المحتوى الرئيسى

وليد فكري يكتب: لكم دينكم ولي دين (20)

06/17 10:28

قبل أن أستكمل حديثي المؤجل عن قلة أدب بعض “المتدينين”مع الناس، دعوني أحدثكم عن قلة أدبهم مع الله.

ربما يتساءل البعض: وهل يسيء المتدين الأدب مع الله؟ والجواب: أجل.. عندما يزكي نفسه على الله، ويتدخل في شأن حكم الله في الآخرة فيما يخص خلقه، فيقول هذا في الجنة وهذا في النار!

سأقص عليكم قصة: عند وفاة الصحابي المهاجر عثمان بن مظعون -رضي الله عنه- حضر الرسول -عليه الصلاة والسلام- جنازته وصلى عليه ودفنه.. فسمع امرأة عثمان -وكان أخاه في الرضاعة- تقول: “هنيئا لك الجنة”، فاستنكر الرسول قولها، فسألته: “أليس صاحبك وقد آمن بك؟”، فأجاب بأنه لا يضمنها لنفسه!

خاتم الرسل، خير خلق الله، المصطفى، المختار، الشفيع، الذي غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يقول إنه لا يضمن شيئا لنفسه.. كيف وقد وعده الله؟ اقول لكم إن جوابه لم يكن من باب عدم الثقة بوعد الله، وإنما من باب الأدب مع الله.

فأين من نصّبوا من أنفسهم قضاة للآخرة، ليستنوا بتلك السنة الراقية؟ أم لعل سنن اللحية والسواك قد شغلتهم!

منذ أيام انتشر إعلان مستشفى القلب للجراح المصري العظيم دكتور مجدي يعقوب، وبدا الإعجاب به واضحا من الكتابات على الفيسبوك، ولأن الصائدين في الماء العكر، لا يفوتون فرصة كهذه، فقد أطلت علينا بعض الأفكار العفنة التي ما أنزل الله بها من سلطان، تتحسر على أن هذا الرجل قد حبط عمله في الآخرة لأنه غير مسلم، وأنه إنما يبني مجدا دنيويا لكنه سينتهي إلى جهنم لأنها مصير غير المسلمين.

لا أعرف من أية مجارير استقى هؤلاء أفكارهم التي تفترض أن الإله الأعظم، الحكيم، الرحيم، الكريم، يفكر بمثل سطحيتهم هذه، فيضيع أجر من أحسن عملا فقط لأنه غير مسلم؟! وقبل أن يقرر أحدهم أن يردد الإجابة النمطية التي تهلهلت تكرارا “إنما أجور غير المسلمين تكون في الدنيا فقط”، أقول له: “وماذا عمن أحسن منهم عملا، ولم ير في دنياه غير البؤس؟ ما تفسيرك لذلك مع العلم بأن الله لا يظلم؟ إخرس ولا تكن كالببغاء إذن.. فض الله فوك!”

مجرد أن نتعامل على أساس أننا شعب الله المختار -كما يفعل كل متعصب من كل دين- هي إساءة للأدب مع الله.. نحن بنو آدم.. مسلمون مسيحيون يهود هندوس بهائيون لادينيون.. إلخ.. بيننا اختلافات دينية.. وبين أهل كل دين اختلافات مذهبية.. وداخل كل مذهب اختلافاته، ولهذا وجد علم الأديان المقارنة، ولكن بالنسبة للجانب الأخروي فهذا شأن الله تعالى، ليس من حق أحد أن يعتدي على اختصاصه عز وجل، فيقول هذا في الجنة وهذا في النار.

وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بشر أشخاصا بعينهم بالجنة وأنذر آخرين بعينهم بالنار، فهذا مما يندرج تحت بند “لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى”.. فعل يمكن لأي منا أن يدعى أن كلامه يدخل تحت هذا التصنيف؟

إذن.. فكيف يمكن لأي منا أن يؤتى الجرأة الكافية لأن يقول هذا في الجنة وهذا في النار؟ أيتلقون وحيا إلهيا، أم أن لهم سلطانا على الآخرة؟

إضافة لذلك، هل حقا يفكر هؤلاء القوم بهذه السذاجة، فيفترضون أن كل ما يحتاجه المرء ليدخل الجنة هو أن يقول “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، فيقال له ادخل الجنة، ولو كان لم يترك جرما إلا ارتكبه، بينما يساق غير المسلمين إلى جهنم، ولو كان منهم الفاعلون للخير والحاكمون بالعدل والذين أفادوا البشرية؟ هل حقا يجرؤ إنسان على افتراض أن هذه الفكرة الساذجة هي من محتوى دين يفترض المؤمن به أنه خير أديان الأرض؟!

هل تعلمون أية مصيبة هذه أن يأمن شخص العقاب الأخروي فقط لأنه هو؟

اذكر أنني منذ سنوات طويلة واجهت صديقا بأمر ما مشين كان قد فعله وسألته “ألا تخشى الله؟”، فأجاب باستهتار “يا صديقي نحن مسلمون وسيدنا محمد سيشفع لنا، وهذا يعني أننا سندخل الجنة إن عاجلا أو آجلا.. فما المشكلة؟”

هكذا! بهذه البساطة استهتر بجرم ارتكبه، فقط لأن هناك حمارا جر، قرر أن يعلم الناس دينهم بطريقة “بارانويدية” تقوم على قاعدة “نحن بخير ومن سوانا ليسوا كذلك”.

بالتالي، فمن الطبيعي أنه بينما يكرم العالم رجلا بقامة دكتور مجدي يعقوب، يكون في ركن ما شاب مسلم لا يفعل شيئا بحياته ولا طموح له ولا هدف وليس لوجوده فائدة، يعبث بأصابع قدميه وهو يشاهد التكريم ويقول بازدراء “وماذا بعد؟ سيدخل النار في النهاية، بينما سأدخل أنا الجنة لأمرح مع الحور العين”!

وأكثر هؤلاء الوقحون أدبا يقول: “الله أعلم لعله قد أسلم ويكتم إسلامه”! آه.. إذن أنت كل مشكلتك تكمن في فكرة تعميم الحكم بجهنم على غير المسلمين، بينما يمكن أن يكون بينهم من يكتمون إسلامهم.. أكثر الله خيرك وأقل من أمثالك!

الجنة والنار حكمان إلهيان.. للإله وحده حق أن يقرر من ينجو ومن لا ينجو.. وإذا كنت لا تجرء على التدخل في اختصاص قاض من قضاة الأرض، فالأولى ألا تتدخل في اختصاص قاضي السماء.

– الوقت والجهد اللذان تبذلهما في مناقشة من في الجنة ومن في النار، أحرى بك أن تنفقه فيما يقربك أنت من أن تكون من أصحاب الجنة.. ليس بيننا من يضمن آخرته ليقرر ضمانها من عدمه لغيره!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل