المحتوى الرئيسى

«النيويوركر»: أطبّاء الظلّ.. حرب النظام السوري المروّعة على المعاطف البيضاء - ساسة بوست

06/22 11:51

منذ 22 دقيقة، 22 يونيو,2016

«أطبّاء الظل»، عنوان تقرير نشرته جريدة «النيويوركر»، يحكي جانبًا من الوضع المروّع الذي يعاني منه العاملون بالقطاع الصحّي في سوريا، وكيف حاولوا ببسالة الاستمرار في تقديم الرعاية الصحّية للمواطنين. فعلى مدار 5 أعوام، استهدف النظام السوري العاملين بالمجال الصحي، بالقصف والاغتيال، والتعذيب حتى الموت، طبقًا لمنظمة «أطباء من أجل حقوق الإنسان»، منهم من احترق حتى الموت داخل سيارة الإسعاف، ومنهم من قُتل أثناء معالجته للمرضى. وهو ما أكّدته لجنة شكّلتها الأمم المتّحدة، إذ قالوا إن «القوات الحكومية تستهدف عمدًا العاملين بالمجال الطبي لخدمة مصالحها العسكرية»، وتمنع العلاج عن المصابين.

يُعاني ملايين المواطنين في جميع أنحاء سوريا من نقص الرعاية الصحّية. فحلب، التي زخرت بآلاف الأطباء في الماضي، أدّت الأحداث إلى ترك 95% منهم للبلاد. ومؤخرًا، أُعلن موت طبيب الأطفال الأخير في حلب، وطبيب أمراض القلب الأخير في حما. ليس ذلك فقط، بل إن وزارة الصحة السورية تمنع قوافل الأمم المتّحدة الطبية من توصيل الأدوية، والإمدادات الجراحية إلى المناطق المُحاصرة، انتهاكات للقانون الإنساني الدولي «يدينها بشدة» مجلس الأمن، في حين يدعم 4 من 5 أعضاء دائمين بالأمم المتّحدة تحالفاتٍ تهدم المستشفيات في سوريا واليمن والسودان، طبقًا للتقرير.

استغلّ النظام السوري المستشفيات منذ بداية الحرب الأهلية كوسيلة أمنية، حيث اعتلى القناصون أسطحها مستهدفين المتظاهرين ضد النظام، وغالبًا من يجرؤ على محاولة علاج المصابين، ومنهم «علي المحاميد»، طبيب أمراض القلب الذي تلقّى رصاصةً في رأسه يوم 23 مارس (آذار) 2011، حين حاول الوصول إلى المصابين أمام المستشفى التي يعمل بها في مدينة درعا. اعتقلت القوات السورية كذلك كل من سجّل دخوله إلى المستشفيات للعلاج من إصاباته، بينما كان بعضهم ما يزال تحت تأثير المخدّر.

لكن الأطباء، بالتعاون مع منظمات دولية غير حكومية، تمكنّوا من إنشاء شبكات من المستشفيات السرية في الداخل السوري، مجهّزة بكاميرات تنقل الوضع في وحدات العناية المركزة، لكي يتابع أطباء الخارج المرضى من خلال «سكايب»، ويوجّهوا الفنيين والأطباء قليلي الخبرة إلى الطريقة المُثلى للعلاج، وفقًا للإمكانات المُتاحة. جرّاح بمستشفى جامعة حلب جهّز عددًا من البيوت الآمنة لإجراء العمليات الجراحية، و«جنّد» 7 من تلاميذه في الخفاء عن طريق زميل له يدعى «نور»، لتنشأ مجموعة «نور الحياة».

تلتقط التلاميذ المصابين من الشوارع، وتنقلهم إلى أحد البيوت الآمنة، مُجريين بعض الإسعافات الأولية التي تعلموها عن طريق سكايب، على يد أستاذهم الذي بقيت هويته سرًّا حتى اليوم، متّخدًّا في البداية اسم د. «وايت» Dr. White. ثم يغادرون المكان قبل أن يصل الأستاذ، ليقوم بعمله. لاحقًا، في صيف 2012، اختطفت قوات الأمن «نور» وقتلته، بالإضافة إلى ثلاثة من تلاميذ د. «وايت»، عُثر لاحقًا على جثثهم المتفحّمة، ليغيّر د. «وايت» اسمه الحركي إلى الاسم الذي يستعمله حتى يومنا هذا: «عبد العزيز».

بمرور الوقت، سيطرت الفوضى على الداخل السوري، وواجهت المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية مشاكل حادّة. حتى التبرعات القادمة من المؤسسات الخيرية في تركيا، لم تصل إلى المستشفيات التي تحتاجها حقًّا، لقلة خبرة مديريها. وهو ما دفع بـ«عبد العزيز» إلى تكوين «المجلس الطبي لمدينة حلب»، لتنظيم المراكز الصحية الرئيسية الثمانية في النصف الذي تسيطر عليه قوات المعارضة في مدينة حلب. ومن أجل السرّية، أخذت كل مستشفى اسمًا كوديًّا: M1، M2، M3… إلخ. استترت المراكز الطبّية بالشوارع الضيّقة، وتماهت عربات الإسعاف، مطفأة أنوارها في الليل، ومغطّاة بالطين، لكي لا تقصفها القوات السورية.

لكن المشكلة الكُبرى تمثّلت في نقص التدريب اللازم للأطباء، والتمريض، والتقنيين للتعامل مع الإصابات، خاصّةً مع النقص الحادّ في الإمكانات. لكن أطباءً غربيين تطوّعوا بالذهاب إلى الداخل السوري، ومعالجة الحالات، وتدريب العاملين بالمستشفيات على طب مناطق النزاعات. أحد أهمّ هؤلاء الأطباء هو «ديفيد نوت»، الجراح البريطاني والعضو بمنظمة «أطباء بلا حدود». ينقل «ديفيد نوت» خبرته، التي اكتسبها من سفره إلى مناطق النزاعات مثل سراييفو، وأفغانستان، وسييرا ليون، إلى الأطباء والتقنيين السوريين، بهدف إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح.

في مستشفى M1، يقول التقرير، كان قسم الطوارئ يُديره طلاب بكلية الطب. يقول «أبو وسيم»، طبيب شاب: إن أحدًا لم يعرف كيف يفتح صدر مريضٍ قبل وصول «ديفيد نوت». وهو ما أكّده «عبد العزيز».

«إن أتاني مريضٌ بإصابة في صدره، لم أكن أعرف كيف أعالجه، لأن هذا ليس تخصصي. إن كانت إصابة في الأوعية، كنت أحوّله إلى مشفى آخر به جراحِ أوعيةٍ دموية. أغلب المصابين في القلب كانوا يموتون».

غيّر هذا مجيء «نوت». في المساء، درّس «نوت» فنون الجراحة التي تعلّمها للطلاب السوريين، مستخدمًا صورًا ومقاطع التقطها من مشاهداته، بالإضافة إلى الأخطاء القاتلة التي ارتكبها. وزّع «نوت» نسخًا رقميّة من مئات الكتب الطبيّة، جلبها معه من لندن. علّم «نوت» الأطباء كيف يقومون بنقل رقعٍ من اللحم والجلد من مكانٍ إلى آخر في الجسد، لتغطية العظام العارية والجراح المفتوحة. هذا بالإضافة إلى «جراحة السيطرة على الضرر»: يُوقف الأطباء النزيف ويمنعون تلوّث الجراح بأقل الوسائل الممكنة، ثم ينقل المريض إلى غرفة العناية المركّزة لإمداده بالسوائل، ورفع درجة حرارته قبل إجراء الجراحة. يقول «عبد العزيز»: إن العديد من المرضى تم إنقاذهم بهذه الطريقة، بعد أن كان الأطباء يفقدونهم أثناء الجراحة التي قد تمتدّ لساعات. «عمّار درويش»، طبيبٌ آخر وصديق لـ«نوت»، أثنى على النقلة التي حقّقها «نوت» في الرعاية الطبية في الداخل السوري.

«إن ذهبت إلى حلب، وسألت الأطباء في أي مستشفى، فسيخبرونك أنّ مجيء «ديفيد نوت» إلى حلب مثّل نقلةً كبرى في الأداء الطبي. ما زال «نوت» يُنقذ أرواح السوريين حتى الآن، لأنه علّم هؤلاء الأطبّاء كيف يقومون بعملهم».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل