المحتوى الرئيسى

وائل اسكندر يكتب: عن دفن الحقائق وإحياء التبريرات

06/16 10:32

حينما يتحول المدافع عن سيدة المنيا، إلى من يعريها!

فقدت الكلمات معناها، وفقدت القيّم قيمتها، واصبحنا في بلد تتغير القيم فيها حسب القائم بالأفعال. فمِن الممكن أن تتحول جريمة واضحة إلى عمل وطني عظيم، تسترسِل في مدحه جموع من المواطنين. ومِن الممكن تحويل كلمة الحق إلى خيانة يُلقى  بسببها العديد من الأبرياء في السجون بمباركة الكثيرين. وينخرط الواقع مع الخيال والحقائق مع الأكاذيب حتى نصل لمرحلة متأخرة من الوعي نقول فيها: ما من شيٍء واضح في هذه البلاد كي نعرف الحق ونقف معه.

ولكن الحقيقة واضحة وضوح الشمس في أغلب الأحيان، والمثال الأكثر وضوحًا، هو تعرية سعاد ثابت، سيدة المنيا. فقد تم تعريتها من قبل ما يقرب من ثلاثمائة شخص.. عروها وفي ضميرهم مبرراتهم، والدليل عددهم الكبير في هذا الفعل الجماعي، ثم استعروا مما فعلوا، بدليل إنكارهم لذلك الفِعل! وقامت أعداد كبيرة من الأقباط وغير الأقباط بمساندة الأنبا مكاريوس في مطالبته للعدالة بعيدا عن التصالح العرفي الذي يظلم المجني عليه في أغلب الأحيان.

في هذه اللحظة، أدرك الكثيرون أهمية العدل ومجرى القانون، حينما غاروا على سيدة تمت تعريتها، ولكن في نفس الوقت، وفي مواقف مشابهة، نرى رئيسا للجمهورية مباركا لأحداث عنف وقتل وإفلات من القانون والعدالة، تسانده جموع كبيرة بتبريرات واهية، يعلمون أن لا أساس لها من الصِحة.

وفي بعض الأحيان، دون دراية، يتحول من دافع عن سعاد ثابت إلى واحد من الثلاثمائة الذين عروها!

تقبل بعض المصريين التعذيب والقتل والإفلات من القانون لكل من ارتدى زيا (ميري)، ووصل بنا الحال إلى التفريط في أراضي مصرية دون نزاع أو حتى مفاوضات، ودون استفتاء – بمخالفة الدستور- ورقص بعض المصريين بالأعلام السعودية والبيادة على رؤوسهم، وبارك كل من كان يطنطن بالوطنية بيع الأرض، وتم القبض على الكثير مِن المدافعين عن حق مصر، فقط لقولهم أن أراضي مصر مصرية، لنكتشف أن الوطنية المزعومة من فرقة “تحيا مصر” كانت فُقاعة خاوية، استخدمها النظام للظلم ولتأسيس الاستبداد.

والمضحك في الأمر أن الاستبداد لا يرحم من ساعد في تأسيسيه، فالسياسات الاقتصادية الاستبدادية تلاحق المواطنين عن طريق غلاء الأسعار وصعوبة فرص الحياة الكريمة.

ويستمتع الكثير من المواطنين بمشاهدة النار وهي تحرق آخرين، وكأنها لعبة أو نكتة، ولكن تتصاعد صرخاتهم حينما يشتم جسدهم رائحتها.

ما من فائدة الآن من إلقاء اللوم على ضحايا ساعدوا في تأسيس الاستبداد، فما كان من فائدة من تحذيرهم في السابق.. فهم لا يصغون سوى لخبراتهم والبروباجندا المستمرة من التلفزيون المّوجّهة في الأساس لتضليلهم، ولذلك فإنهم يستفيقون بعد فترة من أكاذيب البروباجندا، فقط حينما تقترب الحقيقة من بيوتهم هم شخصيا.

يتعامل الناس مع الواقع عن طريق الإنكار المستمر، يتساءلون: هل حقا نعيش في هذا الكابوس الذي حذرنا منه معارضو النظام؟ فيخلقون واقعا بديلا يبررون به كل هذه الجرائم وعدم القدرة على الإدارة والفشل في كل المجالات تقريبا.

هناك واقع موازي فيه علاج الكفتة هفوة، وليس فشلا عظيما.. هناك واقع موازي يبرِر القتل والتعذيب والسجن: “أكيد عملوا حاجة غلط”.

هناك واقع موازي  فيه التدهور الاقتصادي كبوة صغيرة ننطلق من بعدها، وليس فشلا مستمرا في سياسات تحمي الفاسد وتطارد من يكشف الفساد.

هناك واقع موازي يحاكم فيه المستشار هشام جنينة الذي فقد منصبه، ليس لأنه كشف الفساد، ولكن لأنه هدد استقرار مصر.

هذا الواقع الموازي يعيش فيه الكثيرون.

ومع الإنكار، لا بُد من إيجاد تبريرات، كي ينعم المواطن بنوم هادئ في عالمه الموازي.. لا بُد من مبررات مشابهة لمبررات الثلاثمائة الذين عروا سيدة المنيا.  ومع التبريرات، لا مفّر من تناسي الحقائق.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل