المحتوى الرئيسى

كيف وصلنا إلى اللغة العربية المعيارية؟.. الجزء الثاني: المعجم

06/17 15:20

ذكرنا في المقال السابق أن تطور اللغة العربية نحو كونها "لغة معيارية" بدأ بتطوير الكتابة العربية حيث إن "الكتابة" أحد شروط كون لغة ما "لغة معيارية"، إضافة إلى كون تلك اللغة "لغة الدولة الرسمية" التي تُستخدم في معاملاتها ومكاتباتها ومراسلاتها، وهو ما حدث بالفعل حين تحولت دواوين دولة الخلافة الإسلامية إلى اللغة العربية، أو ما عُرف تاريخيا بـ"تعريب الدواوين".

واليوم نستكمل حديثنا بجانب آخر من جوانب تطور اللغة العربية نحو كونها "لغة معيارية"، ألا وهو مرحلة "ضبط المعجم"؛ وذلك لأنه - بجوار "تقعيد القواعد" - شرط أساسي في "ضبط اللغة" وتحديد معيار "الصواب والخطأ" فيها.

بدأت الجهود اللغوية في "ضبط المعجم" مبكرا؛ فمع التوسع السريع لرقعة دولة الإسلام في عهد النبي محمد لتشمل مساحات شاسعة في قلب الجزيرة العربية، وتضم قبائل كانت تتحدث بلهجات/لغات تتباين فيما بينها قليلا أو كثيرا، ولم يكن كل أفراد هذه القبائل يعرفون بالقدر نفسه تلك "اللغة المشتركة (Koiné Language)" التي كانت في طور النمو في المراكز التجارية والثقافية والدينية - كمكة - عشية ظهور الإسلام، والتي سينزل بها كتاب الإسلام المقدس.. القرآن الكريم.

ليس غريبا إذًا أن يسأل بعض "العرب" النبي أحيانا عن معنى كلمة هنا أو هناك. يقول ابن قتيبة (توفي سنة 276 هـ) في كتابه «المسائل والأجوبـة في الحديث والتفسير» (ص 48):«والعرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابـه، لبعضها الفضل في ذلك على بعـض، والدليل عليـه قول الله جل وعز ﴿وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم﴾ [سورة آل عمران: 7]».

والمرويات في هذا الشأن كثيرة، حتى إن بعضهم نسب إلى الصحابي ابن عباس (توفي سنة 68 هـ) مؤلفين - مكتوبين أو مرويين شفاهة - في هذا الباب هما "اللغات في القرآن" و"سؤالات نافع بن الأزرق لابن عباس".

ربما كان السبب في وجود "غريب القرآن" - أي ما يُشكِل معناه حتى على بعض العرب أنفسهم - يعود إلى وجود ألفاظ كثيرة في القرآن من لهجة/لغة قبيلة ليست معروفة لغيرها من القبائل، أو لوجود ألفاظ مألوفة لهم لكن القرآن استخدمها في مجال دلالي حديث عليهم، أو - وهذا ليس بالقليل - وجود ألفاظ دخيلة على العربية من لغات الشعوب المجاورة كالفارسية واليونانية وقبلهما السريانية.

باتساع الدولة الإسلامية في عهد الخلافة لتشمل مناطق لم تكن تتحدث أيا من اللغات العربية صارت الحاجة ملحة أكثر فأكثر لجمع ألفاظ العربية في "معاجم" حفاظا على اللغة من الاندثار والفساد بسبب اختلاطها بغيرها من اللغات في البلاد المفتوحة من ناحية، وحرصا على العناية بها وتقديمها لمن أسلموا حديثا بحيث يستخدمونها بشكل سليم.

وبدأ علماء اللغة العرب في أواخر القرن الأول وأوائل القرن الثاني الهجريين حركة واسعة في التأليف المعجمي بغية جمع ألفاظ العربية وتثبيتها في كتب للحفاظ عليها والرجوع إليها متى دعت الحاجة إلى ذلك. فظهرت في البداية رسائل لغوية صغيرة تُعنى بجمع الألفاظ وشرحها، مع تبويبها أحيانا ودون أي تبويب في أحيان أخرى.

ولعل من أبرز اللغويين العرب الذين ألّفوا في هذا الشأن عبد الملك الأصمعي (عاش بين 121 و216 هـ)، ومن مؤلفاته «الإبل» و«الأخبية والبيوت» و«أسماء الخمر» و«الأنواء» و«خلق الفرس» و«الخيل» و«السلاح» و«الشاء» و«غريب الحديث» و«غريب القرآن» و«المذكر والمؤنث» و«الميسر والقداح» و«النبات والشجر» و«الوحوش»، لكننا أغلبها لم يصلنا للأسف.

وستستمر الجهود غير منظمة حتى يأتي - مرة أخرى - الخليل بن أحمد الفراهيدي (توفي سنة 170 هـ) فيؤلف أول معجم شامل لألفاظ اللغة العربية، ألا وهو «العين»، ورتبه بطريقة طريفة بحسب ترتيب مخارج أصوات اللغة العربية من الداخل نحو الخارج، لذا فهو يبدأ بحرف العين، وهذا هو سبب تسمية المعجم بهذا الاسم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل