المحتوى الرئيسى

دعاء فاروق تكتب لـ زائد 18: الكماشة رقم (١) في مصر.. قناة الحياة سابقا

06/18 10:27

إنها قناة الحياة.. رقم (١) في مصر كما كانت، وكما يصرون على تصنيفها بأنها الأولى!

هى القناة التى عملت بها منذ عام ٢٠٠٨ حتى آخر يوم فى ديسمبر ٢٠١٥.

هى القناة التى أحببتها وأخلصت لها ونجحت فيها.. هى وش السعد عليّ.

هى من عرفتنى بأهل مصر الطيبين، بعد أن اتاحت لى نافذة يومية أطل من خلالها على ناسنا فى كل مكان، فهى من توغلت بى فى النجوع والكفور وأوصلتنى لأماكن ولناس لو عشت عمرى كله ألف مصر جزءا جزءا، عمرى ما كنت هوصلهم.

ثمان سنوات أظهر على الشاشة يوميا ويصاحبنى لوجو قناة الحياة، والذى حين أراه اشعر أننى  أرى قطعة مألوفة من ديكور منزلى.

حين اسمع موسيقى الفواصل فى قناة الحياة، اشعر أن أحدا ينادى عليّ ويجب أن أرد بنعم.

إنها القناة التى ضمت خيرة موظفي القنوات الفضائية، فإذا كانت قناة الحياة قد وصلت للمكانة التى هى فيها، فلقد وصلت إليها بفضل إخلاص هؤلاء العاملين لقناتهم.

وإذا كان إخلاص الموظف يقاس بتفانيه والتزامه بالعمل، ويقاس باتقانه، ويقاس بالمنتج النهائى الذى يقول إن صانعيه عاملين اللى عليهم وزيادة لإخراج هذا المنتج، فقناة الحياة كمنتج على الشاشة له تواجده فى قائمة القنوات الأهم مشاهدة، هو خير دليل على إخلاص موظفيها وتفانيهم فى بقائها على هذا المستوى لسنوات وسنوات.

طب أزيدكم من الشعر بيتا فى موظفين قناة الحياة؟ عيونى.. الناس دى بقى عدت مرحلة الإخلاص والتفانى والاتقان بتاع أى حد فى الدنيا.. الناس دى بتخلص وبتتفانى ببلاش! بدون أجر.. أي نعم، بيشتغلوا بالشهور بنفس الآداء والإخلاص، لتصل لحضراتكم قناة الحياة على الشاشة حلوة وبتبرق، وتبث لكم البرامج المتتالية المليئة بالمعلومات والوعظ والترفيه ووصفات الأكل والنصائح الطبية والتغطيات السياسية.

حضرتك تقعد فى بيتك تمسك الريموت وتجيب الماتش أو التحليل الرياضى أو المسلسل أو البرامج المبهرة المليئة بالنجوم والفنانين، ولا يخطر على بالك أبدا أن من ينقل لك كل هذا الزخم من البرامج الثرية، مفيش فى جيبه ثمن المواصلات حتى يرجع بيته، أو مراته بتولد ومش عارف يدفع فلوس الولادة، أو بنته نزلوها من باص المدرسة لأنه لم يدفع لها المصاريف المتبقية، أو عليه أقساط وكمبيالات وتراكمت عليه بالشهور، ثم جاء له إنذار بالحبس، فتقدم بطلب لإدارة قناة الحياة لتصرف له راتبه المتأخر -معلش ركزوا معايا وحياة أبوكم- طلب من القناة تصرف له راتبه الذى لم يقبضه منذ شهور.. لم يطالب بسلفة لسد دينه! هو بس كان عاوز ياخد فلوسه اللى طفح الكوتة، واشتغل شهرين رايح جاى رايح جاى من غير ولا مليم، فرفضت القناة الموقرة طلبه، وبات ليلتين فى الحجز، حتى جمع أصدقاؤه المبلغ وخرجوه!

لا يمكن أن تتخيل أن الموظفين فى هذا الصرح الإعلامي المبهر يعملون بالسخرة (بالمعنى الحرفى للكلمة وليس مجازا) لا يقبضون مرتباتهم التى تعاقدوا عليها مع القناة لشهور طويلة، قد تصل مع بعض الموظفين لستة أشهر!

هتقوللى وإيه اللى مقعده فيها؟! اقولك يا سيدى: هو لا يستطيع أن يمشى من القناة ليعمل فى جهة أخرى، لأن له مستحقات لن يأخذها، وسوف تضيع عليه إذا ترك القناة، بما فيها شقاه وراتبه لشهور طويلة، الذى يأخذه بالقطارة وبمنتهى المهانة، بعد تذلل للقناة التى لا ترد ولا تبرر ولا تهدىء من روع الموظفين المنهارين نفسيا وماديا.

اخبطوا دماغكم فى أى حيطة.. والحيطان التى بنوها كثيرة، لتحيل بين المدراء والموظفين! فمن يتجرأ ويتعدى حدوده ويفجر ويخطى حيطة من هذه الحوائط، ليقول لصاحب القرار أنا مزنوق أبوس إيديكم قبضونى.. يُخصم له فورا من راتبه اللى هيقبضه بعد ثلاثة أو أربعة شهور!

اقولك الأنقح؟ من يقرر أن يتخلى عن شقاه ومستحقاته، ويروح يشوف حاله فى قناة أخرى لأنه بيشحت حرفيا، يتقدم أحد المسؤولين فى قناة الحياة بشكوى لهيئة الاستثمار، يشكو فيها أن القنوات الأخرى تخطف موظفين قناة الحياة، ويوقفوا للغلبان مراكبه السايرة فى القناة الأخرى، لمجرد أنه عاوز يشتغل ويقبض!

طيب.. لا القناة بتقبضهم مرتباتهم، ولا بتسيبهم يروحوا يشتغلوا فى قناة تانية.. يعملوا إيه، بعد أن فاض بهم الكيل؟!

إنها القناة رقم (١) فى مصر -كما يصرون على وضعها فى هذه الدرجة العليا- طيب.. طالما إنتوا مصرين قوى كده، يبقى أكيد عندكم إعلانات رقم (١) فى مصر.. هتبقى رقم واحد بلوشى؟!

إنها القناة التى تملأ الكبارى بلافتاتها العملاقة البراقة.. إنها القناة صاحبة السبق فى المسلسلات الحصرى.. إنها القناة التى تشاهد على شاشتها النجوم السوبر ستارز ضيوفا فى البرامج، والذين يحصلون على أجر ظهورهم فى القناة وقتى وكاش.

إنها القناة التى تصرف “يمين وشمال” لتظل رقم (١)، ولكنها تدهس موظفيها ولا تضع احتياجهم وقلة حيلتهم فى الاعتبار.. ماذا يفعلون؟!

لقد صبروا على هذا الوضع سنتين متتاليتين، ووافقوا على تخفيض رواتبهم للنصف! وافقوا مضطرين، فلا مفر من الكماشة التى تطبق على نفسهم! لهم رواتب وأجور عند القناة لشهور طويلة، لن يحصلوا عليها إلا لو وافقوا على تخفيض الرواتب!

هكذا تكون المساومة المجحفة: (هتاخدوا القديم، لو وافقتوا على الراتب الجديد بعد تخفيضه).. أمرنا لله.. وبعدما يوافقون على تخفيض الجديد، تبدأ مساومات أكثر إجحافا! سوف نعطيكم كل شهر راتب شهر من الجديد المخفض، ونصف شهر من القديم! يا سواااادي.

ده ليهم مرتبات أربعة شهور، كده هياخدوا مرتب أربعة شهور على ثمانية أشهر؟! هو ده اللى عندنا، وإذا كان عاجبك! خلاص عاجبنى وأمرى لله.. أهو أى حاجة يطولها من فلوسه والسلام!

فيفاجأ أن المرتبات الجديدة، ونصف الشهر القديم لا ينزل فى ميعاده ويتأخر! شهران متتاليان بدون مرتب! ولا يجد من يسأله ولا يجد من يرد عليه ولا يجد من ينقذه من ديونه المتراكمة.

بعد كل هذا الإجحاف والظلم وطرق كل الأبواب الممكنة، وبعدما أوصلوا موظفا محترما يشغل وظيفة محترمة فى قناة -المفروض أنها محترمة- أوصلوه لدرجة أنه بيتسول منهم راتبه، ولازم يبرر، كأنه بيشحت على باب جامع!

“ابنى هيعمل عملية اللوز، قبضونى من فضلكم.. لازم ادفع إيجار الشقة، صاحب البيت هيطردنى، اتوسل إليكم قبضونى”.. ويا ريت حد بيستجيب!

وبعد كل هذا، وبعد شهور عجاف، وداخلين خلاص على رمضان، علم الموظفون أن القناة لا تعتزم أن تعطيهم رواتبهم المتأخرة قبل رمضان! أفندم؟!

لا مش “كفرة” ولا حاجة.. مسلمين زينا عادى، وعارفين يعنى إيه رمضان، ويعنى إيه دَخلة رمضان.

خلاص.. فاضل أيام قليلة ويدخل رمضان، والناس يطرقون الأبواب -المغلقة فى وجوههم- عاوزين فلوس.. حرام عليكم.. إحنا مش عاوزين علاوة، ولا بنطالب -لا سمح الله- إننا نتعامل زى الشركات الكبيرة ما بتعمل وبتدى شهر بدرى أو نص شهر بمناسبة الشهر الكريم.. لا إحنا بس عاوزين نقبض فلوسنا اللى مخدناهاش بقالنا أربعة شهور بالتمام والكمال.

لا أحد يستجيب.. وودن من طين وودن من عجين. طيب إحنا آسفين بقى.. إحنا مش هنقدر نشتغل غير لما ناخد فلوسنا المتأخرة.

وتضامن الموظفون مع بعضهم البعض لأول مرة، بعد ما فاض بهم الكيل واتخنقوا خنقة واحد شانق نفسه بحبل! ووقفوا وقفة رجل واحد ليطالبوا برواتبهم المتأخرة.

طالبوا بحقهم وليس حق غيرهم، وكانت تلك الوقفة السبب فى موافقة قناة الحياة على صرف شهرين من أصل أربعة شهور متأخرة للموظفين، على أن يتم صرف الشهرين الآخرين فى نصف شهر رمضان.

ثم كانت المفاجأة المدوية التى هزت الجميع.. الشيطان شخصيا اللى متسلسل فى رمضان “ريل” ودموعه نزلت! أصلهم علوا عليه، وأدولوه درس فى الشيطنة، وقالوا له: يا أهبل، ولا ليك لازمة يا ابن العبيطة.. عمرك ما هتعرف تعمل اللى إحنا عملناه ده، حتى وأنت فاكك وفى عزك وبتبرطع! إحنا بقى عملناها وأنت متسلسل ومربوط!

راحوا أجروا استوديوهات خارج مدينة الانتاج الإعلامى -وبالتحديد فى العجوزة على النيل- بموظفين جدد، ليبثوا منها البرامج المباشرة اليومية (الفلوس والسيولة، بتطلع عادى فى المواقف دى) حتى لا يتيحوا للموظفين إنهم يمسكوهم من إيديهم اللى بتوجعهم، ويعتصموا مرة أخرى، إذا تأخروا عليهم فى دفع رواتبهم كالعادة!

يدفعون مبالغ وقدرها فى تأجير استوديوهات من الخارج، إنما يدوا للناس مرتباتهم؟! على جثتهم!

ثم جاءوا قبل نصف رمضان، وهو الوقت الذى حددوه لياخذ الموظفون باقى رواتبهم المتأخرة، ورفدوهم جمعااااء!!

٢٧ موظف تم رفدهم وفصلهم من القناة.. فصلا تعسفيا، لأنهم قالوا لن نعمل إلا حينما نحصل على رواتبنا! وحينما طالبوا بمستحقاتهم عن تسع سنوات عمل فى قناة الحياة، كان الرد أنه لا مستحقات لكم!

ياللا اتفضلوا اعملوا اللى إحنا عودناكم عليه.. إخبطوا راسكم فى الحيطة. وإحنا مأمنين نفسنا، ومحاميينا مظبطين الدنيا، وهنقول إنكم أوقفتم العمل، وتسببتم فى أضرار لحقت بالقناة!

إذن، ليس لكم مستحقات ولا بطيخ! ده على أساس إن مكتب العمل فى مصر قلب بقالة؟ وده على أساس إن قانون العمل فى مصر، اللى اتعمل عشان يحمى الموظفين، بيعملوه قراطيس دلوقتى، وبيبيعوا فيه لب وسودانى؟!

أنا اكتب هذا المقال، ولا مصلحة لى، بالعكس، فبالتأكيد سوف أخسر مصلحتى مع قناة الحياة، بعدما تجرأت، وكتبت كلمة حق اقف بها مع زملائى.. سوف أخسر فلوسى اللى فى القناة.. هو أنا ماقلتلكوش؟! مش أنا لسه ماقبضتش آخر ثلاثة شهور ونصف اشتغلتهم فى قناة الحياة!

فلقد تركت قناة الحياة فى شهر ديسمبر ٢٠١٥، وكان لى فى ذمتهم مرتب سبعة شهور، والحمد لله -بعد محايلات- قدرت آخد منهم نصفهم -بالتقسيط المريح- مع إجبارى على إمضاء ورقة بالتخلى عن مستحقاتى عن ثمان سنوات شغل!

إنها نفس المساومة المجحفة.. عاوزة تاخدى مرتبك اللى قعدتى سبعة شهور سايبة بيتك وعيالك وبتظهرى على قناتنا بيه؟ هنديهولك بالقطارة وبنظام الشحاتة.. اتصلى بينا فوق التلتميت مرة، مش هنرد عليكى، ولازم تترازلى، وتييجي تقعدي بالساعات، عشان نفكر نديكي نص شهر.. بس تمضي إن مالكيش ولا مليم تانى!

لا يشغلنى راتبى الآن -اللى اعتقد كده إنه ضاع خلاص بعد المقال ده- بقدر ما يشغلنى ضياع مستقبل من رفدوهم، لمجرد مطالبتهم بحقوقهم.

أنا اتضامن مع زملائى الذين عاشرتهم لسنوات، بل دخلت القناة لأجدهم يتحملون مسؤوليتها بمنتهى التفانى والإخلاص.

عاشرت من كانت بنتا ثم تزوجت وأنجبت أكثر من مرة، وياما ودت عيالها حضانات أشكال وألوان وبفلوس معتبرة، عشان تطلع بالهوا فى قناة الحياة، وياما سابت عيالها عند أمها عشان عندها تغطية بالليل فى قناة الحياة.

عاشرت من عرضوا حياتهم للخطر وقت الثورة حتى تتميز قناة الحياة فى التغطية المستمرة.

عاشرت من اغتربت عن مدينتها البعيدة، وتم طردها من شقتها المؤجرة لتأخرها فى دفع الإيجار بسبب تأخر مرتبها من قناة الحياة.

عاشرت من وصل للخمسينات من عمره فى هذه القناة، والآن هو فى الشارع فى هذه السن.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل