المحتوى الرئيسى

أحمد عرابي يكتب: ما وراء اللذة، فلسفة المتعة | ساسة بوست

06/23 11:48

منذ 1 دقيقة، 23 يونيو,2016

لاشك في أن البشر جميعًا ينشدون «اللذة» ويبتعدون عن «الألم»، وهذا ما دعا أصحاب هذا المذهب بالنظر إلى أن كل شعور باللذة على أنه خير، وكل شعور بالألم على أنه شر، لذلك فيجب السعي وراء أكبر، وأكثر أنواع المتعة المتاحة وأشكالها والتي لها عائد كبير على الإنسان.

فيلسوف إغريقي مثالي «436-355 ق.م»، تلميذ لسقراط، أسس في قورينا في شمال أفريقيا مدرسة فلسفية عُرفت بمدرسة اللذة.

ويعتبر من أول القائلين بمذهب اللذة، كما أنه أكثرهم تطرفـًا، حيث إنه رأى أن اللذة، أو على الأصح لذة اللحظة هي التي تتحكم في كل خير، ولا معنى لوجود لذة عليا أو دنيا، ولا يهم ما إذا كانت هذه اللذة ستدوم، حيث إنه لا داعى للتفكير في المستقبل؛ لأنه هو مصدر الشقاء والهموم، والأسمى أن نقتنص لذة الحاضر.

«341-270 ق.م» فيلسوف يوناني قديم، وصاحب مدرسة فلسفية سميت باسمه «الإبيقوريّة».

اتفق إبيقور مع أرستيبوس في قوله بأن الناس ينشدون اللذة بدافع غريزي لا أثر فيه للتفكير أو التعليم، إلا أن اللذة في بعض الأحيان عواقبها لا تكون خيرًا، فقد تصيب صاحبها ببعض الأمراض، كما أن الإفراط في الشهوات أو الملذات قد يؤدي إلى عواقب جسمية وخيمة، كأمثال «الإفراط في لذة الأكل قد تصيب الإنسان بالسمنة»، وإذن فإن من الواجب اجتناب اللذات التي تجّر آلامًا بوصفها وسائل سيئة للسعادة، وما دامت في بعض الأحيان عواقب الألم ليست جميعها شر وقد تأتي بالذة فيجب تقبل الآلام التي تجلب لذات أعظم كآلام الولادة التي تعود بالسعادة في النهاية.

كما راعى إبيقور أيضًا عنصر استمرار اللذة، ومن ثم فقد دَعَا إلى تفضيل اللذات التي يمكن أن تدوم، لذلك فقد أعلى إبيقور من شأن اللذات الروحية.

لكن ما زالت فكرة مذهب المتعة فكرة أحادية فردية هدفها هو اللذات النفسية، ولم يفكر في اللذائذ والآلام للآخرين، كما أنه ماذا لو تعارضت لذات الفرض مع الآخرين؟

عاش في الفترة «15 فبراير 1748- 6 يونيو 1832» هو عالم قانون وفيلسوف إنجليزي، ومصلح قانوني واجتماعي.

قام بنتام بتحويل مذهب اللذة من الفكرة الفردية إلى الفكرة الجماعية، فقال إن الخير الأسمى هو الذي يعود على أكبر عدد من الناس باللذة، وتجنبًا للظلم وضع بنتام فكرة «حساب اللذات» والتي من شأنها اجتناب الصراع الذي قد يحدث في المجتمع أثناء اختيار اللذة الأصلح له، لذلك فقد رأى بنتام أن قيمة أي فعل ينبغي أن يحكم عليها على أساس الشروط السبعة الآتية:

شدة اللذة أو الألم. مدة المتعة أو الألم. اليقين أو عدم اليقين من المتعة أو الألم. القرب أو البعد الزمني للمتعة أو الألم. خصوبة المتعة أو الألم: مدى التأثر على المدى البعيد. نقاء الألم أو المتعة أو عدم نقائهما: كشرب المخدرات قد يعود باللذة لكن بالنهاية تأثيره على المدى البعيد يكون ضارًا. مدى تأثير الفعل: عدد الأشخاص اللذين سيتأثرون.

وباستخدام هذا الحساب اعتقد بنتام أننا نستطيع أن نحدد يسهولة إن كان الفعل خيرًا أم شرًا.

جون ستيوات ميل «John Stuart Mill»:

اتفق  ميل مع بنتام  في قول بأن الخير الأسمى هو الذي يعود على أكبر عدد من الناس باللذة، وفي طريقته في حساب اللذات، ولكنه كان يؤكد على ضرورة التفرقة بين اللذات، فيقول إنه يوجد لذات «عليا» ولذات «دنيا»، والجدير حقـًا بالإنسان هو اختيار اللذة التي تعود عليه بالشعور بالكرامة الإنسانية.

«من الأفضل أن يكون المرء إنسانـًا غير راضٍ من أن يكون خنزيرًا راضيًا، ومن الأفضل أن يكون سقراط غير راضٍ، من أن يكون أحمق راضيًا».

يأتي العلم الحديث والاكتشافات العلمية لتؤكد فكرة مذهب المتعة في أن الناس ينشدون اللذة دائمًا وأنها قيمة جوهرية يجب أن يسعى إليها البشر.

ففي مجال علم الأعصاب قامت تجربة على مجموعة من الفئران حيث إنه يوضع الفأر في صندوق وقد زرع في رأسه قطب كهربائي في منطقة مركز المتعة، وتم توصيل القطب لاسلكيًا بزر، إذا ضغط عليه الفأر ينشط القطب الكهربائي الذي ينشط مركز المتعة ويسبب الإحساس بحالة من المتعة الجنسية عند الفأر، وبجانبه زر آخر إذا ضغط عليه الفأر يقدم له الطعام والشراب، وعلى الفأر أن يختار بعد كل فترة من الزمان بين أحدهما، اكتشف العلماء أن الفأر كان دائمًا يفضل الضغط على زر المتعة ويتجنب تمامًا زر الطعام والشراب، إلى أن مات من التعب والجوع.

التجربة أوضحت لنا أنه حتى الكائنات الحية البسيطة تنشد اللذة وتبحث عن اللذة التي تناسبها وهذا ما يجعل اللذة والمتعة قيمة جوهرية.

لكن من الاعتراضات التي وجهت للتجربة أنها قامت على عقول بسيطة لا تضاهي عقول البشر المعقدة التي تتمتع بحرية اختيار أفضل.

لم يدرك أرستبس أن اللذة الجسدية قد تعود على الإنسان بالألم، وهذا ما أدركه إبيقور لذلك فقد دَعَا إلى تفضيل اللذات الروحية ،لكن مع هذا

لا نستطيع أن نجعها قيمة جوهرية، فاللذة وليدة الحاجة، كالشيع الذي لا يجيء إلا بعد جوع، والراحة التي لا تتحقق إلا بعد عمل، ثم إن اللذة كثيرًا ما تجيء مشوبة بالألم، لذلك فإنها لا تخرج عن كونها حدثـًا نفسانيًا تشعر به عند غياب الألم.

وحتى إذا سلمنا جدلًا أنه يجب توجيه الحياة بأسرها نحو البحث عن اللذات ولنَر بعد ذلك ما الذي سيترتب عليه، الحق أننا لو تركنا لذاتنا وشأنها لاستحالت على الفور إلى مجموعة فوضوية والتناقضات.

أما بالنسبة لـبنتام وميل فإن فكرة أن الخير الأسمى هو الذي يعود على أكبر عدد من الناس باللذة تعد ظلمًا لأنها تدافع عن حق الأغلبية ولا تعطي أية قيمة للأقلية.

وبالنسبة لحساب اللذات صحيح أننا نستطيع أن نقول بأن المتعة التي حصلت عليها من قراءتي لهذة الرواية أكبر من المتعة التي حصلتها من قراءتي لتلك، ولكن هذا لا يعني أن هناك وحدات للذة نستند إليها لقياس الكميات، ولو سلمنا أنه ممكن حساب مقدار اللذة من نتائج فعل،  هذا لن ينفع مع النتائج غير المباشرة.

كما أن إيماننا بالحرية يفرض علينا احترام كل رغبة ما دامت لن تؤدي إلى إفساد أو انحلال في المجتمع.

قدم الفيلسوف الأمريكي روبرت نوزياك Robert Nozick  تجربة عقلية سنة 1974 في كتابه «دولة الفوضى واليوتوبيا»، بعنوان آلة التجربة.

حيث إنه قدم اعتراضه على مذهب المتعة وقال إننا  لو سلمنا بالفرضية الأساسية لمذهب المتعة وهي أن اللذة والمتعة هي القيمة النهائية الجوهرية لذاتها، هذا يعني أن أي مكون في الحياة لا يعطي تأثيرًا مباشرًا على المتعة، يكون غير صالح للإنسان.

في التجربة فرض نوزياك أن علماء النفس والأعصاب استطاعوا أن يفهموا كل وصلات المخ وقاموا بصناعة آلة توصل بمخ الإنسان، هذه الآلة تستطيع أن تحاكي أية تجربة متعة أو لذة ممكن يتخيلها الإنسان أو يريد أن يعيشها، وبدقة عالية جدًا حيث إنه لا تستطيع أن يفرق بينها وبين تجربة المتعة الحقيقية.

ويسأل نوزيالك أنه لو بيدك الاختيار، هل ستفضل أن يتم توصيلك لمتعة أي تجربة بالآلة ولا تفضل أن تعيشها في حياتك العادية؟

لو صحيح أن المتعة قيمة جوهرية سيفضل البشر أن يظلوا متصلين بالآلة، ولكن رأى نوزيالك أن الإنسان دائمًا ما سيختار أن يعيشها في الحياة العادية وقدم أربعة مبررات لذلك:

– البشر تخوض التجارب نفسها، قبل أن تستمتع  بالتجارب.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل