المحتوى الرئيسى

لم أعد أحب الكبار يا أمي

06/17 09:06

إنها الواحدة ظهرًا وقد اقترب موعد وصول "شغف" من المدرسة، وقد وصلت توًّا من العمل؛ عليّ إنهاء ترتيب البيت سريعًا وإعداد الطعام قبل مجيئها ووالدها. سأبدأ أولاً بترتيب غرفتها؛ دلفت الغرفة بكل همة ونشاط آملة في أن أفرغ من ترتيبها سريعًا.

انتهيت من كل شيء، لكن استوقفني على طاولتها دفترًا مكتوبًا عليه مذكراتي اليومية، مما أثار فضولاً في داخلي وحيرة، هل أطلع على الدفتر أم أتركه وشأنه وأمضي في ترتيب بقية المنزل؟ ها قد انتصر الفضول وتناولت الدفتر، لأقلب صفحاته بقلب شغوف، وجدت الكثير عن ذكريات "شغف" مع أصدقائها ومواقف وطرائف عديدة بينهم، ثم انتقلت إلى جزء العائلة، وكان أول فصوله "أمي" فرحت كثيرًا أنني أحتل مكانًا في دفتر ابنتي، وثار فضولي أكثر لأعرف ما قد كتبته عني. 

تُرى هل كتبت عن ذكريات الطفولة الأولى معي وعن مدى تعلقنا معًا، أم عن الأيام التي كنا نسهرها تتقافز هي وتعبث وتجري ثم لا تنام إلا في حضني، متحسسة رائحتي وأنفاسي، حتى تنام بعمق ويغشاها الهدوء؟ الكثير من الذكريات الجميلة طافت بقلبي ووجداني، فاشتقت لها أكثر وفاضت عيني لذكريات الأمومة الأولى وأول كلمة "ماما" من فمها الصغير وأول حضن وأول كف صغيرة تحتويني، فلا أرى الدنيا إلا حديقة حب وسلام تبتسم لي أنا حين تبتسم "شغف" فكأن الدنيا كلها ثغر يبتسم وتتفتح الوردات جمالاً وربيعًا.

مسحت أدمع الذكريات الحلوة وقد زاد حبها في قلبي أضعافًا مضاعفة، واسترسلت في قراءة هذه السطور: "أمي لقد تغيرتِ كثيرًا، إنك يومًا لم تحاولي فهمي، أنا أشعر بالوحدة حتى وأنتِ معي. لماذا لا تشاركينني اهتماماتي وتتهميني دائمًا بسوء التصرف والسذاجة؟ لماذا لا تسمحين لي بالخطأ حتى أعرف ما الصواب؟ ترين نفسك دومًا محقة وأنا دائمًا الصغيرة الساذجة التي لا تفقه شيئًا وليس من حقها حتى اختيار طعامها وملابسها، بحجة أنني لم أكبر بعد. أنا أكره الكبار لأنهم يتحكمون في مصائرنا، وقد نسوا أنهم علمونا أن الله وحده بيده أمرنا ومصيرنا. لماذا يا أمي يتأله الكبار بسلطانهم علينا نحن الضعفاء، أكره الكبار يا أمي وأحاديثهم وثرثرتهم الفارغة، إنهم كارهون للحب والحياة وكارهون لنا.. عفوًا أمي لم أعد أحبك، ولم أعد أرى جمالاً في عالمنا هذا الذي يصرخ ويكسر ويهيمن، لا أريد أن أكبر يا أمي، لأن الكبار دائمًا يبكون، دائمًا يشتكون ولا يشعرون بنا، لا أريد أن أكبر يا أمي في هذا العالم البائس الذي يحيل الحب حطامًا ويسخر من البراءة والفطرة ولا يتركها إلا مشوهة فارغة من كل طفولة صادقة وحب. إنكم ميتون يا أمي بأعين مفتوحة فلا تبصرون إلا كل مفقود. نحن نستيقظ كل صباح لنقول لكم صباح الخير والفراشات والسعادة وكل معاني الحب والحياة، حان وقت الغناء والحب، فقد استيقظنا توًّا من النوم، إنه يوم جميل مشرق مليء بالسعادة واللعب ودفء القرب من أمي وأبي، لكن أمي متجهمة وكذلك أبي، إنه صباح الخير لا صباح الهم، يبدو أنهما غاضبان مني ومن الصباح ومن الحياة جميعًا. وأنا أرى كل يوم جديد هو فرصة جميلة للحب والحياة واللعب، لذا فأنا أصحو مغنيًا سعيدًا مبتسمًا لوجوه ما زالت تحت سطوة الليل البهيم. أين البهجة في وجهيكما في كل صباح".

أهم أخبار مرأة

Comments

عاجل