المحتوى الرئيسى

التطرف كنتيجة للزيف | المصري اليوم

06/17 22:49

كان يشرب الخمر، وتقول زوجته إنه كانت له ميول شذوذ جنسى، لكنه عندما بدأ فى عملية قتل أكثر من خمسين فردا من المثليين لم ينس خلال المذبحة الاتصال برقم الطوارئ الأمريكى لكى يعلن ولاءه لـ«داعش».. ليقرأ «قسم الولاء» الخاص بالجماعة على الضابط الذى رد عليه.

فى هذه اللحظه، تحول العمل العبثى الإجرامى إلى آخر بطولى، له معنى أسمى لدى الذهن المتطرف المأزوم. وفى هذا الإطار، ربما يمكن تعريف التطرف، فى نهايته المنطقية المتمثلة فى داعش، بأنه ما يعطى معنى كونيا مقدسا لحياة متأزمة لا معنى لها.. أما الإسلام السياسى عامة فهو ما يسمو بالتسلط الفكرى والسياسى إلى مرتبة العفة والطهارة، فيجعل من مصدر مهم للأخلاقيات (النص الدينى) أداة أساسية لإطلاق عنان العنف الفكرى والفعلى. وهو فى الأساس نتاج مجتمعات أدمنت الانجذاب لمظهر العفة والطهارة، حتى لو كان مزيفا.. والازدواجية النابعة هكذا تصيب حتى من يدعى أنه فى حرب ضد الإرهاب كما سنرى فيما بعد.

سطع نجم داعش حين أعلنت الخلافة على قطعة أرض معتبرة فى العراق والشام، وبذلك كانت مختلفة عن جماعات «تتسعلق» بين بلاد العالم مثل القاعدة.. لكن مع تراجع مشروع الدولة العبثية، سعت الجماعة لعولمة النسخة التى تتبناها من ميثاق الشر المدعم باسم الدين.. فخلال الشهر الماضى مثلا طالب المتحدث باسم المجموعة (ويدعى محمد العدنانى) من يساند الجماعة فى جميع أرجاء العالم بأن يقوم بما يمكن أن يقوم به من عنف خلال الشهر المعظم.. هذه ليست أوامر بالطبع، فالأوامر تعطى لشخص معلوم للمتكلم، لكنه كان ينادى المجهول الذى يجد رنينا معنويا فى النداء.

المجهول قد يكون مثل الزوجين اللذين قاما بمذبحة فى كاليفورنيا فى ديسمبر من العام الماضى ولم ينسيا أن ينشرا قسم الولاء لداعش على صفحتهما فى «فاسبوك» قبل القيام بالمجزرة.. المجهول قد يتجسد فى «التون سيمبسون»، الذى قام بإعلان ولاءه لداعش مباشرة قبل أن يفتح النار على تجمع لعرض رسوم كاريكاتير اعتقد أنها تسىء للرسول. المتلقى المجهول لنداءات داعش قد يكون مثل هؤلاء، يعيش فى مجتمعات ليبرالية ديقراطية لكنه يشعر بالعزلة فيها والابتعاد عن نهجها. فهو فيه بعض الشبه فى هذه الحالة للكثيرين ممن يؤيدون أمثال المرشح الجمهورى دونالد ترامب فى الغرب، لكنه يتبنى العنف بصورة أكثر بكثير منهم، نتيجة نوعية الفكر الذى يجذبه.

لكن إذا كان تلبية نداء داعش مرتبطا بفقدان المعنى فى الحياة، فالأغلبية العظمى ممن لبوا النداء هم من ساكنى عالمنا العربى، المنغمس منذ فترة فى عالم موازٍ، يطغى عليه التسلط عن طريق التزييف، والنصب الفكرى والسياسى المستخدم لصور وشعارات مجوفة من المعنى، وما يصاحب ذلك من سلب لأحلام وتطلعات البشر، حتى تختفى البراءة وسط شبورة من الأكاذيب والمواقف المراوغة.. من رحم هذا العالم ولد أكبر عدد ممن يلبون نداء العنف العبثى المقدس؛ فى سخرية تاريخية مأساوية، يلبون نداء يبدو أنه يعطى لحياتهم معنى لأنهم فقدوا القدرة على التمييز بين ما هو حقيقى وما هو مزيف.. لأن الواقع والمناخ السائد، بما يحتويه من ازدواجية مخيفة، يساعد على ذلك.

لناخذ بعض الأمثلة فى مصر. قبل أن تصبح مهاجمة وقتل رسامى الكاريكاتير من تقاليد المسلمين، ألم تكن الحكومة المصرية، ممثلة فى وزارة خارجيتها وسفارتها فى الدنمارك من أهم من تبنوا حملة التحريض العارمة ضد الرسومات منذ عقد من الزمن؟ ألم تكن هذه الحكومة هى نفسها التى كانت تلوح للعالم بأكمله بأنها حائط الصد الحامى من التطرف؟ وهل تغير الوضع الآن كثيرا؟، حين نقول للعالم أجمع إننا درعه الواقية ضد «الفاشية الدينية»، ثم نسجن الكتاب على أساس نصوص قصصية خيالية وترفض حكومتنا إلغاء قانون مطاط كقانون ازدراء الأديان، دون حتى النظر فى إعادة صياغته (إذا كان مطلوبا الحماية من الفتنة وليس التنكيل بالتفكير الحر)؟ ثم أليس من الغريب أن يقوم نائب رئيس حى فى وسط العاصمة، التى من المفروض أنها انتفضت ضد التسلط الدينى، بمهاجمة المفطرين دون سند قانونى؟ قد قبل الكثيرون كبت الحريات وانغلاق المجال العام لأنهم اعتقدوا أن فى ذلك حماية للحريات الشخصية من طغيان الشمولية الدينية، لكن يبدو أن بعض من لوح بحمايتهم منها كانت لديه أفكار أخرى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل