المحتوى الرئيسى

خبراء يقللون من جدوى تغليظ عقوبة الاتجار فى العملة

06/19 11:48

رئيس شعبة المستوردين: الحل اقتصادى بحت وليس أمنياً

استنادًا للقاعدة الاقتصادية الشهيرة «كلما ارتفعت المخاطرة ارتفع العائد»، ولأنه يفوز باللذّات كلُّ مغامر، يرى متعاملون بسوق الصرف الأجنبى أن تحرك البنك المركزى الأخير بشأن تغليظ عقوبات الاتجار فى العملة والمضاربة عليها، لن يؤتى بثماره فى جولات محاربة نشاط السوق السوداء.

واستبعدوا أن يكون للتحرك الأخير جدوى فى تضييق الخناق على تعاملات السوق الموازية للدولار، إن لم يكن له أثر عكسى بارتفاع جديد فى سعر صرف العملة الأمريكية بالسوق السوداء، والتى تُقارب حاليًا مستوى 11 جنيهًا، إذ إن المخاطرة أصبحت أعلى.

وأجمع عدد من الخبراء على أن التجربة أثبتت فى حالات متعددة، أن تغليظ العقوبات عادةً له أثر عكسى، وأن العلاقة طردية بين العائد والمخاطر، وبارتفاع المخاطر يرتفع العائد، فى ضوء تغليظ عقوبة الاتجار فى العملة، ومن المتوقع زيادة سعر الدولار الموازى.

وأكدوا صعوبة القضاء على السوق السوداء للدولار فى الوقت الراهن، فى ظل استمرار أزمة نقص وشح العملة الأجنبية، وعدم توازن قوى العرض والطلب بسوق صرف العملات الأجنبية.

وأشاروا إلى أن هناك سببًا آخر يقلل من فاعلية العقوبات الجديدة للاتجار فى العملة، وهو أن السوق السوداء ليس مكانها مقارّ شركات الصرافة، ولكن تتم الصفقات فى أماكن أخرى متفق عليها بين البائع والمشترى قد يصعب السيطرة عليها، منها الشوارع والميادين العامة، بعيدًا عن أعين مفتشى البنك المركزى ورجال مباحث الأموال العامة.

ووافق مجلس الوزراء، أواخر الأسبوع قبل الماضى، على مشروع قانون بتعديل المادتين 114 و126 من قانون البنك المركزى، والجهاز المصرفى والنقد، ورقم 88 لسنة 2003 الخاص بتنظيم عمليات النقد الأجنبى.

وتضمَّن التعديل أن يحدد مجلس إدارة البنك المركزى شروط التعامل بالنقد الأجنبى لشركات الصرافة، والجهات المرخَّص لها، ومدة الترخيص، ونظام العمل بتلك الشركات والجهات، وقواعد وإجراءات التعامل، ويكون لمحافظ البنك المركزى فى حال مخالفة أى من تلك الشركات أو الجهات، للشروط والإجراءات، إيقاف الترخيص لمدة لا تُجاوز سنة واحدة، مع إلزامها بسداد مبلغ لا يقل عن مليون جنيه، ولا يُجاوز الـ5 ملايين جنيه، ويكون لـ"المركزى" فى حال تكرار المخالفة الحق فى إلغاء الترخيص، وشطب القيد من السجل.

كما تضمَّن التعديل أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تُجاوز 3 سنوات، وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تُجاوز 5 ملايين جنيه، كلُّ مَن خالف أيًّا من أحكام المواد (111 و113 و114 و117) من القانون رقم 88 لسنة 2003، الخاص بتنظيم عمليات النقد الأجنبى.

ووافق المجلس على إضافة مادة جديدة برقم 126 مكررًا للعقوبات، تختص بتغليظ العقوبة على نشاط العملات الأجنبية خارج القنوات الشرعية، وتنص على أن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد على 10 سنوات، وبغرامة تساوى المبلغ محل الجريمة، كلُّ من يتعامل فى النقد الأجنبى خارج البنوك المعتمَدة، أو الجهات المرخَّص لها، كما تنص على أن يحكم فى جميع الأحوال بمصادرة المبالغ محل الجريمة.

فى البداية يرى سالم ندا، رئيس القطاع القانونى لبنك مصر- إيران للتنمية، أن الحل لا يكمن فى تشديد العقوبات؛ إذ إنه فى بعض الأحيان يأتى بنتائج عكسية، مثلما حدث من قبل فى بعض الجرائم مثل تغليظ عقوبة الرشوة، حيث إن العقوبات الكبيرة عادةً لا تحكم بها هيئة المحكمة، وتكون البراءات فيها كثيرة.

وأشار ندا إلى أنه فى الثقافة المصرية أن الجرائم الاقتصادية ليست مثل الجرائم الجنائية، حيث تَلقى بعض الاستهجان، بل يعتبرون أن التهرب من الجمارك والضرائب شطارة وليس جريمة فى بعض الأحيان.

من جانبه أوضح وجدى عبد العزيز، رئيس القطاع القانونى ببنك الاستثمار العربى، أن التعديلات التى تمت على قانون البنوك، والتى تهدف إلى مزيد من الردع للمضاربين على العملة الأمريكية والتلاعب بسوق الصرف أصبحت تشمل الشركات وجميع الجهات أو الأفراد الذين يتسببون فى الإضرار بسوق صرف العملات الأجنبية.

وأشار إلى أن العقوبات تمتد إلى تجريم المتاجرة بالعملة خارج الأماكن المخصَّصة لها وهى البنوك وشركات الصرافة، وفقًا لما ينص عليه قانون البنوك وحماية النقد الأجنبى.

وعن امتداد العقوبات التى تنص عليها تعديلات قانون البنك المركزى، إلى الأفراد أو الجهات التى تتاجر فى العملة الأجنبية خارج البنوك والشركات، وكيفية ضبطها- قال رئيس القطاع القانونى ببنك الاستثمار العربى إن ذلك يتم بالتعاون والتنسيق مع الجهات الرقابية الأخرى، وعلى رأسها مباحث الأموال العامة والنيابة العامة والرقابة الإدارية.

وأضاف عبد العزيز أن هناك قانونًا لحماية النقد الأجنبى ملحقًا بقانون البنك المركزى ينص بالتفصيل على جميع أنواع الجرائم التى تخص التلاعب بسوق الصرف والعملات الأجنبية.

وأكد أن أجهزة الدولة الرقابية المختلفة، ومنها الشرطة والقضاء والرقابة الإدارية وغيرها، مسئولة عن تنفيذ القوانين، ومنها قانون البنك المركزى وحماية النقد الأجنبى؛ لأن ضبط المخالفين ليس مهمة مفتشى البنك المركزى.

ولفت عبد العزيز إلى أن هذه الجهات مهمتها أن تتلقى أية بلاغات تخص هذا النوع من المخالفات، وعليها ضبط المخالفين وفقًا لقانون البنك المركزى، ومنها المخالفات التى تتم فى جميع الأماكن غير المصرَّح لها بالتعامل فى العملات الأجنبية، متوقعًا أن تساعد تعديلات القانون ورفع سقف العقوبات، فى الحد من المضاربات على العملات الأجنبية ووقف نشاط السوق السوداء.

من جهته أكد صفوت عبد النعيم، المحلل المالى والخبير المصرفى، أن فرض أية عقوبات مشدَّدة على المتعاملين بالسوق السوداء سيحدُّ من عمليات التلاعب، لكن لن يوقف ارتفاع أسعار الدولار، ما دام هناك عجز فى احتياطى البلاد من النقد الأجنبى، مقارنة بمتطلبات الاستيراد، علاوة على ارتفاع الدولار مقابل جميع العملات عالميًّا.

وأوضح أن ارتفاع سعر الدولار وراءه قوة دافعة عالميًّا ناتجة عن انخفاض أسعار البترول على مستوى العالم، كما أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا فى سعره أمام معظم سلة العملات الأجنبية.

ويرى عبد النعيم أن هناك اختلافًا بين ارتفاع الدولار بالسوق السوداء وبين التلاعبات والمضاربة، وإن كانت هناك علاقة تبعية وليست سببية تقتصر على اللجوء للحد من التلاعب حتى نستطيع مواجهة ارتفاع الدولار عالميًّا، بمعنى أن المضاربة على العملات بريئة من ارتفاع أسعارها.

وأضاف أن المشكلات الاقتصادية المزمنة التى تعانى منها البلاد، وارتفاع أسعار الصرف بالسوق الموازية بفارق شاسع عن السعر الرسمى بالبنوك، إلى جانب شح موارد النقد الأجنبى وعدم القدرة على تغطية كل احتياجات الاستيراد، هى مسألة عرض وطلب، وحلُّها لن يكون بفرض العقوبات المشدَّدة.

فيما أكد حمدى النجار، رئيس الشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن تغليظ العقوبات جزء من الحل، إلا أن ذلك لا يكفى وحده للقضاء على مشكلة السوق السوداء ومحاربة المضاربة على الدولار، خاصة أن البنك المركزى والسوق يعيشان تحت ضغط.

وأوضح أن زيادة العقوبة قد تحدُّ من عمل بعض شركات الصرافة التى تتلاعب فى الأسعار وتتاجر بأسعار السوق السوداء، إلا أن البعض الآخر سيبحث عن أماكن ومنافذ جديدة لإتمام الصفقات، وهذا متَّبَع بالفعل حاليًا.

وشكَّك النجار فى قدرة قرار تغليظ العقوبات على الحد من نشاط السوق السوداء، مؤكدًا أن محاربة السوق الموازية والتلاعب الذى يتم فيها لن تأتى بالإجراءات البوليسية، سواء بإغلاق الصرافات وشطب رخصها مثلما حدث من قبل، أو من خلال تغليظ العقوبات، خاصة أن الفارق بين السعرين الرسمى وغير الرسمى كبير يصل إلى %20، أى أن الفرق 2 جنيه تقريبًا فى الدولار الواحد بين السعرين، حيث مازال السعر يتراوح بين 10.90 و11 جنيهًا.

وأشار النجار إلى أن الإجراءات البوليسية قد تزيد الأمر سوءًا، فالإغلاق وزيادة العقوبات فى ظل استمرار نقص الدولار وزيادة الطلب، مقارنة بالمعروض، سيؤدى إلى البحث عن سبل أخرى للتحايل على القانون والتلاعب، والعمل على الاستفادة من الأزمة.

وقال إن الأزمة حلها اقتصادى بحت وليس بوليسيًّا، مشيرًا إلى أن الدولار يرتفع أمام سلة العملات الأحنبية، أى أنه من الطبيعى أن يرتفع أمام الجنيه فى الوقت الحالى.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل