المحتوى الرئيسى

جامعو تراث الشيخ: صوت مصطفى إسماعيل ''فتحٌ من السماء''

06/16 22:27

كتب- أحمد الليثي ودعاء الفولي:

في صباح كل جمعة من أربعينيات القرن الماضي كان الضابط مصطفى كامل يصطحب صغيره أحمد صوب الجامع الأزهر للصلاة، لم يكن يتعدى الصبي عمر التاسعة حينها، وعقب كل جمعة ينصت "أحمد" للصوت الشجي ويسأل والده المتيم عن اسم السورة فتأتي الإجابة "الكهف". تكرر الأمر نحو 15 مرة، والسؤال لم يتبدل والإجابة كذلك، غير أن حيرة لازمت الطفل وراح يحدث نفسه: "كيف تكون السورة واحدة.. وصوت الشيخ يتحول في عظمة كأنه يقرأ آيات مختلفة".

بدأت علاقة الطفل بالشيخ مصطفىef="/tags/44819-%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89-%D8%A5%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D9%84">مصطفى إسماعيل في التاسعة، ولم تنته حتى بعد رحيل القارئ الكبير، صار درويشا في حب أستاذ دولة التلاوة، يسجل له حفلاته، يسافر خلفه في كل محافظة، يجمع تراثه، يكتظ بيته بنحو 2000 تسجيل للشيخ، ولا تفارقه الأشرطة والأسطوانات طالما أن الصوت الصادر منها لمعشوقه، بل ويعلم أجيال لم تشهد إبداعاته كيف يسيرون على هدي الشيخ الأسطورة، كما يصفه "عندي آية: وقضى ألا تعبدوا إلا إياه، 181 مرة في كل مرة بشكل غير التاني.. ده صوته كان فتح من السماء مش واحد طبيعي زينا".

الشيخ مصطفى اسماعيل-ولما ورد ماء مدين - مقام الجهاركة.. اضغط هنا

"أهم من سجل للشيخ مصطفى كان الراحل إبراهيم قاسم" يبدأ بها علاء حسني حفيد القارئ الكبير من ابنته إنجي، وواحد من جامعي تراث الشيخ، موضحا أن هناك آلاف جمعت التراث، ولكن هناك 6 أسماء هي الأثاث في التسجيلات الأصلية؛ الأستاذ إبراهيم قاسم من عابدين وكان لديه نحو 300 تسجيل نادر سجلها على مدار 17 سنة ولا يزال ابن أخته محتفظا بنفس الهواية حتى الآن، وكذلك كان لحسين بك حلمي أحد رجال الخاصة الملكية دور بارز فهو من سجل للشيخ في سنواته الأولى بالقاهرة من سنة 1945 حتى بداية الخمسينيات، علاوة على عبد المنعم بك سعيد من أشهر تجار الحديد ببولاق.

ويشير حفيد الشيخ إلى أن الأمر لم يقتصر على القاهرة فقط "كان فيه الحاج إبراهيم الكحكي والحاج سعد من محرم بك في إسكندرية، ومريدين ياما في الصعيد جمعنا منهم كل اللي قدرنا عليه"، فيما كان أول من سجل للشيخ من داخل أسرته هو البكباشي محمد حسني طاهر زوج ابنته ووالد علاء.

"أول مرة قابلته كنت لسه عيل، خدني على رجله وقاللي تحب تسمع قرآن، قلت له: أحب أسمعك أنت بس عشان بنسجم" يحكي الأستاذ أحمد مصطفى كامل، عن تفاصيل اللقاء الأول وجها لوجه بالشيخ مصطفى إسماعيل، مشيرا إلى تلك الصلة القوية التي جمعته بوالده، كأبرز مريدي الشيخ.

لا يزال الرجل السبعيني محتفظا بتسجيل إذاعي نادر يعود إلى الخمسينات للشيخ مصطفى إسماعيل وهو يقول إن لديه أصدقاء يثق فيهم ويعتد برأيهم دوما، ومن بينهم الأستاذ "السميّع" مصطفى كامل "أبويا كان بيحب الموسيقى وجدي قاله لو شفتك بتغني هقطع رقبتك.. فكانت كل غيته يسمع الشيخ مصطفى".

في عمر السادسة عشر قرر الصبي أن يدخر كل مصروفه لشراء "ريكوردر" وبدأ رحلة الانضمام لحفلاته "مفيش حتة يروحها غير وأنا وراه.. كان هبة من ربنا، معجزة، الفنانين أما كانوا يحتاروا في مقام يروحوا للشيخ مصطفى، رغم إنه متعلمش في حتة. كان عامل زي واحد مدرسش طب وبيداوي الناس".

لم يكتف حفيد الشيخ بجمع تراث جده وفقط، بل يسعى أن يستمر صوت القارئ رطبا بذكر القرآن حتى أبد الأبدين، فيقوم بخطوات توثيقية للتسجيلات؛ بدأها بنقلها على معدات حديثة، ثم ينقي الصوت من آية شوائب بحكم الزمن، ويتجه بها لمركز البحوث الإسلامية المسئولة عن مراجعة المصاحف والقرآن المسجل، يعرض بعدها على اثنين من المختصين لكتابة تقرير، ومن ثم توافق لجنة -من 10 أعضاء برئاسة شيخ عموم المقارئ- بتمرير التسجيل "قررت أوديها لشركة صوت القاهرة عشان تبع جهة رسمية ونضمن أن صوت الشيخ يعيش لأجيال معرفتهوش ويفضل لكتاب الله جلاله". 

كان الشيخ يستمد إلهامه من المحيطين به، يتجلى صوته مع كل آهة يصدرها معجب، يقول في تسجيل نادر "في الدور الواحد -3 ساعات- بقرا بياتي ساعة وبنوع بعد كدة والطرب وجلال معاني القرآن بيحضروا مع اندماج الناس، وكان السميعة بتوعي فنانين"، يقول "كامل" إن الشيخ مصطفى كان يعيش على موهبة فطرية، فهو ليس مصطنعا أو حافظا لبعض الحركات "إبداعه بيحركه غصب عنه".

في إحدى المرات أخذت الجلالة الشيخ وظل صوته يجلجل دون انقطاع، ينتقل من جواب لآخر ولا يتأثر نفسه، بلغت الذروة وهو يقول "يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني"، فجن جنون الناس، فاقترب منه "أحمد" وهو يردد "تاني يا عم الشيخ"، فهز رأسه رافضا، استغرب الشاب، وبعد انتهاء التلاوة قال له القارئ الكبير "أنت اتجننت يا ابني.. اللي أنا قلت ده مينفعش يتقال تاني، ده ولا مية زي مصطفى إسماعيل يعملوها.. دي نفحات ومبتتكررش".

الشيخ يقرأ في اواخر حياته من مسجد الحسين فيديو ملون

يحفظ أحمد مصطفى قراءات الشيخ كما اسمه والتي نقلها من الأستاذ إبراهيم قاسم وعدد من السميعة في المحافظات برفقة عاطف الابن الكبير للشيخ مصطفى، يمسك كتاب الله فيردد كم مرة قرأ "ق"، وما أفضل تسجيل لها، وما القصة النادرة التي لازمت تلاوة "مريم"، وحكاية انقطاع الكهرباء في مسجد السلطان أبو العلا يوم 25 يناير 1972، وهو المسئول حينها في شركة الكهرباء "كان السادات بيحتفل بعيد الشرطة في نفس اليوم ومينفعش يكون في ضغط على المحولات.. كان في أمم بتسمع الشيخ وفضله مستنينه عشان يتسلطنوا".

وآيات إبداع الشيخ كثير، يذكر منها علاء حفيده من ابنته إنجي، أن معظم التسجيلات التي جمعها يأتي في آخرها طلب السميعة بقراءة سورة الحاقة لصعوبتها "عندي حوالي 1000 تسجيل بيقول فيها الحاقة كل مرة غير التانية.. عمره ما كرر نفسه".

الشيخ مصطفى اسماعيل - سورة الحاقة بـ40 مقام مختلف.. اضغط هنا

يحكي "كامل" عن طلبه من "إسماعيل" بقراءة سورة "النمل" لعدم توافرها في التسجيلات إلا نادرا، فاعترض الشيخ ولم يجب رغبته، فكانت المرة الوحيدة التي يترك فيها الشاب سرادق لقارئه المفضل، يومها أخبر الحضور الشيخ بالواقعة فما كان من القارئ الكبير إلا أن اتصل بمنزل متابعه "كان دايما يقول القراية دي مزاج.. مينفعش تدوس على زرار وتقولي نفذ".

مرة وحيدة سمع فيها الشيخ مصطفى صوت "أحمد كامل"، كان ذلك في عزاء الأستاذ زهدي واحد من أقرب المتابعين لمصطفى إسماعيل، تزامنت ذكرى الأربعين مع تأبين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان مريدو الشيخ يظنون أنه لن يأتي بحكم تضارب المواعيد "يومها قالهم عيب يا جماعة هو زهدي قليل.. طبعا لازم أقرا له في بيته"، لكن الشيخ حضر متأخرا، لذا طلب الأستاذ مصطفى كامل من ولده أن يتلو بعض آيات الذكر الحكيم "يومها قريت قصار السور، ودخل علينا وأنا بقول (والشمس وضحاها) فقال لأبويا خلي بالك من الواد ده، كان عندي ساعتها 22 سنة".

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل