المحتوى الرئيسى

أحمد الحجاجي يكتب: شكل الصراع المعاصر للدين | ساسة بوست

06/20 17:30

منذ 1 دقيقة، 20 يونيو,2016

قد يبادر المتسائل أين هذه الذات أو ذلك الكيان من الملحد، والمعروف أن الملحد هو غالبًا في التعريف الأكثر معرفة الشخص الذي لا يؤمن بوجود آلهة، ولكن هذا الكيان أو هذه الذات تعيش في داخله، ولا يستطيع التخلي عنها أو التخلص منها بشكل نهائي؛ لذا تجد الملحد يحاول بشكل قوي أن يناهض أو يناقض تلك الذات بشكل عكسي فتجده أكثر الناس مهاجمة وتطرفـًا ضد الدين والمتدينين، ويأخذ في الغالب موقف المناهض والمعادي لكل موقف من الدين والمتدين أيًا كان الدين الذي يهاجمه، هو يهاجم الكل ويناهض الكل، وبالذات إذا تخلى عن أية أيديولوجية سابقة كان يعتنقها، أو أية عقيدة من العقائد الموجودة في الأديان، كل ذلك هو تجسيد لصراعه الداخلي الذي يظهر لاحقـًا في شكل هذا السلوك من محاربته لكل توجهه ديني هو في الحقيقة يفرز صراعه الداخلي إلى الواجهة بهذا الشكل لذلك لا تجد ملحدًا إلا ولديه توجهه واندفاع غير منضبط يظهر في السلوك نحو الأديان وكل متدين.

أما كيف يستطيع ذلك إن كانت تلك الذات تسكنه؛ فالذات الكامنة على اعتبار أنها شكل روحي ساكن في عمق الإنسان هو من يحركها بحسب اندفاعه وتوجهه الروحي واجتهاده الفكري نحو السلب أو الإيجاب؛ لذلك تجد القرآن يقول في آياته: «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وكثير من الآيات الدالة على ذلك، على أن محور الفكر والأفكار بطبيعتها السيكولوجي هي التي دائمًا في حراك ومن طبيعة هذا الحراك صناعة الاتجاهات وتوظيف تلك الاتجاهات نحو الإيجابية التي تحرك تلك الروح والذات الكامنة فتنتج منها اطمئنانًا ومشاعرًا وروحًا إيجابية أو العكس من ذلك توظفها بطريقة أفكار سلبية ثم جر تلك الأفكار السلبية مع صراع مع تلك الذات فيظهر على شكل سلوك وانفعالات مع الواقع، وكلما يناقض تلك الروح المنسجمة معه فهو يناقض داخله ويناقض الآخرين الذين ينسجمون مع ذواتهم لأنه ليس منسجم مع ذات نفسه؛ فهو يناقض ذاته ويناقض المنسجمين مع ذواتهم؛ فأسلوبه هو شكل طبيعي ورد انفعال متوقع طالما وهو كذلك.

لذلك الأمر أكثر من مجرد حاجة كما صورها البعض، بل إن كثيرًا من تعريفات من تخصصوا في الموضوع من حتى المسلمين ذهبوا إلى ما يشبه تلك الإقرارات من أن الدين كحاجة وذلك نجد ما قال العقاد في كتابه الله: «ففي الطبع الإنساني جوع إلى الاعتقاد كجوع المعدة إلى الطعام، فالروح تجوع كما يجوع الجسد وإن طلب الروح لطعامها كطلب الجسد لطعامه، لا يتوقف على جودة الغذاء، ولا على حلاوة المذاق، بل يتوقف على شعور الغريزة بالحاجة» انتهى

إلا أن أرنولد توينبي كان أقرب للفكرة، ولما نطرح حيث يقول: «أن جوهر الدين ثابت ثبات جوهر الطبيعة البشرية ذاتها، فالدين في الحقيقة صفة ذاتية مميزة للطبيعة البشرية».

ولا بأس أن نفرد لموضوع مهم للغاية للكلام حوله، وهو ما صاغه المفكرون والفلاسفة من بعد الثورة الفرنسية والتنوير الذي ظهر في أوروبا من بعد الثورة التي ظهرت أغلب المقالات والتنظير حول مهاجمة الدين وتسفيهه معتقدات الناس حول ذلك، والتي ظهرت أغلبها على شكل مقالات وآراء أقرب ما يقال عنها إنها قريب من الأفكار والآراء السفسطائية اليونانية لكن لتوصيف أعمق للموضوع والدوافع حول ذلك يجب أن ننظر إلى تلك المرحلة والوضع الذي صاحب تلك المرحلة من صراع بين الكنيسة وقيام الثورة والتنوير، من حيث تحولت الكنيسة من راعية للدين والقيم إلى ما يشبه الوكالة التجارية لتسويق اللاهوت وتحويل الحكم إلى حكم ثيوقراطي بيد الكاهن وليس حتى النص السماوي أو الأثر الديني؛ حيث مارست الكنيسة في ذلك العصر قيودًا حديدية على المفكرين والتنويريين، وحاربت كل أشكال التقدم والتطور إلا ما كان تحت نظر الكاهن ورعايته، وكل ذلك تحت رعاية الإقطاعيين مما زاد الأمر حدة وفداحة حول اجتماع سلطة الكاهن وسلطة الإقطاعي الفاسد في مسار واحد وفي سلوك وأسلوب واحد، مما صنع فوبيا قوية ضد صورة الدين في المجتمع الأوروبي وقتها الذي نشأت ثقافته ورؤيته للدين من خلال ما تقدمه الكنيسة وقتها فقط باعتبارها الممثل الرئيسي للدين أو لصورة حكم الدين وتعامله مع الدولة والإنسان وسياسات الحكم.

هذه الصورة هي التي طبعت في عقلية المفكرين والفلاسفة التي استمدوها من ممارسات وأعمال الكهنة والكنيسة وقتها هي التي صاغت لهم التصور الكامل كما ذكرنا، وقتها لا يمكن أن يبحث الفيلسوف أو المفكر عن أفكار أو أديان أخرى تساند موقفه فظهر العداء للدين على أساس هذه النظرة وأن هذه الحقائق وهذا الأسلوب الذي جسدته الكنيسة هو الدين ذاته، ومن هنا بدأ الهجوم نحو الدين على شكل مقالات وتنظير من هؤلاء المفكرين والفلاسفة على اعتبار أن الدين لا محالة هو ما صورته الكنيسة وجسدته في أعمالها وأخلاقها.

وعلى هذا الأساس تم صياغة الأفكار والنظريات حول ذلك على سبيل المثال فولتير وغيره من المفكرين الذي فسر وجود التدين بخداع القسس والكهنة وبغباء الشعوب الذين وصفهم بالحمق والسذاجة حيث قال: «إن الملوك القدامى استخدموا في زمانهم هذه الأفكار ليدعموا سلطانهم، وأفردت كل جماعة إحدى القوى الخارقة لتكون لها إلهًا حارسًا لها، وأضفت عليه هالة من التقديس، وعبدته وقدمت له القرابين على أمل أن يتولى حمايتها من سطو الجماعات الأخرى وآلهتها، وأوجدت هذه المعتقدات الكهنة كما أن التفاسير والتأويلات والطقوس كانت من عمل الكهنة، ومع مرور الزمن لعب الكهنة على خوف الناس واستغلوا ليبسطوا سلطانهم وقوتهم واقترفوا كل ضروب الخداع واللؤم».

كما قال: «إن فكرة التأليه إنما اخترعها دهاة ماكرون من الكهنة والقساوسة الذين لقوا من يصدقهم من الحمقى والسخفاء» «دراسات في الأديان القديمة» أحمد علي عجيبة.

من هنا نرى التقاطع الكبير بين ما يطرح فولتير من رأيه حول ذلك، وبين ما تطرحه الكنيسة من ثقافة دينية ومن مفهوم تسوقه أثر في طرح فولتير للمسألة بشكل كبير من حيث وصفة لها؛ فما يطرحه من أفكار حول الكنيسة هي تقاطعات، لكن في الاتجاه المعاكس لما كانت تقوم به الكنيسة من أعمال فنراه يطرح في أدبياته ومفهومه للدين من حيث استخدامه للمصطلحات في الطرح كما نرى مثل التأليه فكرة اخترعها القساوسة والكهنة واستخدام الملوك والكهنة ذلك في تحقيق مصالح شخصية ومنافع باسم الدين نجد أن هذه الممارسات من الكنيسة هي التي ولدت الشعور المعاكس لدى فولتير وتصنيفه للدين من خلال سلوك الكنيسة والقساوسة وقتها، فهي لا تخرج ولا تبعد كثيرًا عن إطار الموضوع، بل إنها تقريبًا أسلوب تغذية راجعة من سلوك الكنيسة ظهرت في معاكسة فولتير وغيره من المفكرين لها وإسقاط الفكر الديني اللاحق على هذا القياس.

من هنا نستطيع أن نقرأ الأفكار التي قامت لمعاداة الدين هي في الأساس قامت على ضوء ما قدمته الكنيسة من أفكار وسلوك وجسدته في تعاملها على أن المفكرين والفلاسفة الذين كتبوا ضد الدين لم يكونوا وقتها باحثي أديان كي ينقبوا عن آراء وأفكار الأديان بشكل عام.

لهذا يجب أن نعرف أن ما قام به المفكرون والفلاسفة من هجوم على الدين هو توظيف واستنتاج وتأثير ظروف ومواقف معينة في مراحل تاريخية معينة.

وإلا فإنه بالنسبة للفكرة الدينية فإنها كما ذكر مالك بن نبي: «إن كهوف العبادة تسير جنبًا إلى جنب مع الفكرة الدينية التي طبعت قوانين الإنسان.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل