المحتوى الرئيسى

السيدة العذراء ٢- البشارة بالسيد المسيح | المصري اليوم

06/17 22:49

عاشت السيدة مريم طفولتها فى القدس تتعبّد فى المسجد الأقصى. اهتم النبى زكريا بتربيتها الدينية وتعليمها الشعائر الخاصة بالعبادة حتى إنها صارت من أعلم الناس فى عصرها. ولما بلغت سن التكليف بنى لها زكريا محرابا فى مكان عالٍ من المعبد فى القدس لتقيم فيه، لا يدخله إلا هو. وكان وجود أُنثى فى خدمة المعبد وقتها غير مسموح به، وبذلك كان ما يحدث يعتبر استثنائيا. لما بلغت مريم تسع سنوات بدأت بالصيام نهاراً وإحياء الليل بالعبادة والمناجاة وامتلأ قلبها بالإيمان والتقوى والورع وعُرفت بين الناس بذلك وبما يحصل معها من معجزات خصها الله بها من بينها أنه كان كلما دخل عليها زوج خالتها النبى زكريا المِحْراب وجد عندها رزقا كثيرا وكان إذا ما سألها من أين أتاها أجابت: هو من عند ربى.. وفى كل مرة أقرأ القرآن الكريم أجدنى أفكر: لماذا تأتى الآية الخاصة بالنبى زكريا بعد آية السيدة مريم؟، الآية الخاصة بالسيدة مريم وهى رقم ٣٧ من سورة النساء: «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا. كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا. قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا. قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ».

وبعدها تأتى الآية ٣٨ وهى التالية: «هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ. قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً. إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ». (38). فى كل مرة أقرأ هاتين الآيتين أشعر وكأن الرزق الذى كان يجده زكريا عند مريم كان يقوى اليقين داخله بأن الله سوف يجيب دعاءه.. أى أنه كان يستمد جزءا من يقينه من معجزة السيدة مريم.. وذات مرة بعد أن وجد عندها رزقا طلب من ربه غلاما وهو الرجل المسن وامرأته السيدة العاقر.. طلب معجزة لأن الحمل بحد ذاته معجزة.. فاستجاب الله له ورزقه يحيى.

وليس هناك مستحيل مع رب العالمين، ليس فقط مع الأنبياء والصديقين ولكن أيضا مع كل من امتلأ قلبه باليقين.. اصطفاء آخر خَص به الله السيدة مريم إذ كانت الملائكة تحادثها.. تخيلوا شابة صغيرة لوحدها فى معبد تصلى وتحادث الملائكة.. أى روح عابدة تقية طاهرة شفافة تلك التى تحادثها الملائكة. «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ». كانت تحادثها وتطلب منها الركوع والسجود وكأنها تحضّرها لما ينتظرها.. وكأن الله سبحانه يمرّن روحها الطاهرة على طاعته سبحانه مهما كانت أوامره لها، وكانت الملائكة تريها «يَا مَرْيَمُ اقْنُتِى لِرَبِّكِ وَاسْجُدِى وَارْكَعِى مَعَ الرَّاكِعِينَ».

وتأتى اللحظة الحاسمة.. بعد زيارة الملائكة جاءها جِبْرِيل الملاك على هيئة رجل ليبشرها بالسيد المسيح ولدا لها..

«فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا». فتاة لم يمسسها بشر فى مجتمع شرقى أهم ما فيه سمعة الفتاة، تبلَّغ بأنها ستلد طفلا دون زواج وبمعجزة إلهية.. أى درجة إيمان قوية يجب أن تكون داخلها كى تقبل.؟ خافت ولم تجادل والخوف رد فعل طبيعى للبشر والسيدة مريم أولا وأخيرا بشر.. (سورة مريم، الآية 17) ففزعت منه، «قَالَتْ إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا». أى إنى أعوذ بالله تعالى منك وأستجير به منك أن تنال منى ما حرم الله تعالى.. ولن تؤذينى إن كنت تتقى الله، قالت هذا لأنها كانت تظن أنه رجل من بنى آدم ولم تكن تعلم ما الذى يريده منها.

وكان رد جِبْرِيل واضحا ومباشرا.. أبلغها بأنه سيهبها طفلا بأمر من الله سبحانه تعالى «قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا».

وجاء ردها على شكل سؤال استفسارى منطقى: «قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا».

فأجابها جِبْرِيل إن الله سبحانه قد أمر وبالتالى تحقيقه أمر بسيط «قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا». (سورة مريم، الآيات 18-21).

تخيلوا رد فعل الفتاة. رغم خوفها وفزعها لم تعترض. كانت تعلم أن أمر الله يجب أن ينفذ.. كان الحديث وقتها بين اليهود أن المخلص قادم قريبا وعندما قال لها جِبْرِيل نجعله آية للناس فهمت أن القادم هو المسيح المخلص.. «قالت الملائِكَةُ يا مريمُ إنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ منهُ اسمُهُ المَسِيحُ عِيسى ابنُ مريمَ وَجِيهاً فى الدُّنيا والآخرةِ ومن المُقرَّبِين». عرفت اسمه من بشارة الملائكة.. عيسى ابن مريم وعرفت أنه لن يكون مثل البشر العاديين.. عيسى النبى الوحيد الذى ينسب إلى أمه والذى لم يولد من علاقة بشرية، بل نفخ الله من روحه فيها، ويقول بعض المفسرين إنها تمت عندما خرجت مريم وعليها جلبابها، فأخذ جبريل بكمها، ونفخ فى جيب درعها، فحملت حتى إذا ظهر حملها، استحيت، وهربت حياءً من قومها نحو المشرق عند وادٍ هجره الرعاة. حتى حانت لحظة الولادة..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل