المحتوى الرئيسى

حكاية توجع القلب.. وجوه شابة هزمها غدر الزمن

06/21 14:25

بالأمس رصدنا ما يدور فى مؤسسات التثقيف الفكرى للفتيات بحلوان ومن داخلها وقفنا عند حالة حنان التى تزوجت وانفصل عنها زوجها بعد أسبوع واحد من الفرح، واستولى على كل جهازها وباعه واشترى به مخدرات، وروت لنا حنان كيف أنها كانت قاب قوسين أو أدنى من الشارع والتشرد قبل أن تتلقها المؤسسة، واستمعنا أيضًا إلى سحر حسين، مديرة المؤسسة، والشكوى المستمرة من عدم التأمين الصحى على الفتيات المعاقات وعدم توافر الرعاية الصحية اللازمة لهم وعرضنا جانبًا مضيئًا مما تقوم به المؤسسة تجاه من يلتحق بها.

ونواصل اليوم جولتنا بمؤسستى التثقيف الفكرى والأحداث الضالين، كما نستمع إلى صوت قريب من هذه المؤسسات كشف لنا الوجه الآخر لما يدور فى بعضها من عنف وضرب وتعذيب وتحرش بفئة كان قدرها أنها ولدت معاقة ذهنيًا.

خلال جولتنا داخل مؤسسة الأحداث الضالين لفت انتباهنا مجموعة من الأطفال داخل غرفة نادى الألعاب والكمبيوتر يركضون هنا وهناك ودونهم طفل يجلس وحيدًا، سألناه عن سر وحدته وحزنه فقال بصوت مرتعش «عايز أب وأم» نفسى يكون لى بابا وماما، وبعدها سكت عن الكلام.

طفل آخر التقته «الوفد»، قال بصوت قوى: «أنا بقى مش عايز بابا وماما، أنا عايز أفضل هنا فى المؤسسة وموش عايز أروح البيت، وعلى فكرة بقى أنا كل ما المؤسسة تسلمنى لأهلى أهرب منهم وأفضل أجرى لغاية ما أوصل وأرجع المؤسسة تانى عشان أنا فيها بكون فرحان ومبسوط جدًا.

طفل ثالث وقف يسأل: هو انتِ بتشوفى بابا، قلت له بابا مين، قال بابا الرئيس السيسى قولى له إن أنا أحبه قوى قوى خالص وعايز أشوفه عشان أديه بوسة وحضن كبير خالص قد الدنيا».

فى الطابق الثانى من المؤسسة، تقع صالة الألعاب وجدنا فيها بعض الأطفال المعاقين ذهنيًا والذين كانوا صائمين وقالوا إنهم يحفظون آيات قرآنية ويحافظون على الصلاة.

أما أصعب الحالات التى رأيناها فى غرفة الرعاية الصحية بالمؤسسة فكانت لطفل معاق ذهنيًا انتابته حالة صرع وكان برفقته زميل له بالمؤسسة من المعاقين ذهنيًا.. وكان الأخير قلق جدًا وحزين على صديقه المصاب بنوبة الصرع، وكان يبكى عليه بحرقة، ويردد «يارب يارب».

لا تخلو المؤسسات من قصص إنسانية ومآسى، فهذا «إسلام» الذى تخلص منه والده «علاء» ولا يريد زيارته ولا الكلام معه فى الهاتف وعندما يتحدث معه مدير المؤسسة يتهرب من الرد عليه وأحيانًا يرد ويقول: حاضر ربنا يسهل.. هاجى أزوره واستلمه كمان».

وللأسف يعدهم بالمجيء ولا يأتى، وبالتالى هذا يشكل انهيارًا نفسيًا للولد إسلام الذى يبلغ من العمر 17 عامًا، ونسبة الإعاقة لديه بسيطة، ولديه قدرة على الفهم والإدراك، والإحساس بالآخرين وبالأشياء من حوله.

وعن ظروف والده الاجتماعية قالوا إنه من أكبر تجار حى البساتين ولديه 7 ورش للصناعات وحاولوا كثيرًا مرارًا وتكرارًا الاتصال بهذا الأب ليزور ابنه حتى يلاحظ الفرق الكبير فى سلوكه، وحرية الاختيار.. والمؤسسة لن تجبره على استلام الولد، المهم أنه يلبى طلب ابنه الوحيد فى الحياة ويتصل ليسأل عليه حتى بالتليفون ويأتى لزيارته دون أن يكلف نفسه شيئًا، الولد لا يريد شيئًا من الدنيا سوى أن يرى والده ويتحدث معه ويضمه لحضنه ويشعره بالحنان والأمان الأسرى.

حتى زوجة الأب عندما تعرف أن إسلام يريد مكالمة والده تغلق الهاتف فى وجه المؤسسة.

وقال الأخصائى الاجتماعى: إسلام موجود بالدار منذ 3 سنوات وجاء المؤسسة عن طريق النيابة، ولم يكن يدرك أى شىء - آنذاك - والمؤسسة قامت بعلاجه إلى أن أتم الشفاء من هذا الانهيار الحاد الذى كان يسيطر عليه، وبالفعل تم تغيير السلوك لديه إلى الأفضل، وأصبح يتعامل مع كل من حوله بشكل جيد واندمج للتعامل مع المجتمع بشكل مقبول، وتعلم الصلاة والصوم وحفظ آيات كثيرة من القرآن الكريم.

وحكى إسلام لـ«الوفد» بداية مأساته، موضحًا أن والده طلق والدته، ثم تزوج وعندما كان يعيش مع أمه وزوجها كانت تعتدى عليه بالضرب فكان يترك البيت خوفًا منها ويجلس فى الشارع.. والتقى أحد الأولاد الضالين واصطحبه معهم ودفعه لتناول البانجو والحشيش.. وكان ينام معهم ويلمع عربيات من أجل الحصول على أموال ويبيع الصحف لتحصيل أكبر قدر من المال ليتعاطى به جرعة المخدرات اليومية مع من اصطحبوه معهم من الضالين فى الشوارع.

وأضاف: عندما كنت أعيش مع والدى.. كنت أترك المنزل ولا أسمع كلامه، لكن الآن أنا تغيرت خالص ويسمع الكلام وعارف إيه هو الصح وإيه الغلط، وطلبت من ربنا يسامحنى.

وأكد - وسط بكاء شديد - أنه لا يريد من والده أى شىء سوى حضن وحنان والده والاطمئنان عليه ليس أكثر.

وقال مدير المؤسسة إن وزيرة التضامن غادة والى اتصلت هاتفيًا بوالد إسلام، ولكنه لم يلبى كلامها، ويتعشم إسلام فى الرئيس السيسى ويقول ممكن حضرتك تقولى للرئيس السيسى إنه يتصل بوالدى ويقول له إسلام نفسه يشوفك ولو مرة كل شهر ولو بابا رافض يستلمنى عشان أعيش معاه فى البيت رغم أنى بقيت إنسان كويس وبسمع الكلام وبعرف ربنا.. خلاص أنا موافق أفضل فى المؤسسة بس ييجى أبويا يزورنى مرة واحدة بس كل شهر بلاش كل أسبوع.

وعن المؤسسة تحدث مديرها عبدالرؤوف رمضان فقال: نقبل الأحداث الصادرة ضدهم أحكام من إحدى محاكم الأحداث أو النيابة من سن 8 سنوات إلى سن 18 سنة عند الإيداع، على ألا يزيد سن الحدث عن 21 سنة.

وحول البرامج المقدمة من المؤسسة للحدث الضال المعاق ذهنيًا قال الأخصائى الاجتماعى محمد فتحى: نطبق برامج حسب السن ونسبة الإعاقة، ويوجد قسم خاص بتأهيل الأطفال تعليميًا وهؤلاء يخضعون لنسبة إعاقة بسيطة، وقسم خاص بتنمية المهارات وتكون للسن الكبير أو الصغير مع درجة إعاقة شديدة، وقسم خاص بالورش وتكون للسن الكبير مع درجة إعاقة بسيطة.

وأضاف "فتحى" أن لكل قسم أهدافًا، وأهداف القسم التعليمى هى تأهيل الطفل تعليميًا ليكون قادرًا على كتابة اسمه والأسماء والأرقام والتعرف على الألوان، والهدف من قسم تنمية المهارات هو تأهيل الطفل للاعتماد على نفسه كاملاً فى كيفية الأكل ودخول الحمام بمفرده، بينما أهداف قسم الورش هى تعليم الطفل كيفية التعامل مع البيئة الخارجية، ولكل قسم أخصائى نفسى وأخصائى اجتماعى.

وحول ما تقدمه المؤسسة من دعم لأهالى الأحداث قال عبدالرؤوف إن المؤسسة قامت مؤخرًا بإعفاء الأهالى غير القادرين من دفع المصروفات، بجانب إقامة مشاريع بقروض حسنة لمساعدتهم فى إنشاء المشروعات الصغيرة، وذلك بعد إجراء البحوث الاجتماعية من خلال الأخصائيين الاجتماعيين التابعين للمؤسسة.

وعن أصعب الحالات الموجودة بالمؤسسة قال محمد فتحى، أصعب الحالات هى حالات التوحد وهى من أصعب الحالات عند الطفل المعاق ذهنيًا، ذلك بالإضافة إلى المشكلات السلوكية المعبأ بها الولد من الشارع بألفاظ بذيئة وضرب واعتداءات.. وبالتالى لابد من تأهيله قبل أن نقوم بدمجه مع باقى الأولاد بالمؤسسة وهذه تعد مرحلة البداية مع الولد من بداية استلامه.

وأكد "فتحى" أن مرحلة تعديل السلوك مع حالات توحد المعاقين ذهنيًا، هى الأصعب، وبعد أن يبلغ الطفل سن الـ21 سنة يسلم إلى أهله إذا كان له أهل، معروفون مشيرًا إلى أن أغلب الحالات الموجودة بالمؤسسة لم يظهر لها أقارب حتى الآن، وبالتالى يستمر الولد فى المؤسسة، وهذا يتم بتوجيه تقرير من خلال المؤسسة إلى النيابة وهى التى تقرر ما إذا كان الولد سيظل بالمؤسسة أم يسلم لأسرته بعد التأكد من أنه سيكون فى أمان مع أسرته، خصوصا أن بعض الأسر تعمل فى التسول وبالتالى يجبرون الولد على التسول وعن أكبر حدث من المعاقين موجود بالمؤسسة، قال إنه يبلغ من العمر 50 عامًا.

وحول حالات الأحداث الضالة المعاقة ذهنيًا التى وجدناها بالمؤسسة، قال عبدالرؤوف: هؤلاء قبض عليهم فى الشارع بتهمة تشرد، وعدم وجود أهلية، وتقوم النيابة بإرسالهم إلى مركز التصنيف والتوجيه وتطبق عليهم اختبارات ذكاء معينة، ويكتشف من خلالها أن الطفل لديه نسبة إعاقة ذهنية أو تخلف.

وعن الأحداث الذين تعلموا مهنة فى المؤسسة قال عبدالرؤوف إن المؤسسة قامت بتعليم العديد من الأحداث مهنة الميكانيكا، وهم قادرون الآن على عمل عمرة موتور.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل