المحتوى الرئيسى

الخواجة لازم يرحل | المصري اليوم

06/17 18:56

«يا عم مارلون براندو ارحم أمى.. هيه ناقصاك إنت كمان!».. هكذا ضبطت نفسى متلبسا بترديد هذه الكلمات في سرى، وأنا جالس أمام هذا الرجل المستفز، الذي كان يعيش الدور على «بؤساء المائدة»، وذكرنى بشخصية «فيتو كورليونى»، الذي أدى دوره «مارلون براندو»، في فيلم «الأب الروحى»، وأنا جالس على مائدة رحمن، في منطقة «السبتية»، بعد أن ظل يرمقنى بنظراته من أسفل نظارته السوداء، ويشير من وقت إلى آخر إلى عمال المائدة بـ«عكازه».

وتخيلت من سلوك «الخواجة» أنه إما صاحب المائدة أو صاحب أطيان وأبعادية في البلد، أو عصافير بطنه «بتنهق من الجوع»، وأراد أن يطيح بى من مكانى، ليحصل على وجبتى الرقيقة، المكونة من «رز وسلاطة وملوخية، كانت «حتة الفرخة» تتراقص فيها، كلما اهتزت «الطرابيزة».

لكن اعتراض «الخواجة»، على حجم قطعة اللحم الصغيرة، وطلبه مزيداً من الأرز، أزال عنى الشك، وجعلنى أدرك تماما أنه ربما (كومبارس) في السينما، وجاى على المائدة بـ«الحتة اللى على الحبل»، لزوم أحد الأدوار السينمائية، وإما ابن عز جار عليه الزمن، وصفعه على قفاه، ونزله من الروف جاردن في «البدروم»، على جدور رقبته، التي كانت تطوقها سلسلة تبدو من الذهب، وتلمع في عينى، وتراودنى عن نفسها، لأبيعها وأشترى بثمنها كتابى «قانون الجنسية، وفلسفة القانون»، وما يتبقى من ثمنها أسدد به «أجرة شهرين متأخر للأوضة».

كل هذه احتمالات راودت خيالى وأنا أنظر في طبقى، على استحياء، لأننى لا أجيد تصويب النظرات الوقحة إلى الآخرين، لكن المؤكد أن رفيقى في الكفاح «أقرع ونزهى».

كان يأمر ويشخط وينظر لعمال المائدة كأنهم أنفار في «وسية أبوه»، ويطلب أكثر من الوجبة المحددة لكل مسكين من سكان المائدة، ولم يحتمل أحد العمال «سلاطة لسان» الرجل، وكنا نطلق عليه اسم «الخواجة»، بسبب «البرنيطة» التي كان يخبئ أسفلها «صلعته»، وعكازه «الأبانوس»، الذي كان يشير به أكثر مما يتكئ عليه، وثار في وجهه، قائلا: «ارحم أبونا يا خواجة، ده اللى عندنا، ولو أكلنا مش عاجبك روح مائدة تانية».

وقعت كلمات العامل كالصاعقة على «الخواجة»، الذي اعتبر أن كرامته تحولت إلى «فوطة» مسح بها العامل المائدة، وما إن هم «الخواجة» بالاعتراض، حتى فوجئ بسيل من الشتائم، من جانب باقى الحضور، الذين طالبوه بالرحيل، حتى تذكرت الجملة السينمائية الشهيرة «الغازية لازم ترحل»، في فيلم «توبة»، فحاولت التدخل للتهدئة بين الجانبين، وحين صرخت قائلا: «ارحموا عزيز قوم ذل»، انكفأ الخواجة باكيا، وهدأت العاصفة، واقتربت من الرجل وقبلت رأسه، وتبارى الآخرون في الاعتذار له، وتقديم ما لذ وطاب من تمر ولحوم، لكن «على سبيل العينات»، فإحساسهم بالذنب لم يصل إلى حد منح الخواجة قطعة لحم «كاملة»، خاصة أنهم كانوا يرونه «ناقص» ومحتاج تربية من جديد، وكان كلما منحه أحدهم شيئا، أشار إليه بعكازه شاكراً، في «عنطزة» تستحى أمامها «عنطزة ستيفان روستى».

وظل الرجل على هذا الحال، يطلب رغيف خبز، فيقدم له من حوله عدة أرغفة، وحين تقع ملعقته على الأرض، «من أثر.. الفجعة اللى هوه فيها»، يتبرع الرفاق بإلقاء ملاعقهم نحوه.

وكانت نفس الخواجة مفتوحة هذا اليوم «ع البحرى»، حتى إن البرنيطة سقطت أكثر من مرة على الأرض بسبب عوامل «الهبر والتقلية»، وكان يرفعها كل مرة من الأرض بعكازه، بسبب انشغاله بـ«اصطياد اللحمة» من الملوخية، بعد أن مزقها إلى قطع صغيرة جدا، تكاد ترى بالعين المجردة، وأسقطها في الطبيخ، ويبدو أن أحدهم كان مازال «الغل» يسكن بداخله، بسبب تصرفات «عم الخواجة»، الذي ما إن طلب برتقالة، «عشان يبلع الأكل»، حتى ألقى إليه برتقالة كاملة، سقطت حيث أراد في طبق الملوخية الكبير، الذي جمع فيه الخواجة معظم طبيخ الرفاق، ووضعه في طبقه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل