المحتوى الرئيسى

مدينة أخميم.. 3 آلاف عام في صناعة النسيج و”شغل اليد”

06/21 18:13

الرئيسيه » ثقافة و تراث » أصل و فصل » مدينة أخميم.. 3 آلاف عام في صناعة النسيج و”شغل اليد”

دفعتنا شهرة مركز أخميم بمحافظة سوهاج بأعمال النسيج الرائعة، إلي زيارة  أكثر منة مكان مخصص لأعمال النسيج.

هناك حملت النساء هم تدريب غيرهن من نساء أخميم، بهدف الحفاظ على الحرفة من جانب، وتوفير مصدر رزق للسيدات بالأخص من جانب آخر.

من داخل مركز الخدمة الجامعية بأخميم “ولاد البلد” أخذت جولة مع سميرة عطية، مدير الجمعية، لتتعرف على أهم ماكينات وحرفين النسيج.

أخميم  سميت على اسم إله الخصوبة “مين” ثم حرف الاسم على مر العصور حتى أسماها العرب “أخميم”، هذه المدينة تعد مركز الفن اليدوي والتطريز منذ ما يقرب من  3 إلى 4 آلاف سنة، طبقا لدراسة أجرتها نوال المسيري، نشرتها فى كتابها صناعة فنان التراث عن دار نشر سبيريت 2009.

عُرفت مدينة أخميم قديما كأحد أهم مراكز صناعة النسيج، وأطلق عليها أحد المؤرخين اسم “مانشيستر ما قبل التاريخ”، نسبة إلى مدينة مانشيستر التي تعد أقدم مدينة لصناعة النسيج في بريطانيا، يقول عنها زكي مبارك في الخطط التوفيقية إن أهلها يفوقون غيرهم في الصنائع، لا سيما في نسيج أقمشة الكتان‏.‏

اشتهرت أخميم في العصر الروماني بالمنسوجات الحريرية، وبلغت في ذلك شأنا كبيرًا، وكانت تصدر منتجاتها خارج البلاد، وقد توفر لها من مواد الصباغة ما ساعدها على تفوقها في المنسوجات، إذ كان ينمو بمنطقة وادي الملوك قرب دير السبع بمنطقة جبال شرق سوهاج، نبات سُمي “الملوك”، له عصارة حمراء داكنة تستعمل في الصباغة، خاصة الحرير القرمزي، الذي اقتصر ارتداؤه على الملوك والأباطرة في ذلك العصر‏.

في غرفة واسعة تزين جدرانها أعمال النسيج الرائعة نجد النول، الذي تصنع من خلاله “السدوة” أو “الخيوط الطويلة”، وهو عبارة عن إطار خشبي مكون من ثلاث أضلع، يعلو عن الأرض بمسافة ثلاثة أمتار تقريبًا، يتدلى من الضلع الأمامي حلقات مستديرة صغيرة مصنوعة من الخيط المقوى عددهم 48 حلقة.

توضع بهذه الحلقات خيط نسيج يشد، وينقل على وتد، وهو إطار خشبي آخر أكبر من الأول قليلا، ليجمعهم على شكل كورة خيط كبيرة، وتعد “السدوه” هي أساس النسيج.

يقف بجوار الإطارين رجل رغم كبر سنه إلا أن جسده احتفظ بقوة واضحة في بنيانه، كان منهمكا في عمله في حركات سريعة وغاية في المهارة والدقة معًا، واضعًا على الأرض أكثر من بكرة خيط كبيرة الحجم يعمل بهم، لنتحدث معه عن رحلة حياته مع النسيج.

“موريس غطاس، 70عاما، عشقت النسيج من أول ماعينى فتحت عليه” بهذا الكلمات يبدأ عم موريس كلامه عن النسيج قائلًا: منذ طفولتي وأنا أتابع والدي الذي كان يعمل بالنسيج، وفى سن 10سنوات تركت المدرسة وتفرغت للعمل مع والدي.

“في البداية كانت الصنعة صعبة عليّ لكن غويتها واتعلمتها بسرعة ودقة أيضا”، ليقدم بعدها فى وظيفة بمجلس المدينة في مشروع النسيج بالمحافظة.

يستكمل غطاس: كان المشروع هو بداية نجاحي في النسيج، لأني وزملائي معنيين بتنظيم معارض، ونظرة لخبرتي أصبحت بعد فترة قصيرة مدربًا للقائمين على المشروع لأعلمهم أصول النسيج.

ويوضح أنه يستطيع تعليم صناعة النسيج في مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وبعدها يقوم بالملاحظة والمتابعة والإشراف على العمال.

يضيف غطاس أنه بعد خروجه على المعاش طلب منه القائمون على الجمعية الانضمام إليهم، ليكون أيضا مدربًا وملاحظًا على العاملات بالمشروع.

أما عن النوال فيوضح عم موريس، يعد هو المرحلة الأولى للنسيج، إذ يتكون من 48 حلقة، وبالتالي يضع نفس العدد من بكر الخيط على الأرض، ثم يسحب “فتلة” خيط من كل بكرة ويضعها في حلقة، ويجمعهم بيده وينقلهم إلي النول الأكبر، وبذلك صنع عم موريس على النول “السدوة” أساس المنتجات النسيجية المختلفة.

في الركن الأخير للغرفة نجد إطارين خشبيين متقابلين، بهما حلقات توضع بها خيط النسيج، يسمي “نير” يستخدم لعمل مفارش نسيجية صغيرة الحجم، وأمام كل إطار تجلس سيدة يعملان بطريقة تبادلية ومنظمة.

رضا فكري، 50عاما، تجلس أمام أحد الإطارين، تقول إنها تبادل الخيط مع زميلتها في الاتجاه المقابل على شكل مقص لتصنع ما يمسي بـ”اللقطة”، التي تعني تداخل الخيوط ذات الألوان المختلفة بشكل منتظم، موضحة أنها تحرص جيدًا على أن يكون التبادل بالترتيب ولا تعمل “لقطة” قبل أخرى، وإلا يحدث خللًا في شكل قطعة النسيج.

النول العريض أو “النول فرد واحد” هو آله خشبية ضخمة صوتها يشبه صوت عربات القطار عندما تصطدم بعضها ببعض، وتشبه في طريقة عملها ماكينة الخياطة القديمة.

وتتكون من أعمدة خشبية مرصوصة بشكل أفقي  ورأسي لتشكل مربعًا كبير الحجم، ومربوط حول الأعمدة الرأسية الخيوط الطويلة “السدوة”، وتتداخل الخيوط العرضية في الطويلة عن طريق أداة تسمي “اللحامة”، وهي عبارة عن مساورة حديدية ملفوف حولها خيط نسيج، تحملها المرأة التى تعمل على تلك الآلة، وتحركها يمينا ويسارًا، بالتزامن مع حركة رجليها على “الدوسات”، والدواسة هي قطعة حديد متحركة في قاع الآلة تعمل بالضغط عليها بالأرجل، ليتداخل الخيط العريض في المثبت بالطول كالشبكة وبذلك تتكون قطعة النسيج.

نقترب من هذه المرأة الحديدية، التي يبدو عليها الإرهاق من جراء العمل الشاق والجهد الذي تؤدية على هذه الآلة، هي شادية عدلي، في الأربعينات من عمرها من أهالي أخميم.

تقول شادية إنها تعمل بالنسيج فى هذا المكان منذ 30 عامًا، صنعت خلالهم مئات المنتجات النسيجية، التي تتنوع ما بين مفارش منزلية وأطقم سرير وغيره، فمنذ أن بدأت في تعلم النسيج خطوة بخطة على يد عم موريس، أحبت تلك الصناعة وأصبحت تمارس المهنة من نابع حبها للأشكال الفنية التي تخرج من تحت يديها، ومرت بها السنين في المكان لتصبح من أشهر المصممات في إخراج النسيج.

تستكمل شادية أنها غالبا ما يكون هناك رسمه محددة تمشي على نهجها، لتحولها من على الورق إلى مفرش النسيج، لكن هي فى نفس الوقت تمتلك حرية الاختيار في تصميم نموذج تختاره، بالإضافة إلي أنها تنسق الألوان بحسب خيالها وتقديرها للرسمة، مضيفة أن النول يعتمد على فرد وأحد ليصمم مفارش مقلمة أو مطرزة أو سادة.

توضح أنه رغم اعتماد النسيج على المجهود اليدوي خاصة تلك الماكينة، إلا أن النسيج هو مهنتها التي تعيش عليها “أنا ربيت بناتي وعلمتهم أحسن تعليم، بنت في كلية طب وأخرى في كلية تربية، هنا في المكان بلاقي تقدير سواء مادي أو معنوي على شغلي”.

هي ماكينة تساهم أيضا في عمل النسيج، سميت بذلك لأنها تعمل بشكل دائرة عن طريق لف خيوط النسيج حول مواسير تلك الآلة، لتوضع  على “مكوك” وتأخذها النسّاجة بعد ذلك لاستخدمه كلحامة “أي عمل خيوط عرضية”.

تضم الجمعية أيضا فنانات يقمن بتطريز النسيج ووضعه فى إطار خشبي ليتحول إلي لوحات فنية، لنتعرف هناك على أحدهن، واحدة بعينين خضراوين جميلتين، وضحكة ناعمة، تجلس معنا فى هدوء، تحاول النطق بكلمات غير مفهومة، إذ تعاني صعوبة في الكلام.

هذه البكماء الجميلة تعرف يديها الساحرتين كيف تحولات الشكل الصامت للنسيج إلي لوحه فنية صارخة تحمل الكثير من المعاني، إنها نورا خلف، 50 عاما، الفنانة التى ذاع صيتها في المكان لجمال وروعة لوحاتها التي تزخرفها.

عن طريق لغة الإشارة، وعبر ألفاظ استطاعت نطقها بصعوبة، وفي حضور سميرة عطية، مدير الجمعية، التي تحفظ نورا عن ظهر قلب، علمنا أنها تعمل في النسيج منذ 30 عامًا، في تطريز اللوحات النسيجية من وحي خيالها، كما أن الجمعية تنظم  رحلات تنزه لها، حيث الطبيعة الربانية والأشكال البشرية والحيوانية المختلفة لتلتقط بعينها بعض المناظر، وترسمها بخيط النسيج على اللوحة النسيجية “بحب الجديد مش القديم في الفن” بكلمات بسيطة عبرت نوره عن طريقة اختيارها للمنظر التي ترسم، رافضة عدم تكرار الموضوع مطلقا.

وتضيف سميرة عطية، مدير الجمعية، عن نورا إنها فنانة تتميز بلوحاتها الجميلة الساحرة، وبالقَطة الغربية، قائلة: “كان في زيارة لحديقة الحيوان وكان هناك ولد طفل وطفلة يجلسان بجوار بعضهما في منظر حب برئ، فرسمتهما بطريقة مبدعة، وفي رحلة أخرى ضربتها سميرة على يدها لمنعها من قطع الورد في الحديقة، فنقلت غضبها من ذلك على لوحة نسيجية رائعة”، وغيرها من اللوحات التي تملأ المكان.

وتوضح أن  العمل في المركز ينقسم إلي نوعين نساجات وفنانات، وتعتمد طبيعة العمل النساجات على تدريبهن على حرفة النسيج بداية من الخيط والإبرة وحتى تصميم قطعة النسيج، والتي تتنوع ما بين كوفرتات ومفارش للسرير وسفرة وشيلان وستائر، وتستمر مدة التدريب حوالي 3 أشهر، من بعدها تعتمد النساجة على ذاتها في تصميم قطعة النسيج مع استمرار المتابعة والإشراف.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل