المحتوى الرئيسى

«الأعلى للصحافة».. و«العليا للدستور»

06/19 21:21

مسألة المجلس الأعلى للصحافة والبيان الصادم الصادر عن مسئوليه الأفاضل أساتذتنا المرموقين فى مهنة الصحافة، يتجاوز أزمة تشريع فى مجلس النواب، إلى أزمة أعمق، حين قرر أعضاؤه الاستهانة بمبدأ دستورى يتعلق بالفصل بين السلطات، ومنح أعضائه لأنفسهم حق الحسم الدستورى فى خلاف قانونى، وأظهروا أنفسهم أصحاب الأمر والنهى، بل وهم يحمّلون رئيس الجمهورية المسئولية إذا لم يُقرر لهم ما يريدون.

ما سبق ليس اتهاماً أو تطاولاً، وإنما للأسف حقيقة أظهرها البيان بنصوصه المثيرة، الذى أحال المجلس الأعلى من مجلس خاضع للقانون إلى مجلس معتدٍ على القانون، حينما قرّر الأعضاء تمديد خدمة رؤساء تحرير الصحف القومية، رغم أن صلاحياتهم فى هذا الشأن، وفقاً لقانون إنشاء المجلس قد انتهت، ولم يعد لهم هذا الحق.

المجلس الأعلى حسم من جانبه الأمر بأنه قرر بعد بحث مشروع القانون المعروض على البرلمان «أنه انتهى بعد مناقشة الاقتراح بقانون ينطوى على عوار دستورى ويخالف نص المادة (224) من الدستور»، وهكذا أحال المجلس الأعلى نفسه إلى محكمة دستورية تبحث وتناقش وتبت وتقرر، وقرر المجلس أن مشروع القانون غير دستورى، وأن صلاحيته قائمة ووضعه قانونى حتى صدور قانون الإعلام وتشكيل الهيئة الوطنية للصحافة، وقرر بالتالى تمديد خدمة رؤساء تحرير الصحف القومية.

بل زاد البيان أن المجلس «قرّر مخاطبة رئيس الجمهورية باعتباره رئيساً للدولة والسلطة التنفيذية، بأوجه العوار الدستورية والقانونية لمشروع القانون الذى ينظره مجلس النواب، معبّراً عن ثقته فى أنه سيستخدم سلطته الدستورية فى الاعتراض على هذا القانون فى حالة موافقة مجلس النواب عليه، طبقاً للمادة (123) من الدستور»، والنص هنا واضح أن الرئيس ليس له خيار إلا الانحياز لتفسير المجلس الأعلى ورفض تشريع مجلس النواب الذى حسم المجلس الأعلى أمره، وقرر أنه باطل دستورياً!!! وإلا فإن الرئيس نفسه سيكون معتدياً على الدستور لو خالف رأى المجلس الأعلى، وهو أمر مُفزع أن تبتز رئيس الدولة وتنزع عنه صلاحيته فى إقرار التشريع لو خالف قناعاتك، أو اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا لحسم الخلاف، فحقيقة الأمر أن المجلس الأعلى قرر أنه صاحب الأمر والنهى.

كنت أفهم أن يُعلن المجلس لجوءه إلى المحكمة الدستورية العليا أو اللجوء إلى رئيس الجمهورية، أو أن يطلب من أصحاب الشأن عرض الأمر على المحكمة العليا، كل ذلك من أجل البت فى الخلاف الحاصل حول أحقية مجلس النواب فى إصدار تشريع لإنهاء دورة المجلس الأعلى القائم وتشكيل مجلس آخر، وأن يطلب تفسير المادة 224 من الدستور، ومدى انطباقها على الخلاف القائم.

للأسف، مَن يقرأ صيغة بيان المجلس الأعلى، ويتمعّن فى القرار، يتأكد أنه مارس حالة تحدٍّ صارخة لمؤسسات الدولة وصلاحياتها واختصاصاتها، ومحاولة للسطو على هذه الاختصاصات، وفرض للأمر الواقع، حتى لو كان بطرق غير قانونية، وهى حالة تحريض واضحة على كسر القانون والامتناع عن إنفاذه، وخلق انطباع بالرغبة فى مواصلة أزمة سياسية كاذبة اسمها العدوان على حرية الرأى والتعبير والمؤسسات الصحفية.

فى تقديرى، أن الأمر يتجاوز تماماً مسألة الخلاف بين المجلس الأعلى للصحافة ونواب فى البرلمان، فهو فى حقيقة الأمر تعبير عن ثقافة رسخت للأسف لسنين طويلة، بمقتضاها يمنح البعض أنفسهم صلاحيات غيرهم ويقررون ويحسمون، متجاهلين أن للدولة مؤسساتها، ولكل مؤسسة اختصاصاتها، فيشيعون بذلك الفوضى وثقافة الاستهتار والاستهانة بالمؤسسات الرسمية وقراراتها، وهذا هو صلب سلوك المجلس الأعلى للصحافة، الذى انعكس فى بيانه الأخير، معتبراً نفسه محكمة دستورية عليا، وبرلماناً للتشريع، ورئيس سلطة تنفيذية حاسماً للخلافات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل