المحتوى الرئيسى

سمنون المحب.. "بستاني المحبة"

06/20 23:17

يعاتبني فينبسط انقباضي    وتسكن روعتي عند العتاب

جرى في الهوى مذ كنت طفلا   فمالي قد كبرت على التصابي

قائل هذه الكلمات هو  أبو الحسن سمنون بن حمزة الملقب بـ"سمنون المحب" ولد بالبصرة وعاش ببغداد في القرن الثالث الهجري، كان جميل الصورة ظريف اللسان والحضور، وهو من قدم المحبة على المعرفة، وطاف في رياض وخمائل المحبة ورتع في بساتينها مقدماً الأزهار في كل كلمة نسجها في أبيات شعره، وكأنه يطوف بالعاشقين في خمائل الحب، يزرع البستان محبة فيجني منها عشق، من نبت روحه.

 لا يُعبر عن شيء إلا بما هو أرق منه، ولا شيء أرق من المحبة، فبما يُعبر عنها ؟!

دفن بمقبرة الشونيزية في بغداد، بجوار معروف الكرخي.

أمسى بخدي للدموع رسوم    أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم

والصبر يحسن في المواطن كلها      إلا عليك فإنه مذموم

تنوعت مفردات سمنون في أشعاره بين الصد والقلى والهجر والوصل والوجد  والصبابة، وقال معاصروه: كأن سمنون أقيم في مقام المحبة، وكان إذا تكلم فيها يكاد الصخر أن يتصدع، وكانت قناديل المسجد تتراقص من كلامه.

يروى عنه أنه قال: كنت في سفر، فدخلت ضيعة ً ورأيت الصبيان محدقين بغلام عليه أطمار، وفي وجهه للمحاسن آثار، ففي رجليه قيد واسع، وفي عنقه سلسلة طويلة، وقفت عليه، فرفع رأسه وقال:

- يا سمنون  يا مدعي الحب، يا من لبس هذه الخرقة المصنوعة، ما معنى الحب ؟

- فقلت: هي رؤية العزيز الذل، وأن تحب القيد والغل.

- فقال: صدقت، ثم أنشد:

أذلّ ُلمن أهوى لأكسب عزه وهل إذ كان من تهوى عزيزا

فقلت له: يا أخي صف ْ لي المحبة.

فقال: كيف أصف شيئا ً لم أجده في نفسي حق وجوده، ولا علمت منتهاه في نفس أحد، ومن قال رويت المحبة فهو كذاب، ومن شكا منها فهو مدع ٍ، ومن ذكر محبوبه فقد افترى، ثم أنشد يقول:

وهل أنسى فأذكر ما نسيت فما نفد الشراب وما رويت

رفرف سمنون المحب في سماوات المحبة، وتنهد تنهيدات عاشقة مليئة بالصبابة، وسما بروحه نحو أيكة الغرام، مرتقياً درجات تسمو بنفسه وترقى، معتبراً أن الحب شغله عن كل شغل، والتنائي عن حبيبه أورثه الفكر والسهد.

كان لي قلبٌ أعيش به ضاع منّي في تقلبِه

رب فاردده عليّ فقد ضاق صدري في تطلبه

وأغث ما دام بي رمقٌ يا غياثَ المستغيثِ به

ترك سمنون المحب عدة قصائد لم تزد في مجملها عن 5 أبيات لكل قصيدة، كانت زفرات عاشق متيم، لم يترك معنى من معان الغرام والهيام إلا كتب عنه ووصفه.

 أفديكَ بل قلّ أن يفديك ذو دنفٍ ....هل في المذلّة للمشتاق من عار

بي منك شوقٌ لو أن الصخر يحمله ... تفطّر الصخر عن مستوقد النار

قد دبّ حبّك في الأعضاء من جسدي ... دبيب لفظى من روحي وإضماري

ولا تنفّست إلا كنت مع نفسي .... وكل جارحة من خاطري جاري

وكان قلبي خالياً قبل حبكم    وكان بذكر الخلق يلهو ويمزحُ

فلما دعا قلبي هواك أجابه     فلستُ أراه عن فنانك يبرحُ

رُميت ببين منك إن كنت كاذباً        إذا كنت في الدنيا بغيرك أفرح

وإن كان شيءٌ في البلاد بأسرها      إذا غبت عن عيني بعيني يلمحُ

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل