الأراضي العثمانية، إلا أن الحكومة المركزية في القسطنطينية خامرتها الشكوك لذلك بقيت فترة طويلة تخشى منحهم صكوكَ ملكية خوفًا من بناء أنفسهم بشكل مستقل عن السلطات العثمانية.

وعمليًا كان على فرسان الهيكل الهجرة إلى فلسطين وشراء أراضٍ منها والاستيطان فيها لتحقيق أهدافهم، وبعد مواجهة صعوبات كثيرة تمكنوا من شراء أرض في جبل الكرمل وبناء أولى المستوطنات عام 1868م، وحتى عام 1873م أي خلال 5 سنوات كانوا قد تمكنوا من بناء أربع مستوطنات إجمالًا.

وبين عامي 1902-1907 تم بناء ثلاث مستوطنات أخرى أضيفت إلى الأربع السابقة ليصبح مجمل عدد مستوطنات المستوطنين الألمان في فلسطين حتى عام 1907 سبع مستوطنات.

وكانت أولى محاولات الاستيطان على أيدي أعضاء متحمسين من فرسان الهيكل تمت عام 1867م منيت بفشل ذريع حيث مات 15 شخصًا من مجمل 25 شخصًا حاولوا الاستيطان. إلا أن النجاح حالفهم منذ 1868م فقد بدأت هجرة منظمة ومخططة وحذرة إلى فلسطين حتى حالفهم النجاح.

أقام فرسان الهيكل أول مستوطنة في حيفا تسمى مستوطنة حيفا وذلك عام 1868، وثاني مستوطنة أقاموها كانت في يافا وسميت مستوطنة يافا وذلك عام 1869م، وفي عام 1871م أقاموا مستوطنة سارونا بالقرب من يافا، ودشن فرسان الهيكل الاستيطان في القدس عام 1873م عندما أقاموا مستوطنة القدس. واستؤنف التوسع الاستيطاني عام 1902م عندما بنيت مستوطنة ويلهيلما Wilhelma بالقرب من اللد واختاروا اسمها تكريمًا لويلهلم الثاني، وبنيت في الجليل مستوطنة بيت لحم الجليل عام 1906م، وأيضًا في الجليل أقيمت مستوطنة فادهايم Waldheim عام 1908.

وعمل المستوطنون الألمان في زراعة الحقول واستصلاح الأراضي، كما أنهم حاربوا إلى جانب ألمانيا في الحرب فولاؤهم وانتماؤهم لألمانيا بقي قائمًا بعد استيطانهم فلسطين، وأقيم نصب تذكاري لـ24 قتيلًا منهم في شارع عيمك ريفئيم في القدس كانوا قد قُتلوا أثناء القتال إلى جانب ألمانيا. وكانت علاقاتهم مع المستوطنين اليهود جيدة وإن لم يوجد تعاون جدّي. وتأثر العديد من الشبان في المستوطنات الألمانية بالنازية وتبنوا الفكر النازي غير أن الجيل الكبير قاوم الفكر النازي.

فقد عملت ألمانيا النازية على تحويل الألمان إلى نازيين وكذلك فعلت في فلسطين لذلك فرضت على كل المدارس المدعومة حكوميًا ومن ضمنها المدارس في المستوطنات الألمانية في فلسطين توظيف مدرسين نازيين، بالإضافة إلى إعادة بناء مناهج تعليمية جديدة نازية. وبحلول عام 1938م كان 17% من فرسان الهيكل منطوين تحت لواء الحزب النازي.

لكن توقعات فرسان الهيكل عمومًا بهجرة جموع غفيرة إلى فلسطين خابت، ووصل عدد المستوطنين في أقصى حد في هذه المستوطنات 2200 شخص. وخلال الحربين العالميتين تم اعتبار الفرسان مواطنين أعداء.

لذلك نفت 850 مستوطنًا منهم – غالبيتهم – إلى معسكرات في مصر وصادرت مواشيهم وممتلكاتهم غداة احتلال بريطانيا فلسطين عام 1918م وهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. غير أن بريطانيا عادت وسمحت لهم بالعودة عام 1920م وأعادت لهم منازلهم المتهدمة.

إلا أن بريطانيا عادت وصنّفتهم «مواطنين أعداء» عشية نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939م، لذلك وضعتهم تحت الاعتقال ونفت 661 مستوطنًا منهم إلى أستراليا مرةً أخرى في أواخر تموز (يوليو) عام 1941م. وكانت السلطات البريطانية قد رعت مبادلة 1000 من فرسان الهيكل بـ550 يهوديًا محتجزين لدى السلطات الألمانية.

وتم طرد البقية بعد قيام إسرائيل في أعقاب النكبة الفلسطينية إذ أرسل 49 شخصًا منهم إلى ألمانيا وفي بداية عام 1949م طرد 223 شخصًا إلى أستراليا والبقية ذهبوا إلى ألمانيا لاحقًا. وفي عام 1953م كان في أستراليا حوالي 1230 شخصًا من فرسان الهيكل لأن الأغلبية طردوا إلى أستراليا.

فبحلول أواخر الأربعينيات من القرن العشرين كان قد تم نفي فرسان الهيكل بلا عودة أبدًا. وانتهى بذلك مشروع جيلين من المستوطنين في بناء مملكة الله على الأرض المقدسة بقيادة كريستوف هفمان.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل