المحتوى الرئيسى

بيلدربيرغ.. حكومة العالم الخفية

06/15 13:29

انعقد اللقاء الثالث والستون لمنظمة بيلدربيرغ، التي توصف بحكومة العالم الخفية، بمشاركة 140 شخصية من 22 بلدا، في الفترة 11-14 يونيو/حزيران 2015 في منطقة تيلفس النمساوية.

وحسب الصحف الرسمية فقد كانت العناوين الرئيسية التي بحثها المؤتمر هي: الذكاء الاصطناعي، الأمن الشبكي، مخاطر الأسلحة الكيميائية، القضايا الاقتصادية الراهنة، الإستراتيجية الأوروبية، العولمة، اليونان، إيران، الشرق الأوسط، حلف شمال الأطلسي، روسيا.

هذه عناوين قضايا مطروحة علنا في منتديات عالمية أخرى معروفة، فلم السرية المطلقة التي تحاط بها في "بيلدربيرغ"؟ ولم حظر أي وجود إعلامي، وعدم نشر حصيلة ختامية أو توصيات أو ما شابه ذلك مما يستهدف كسب التأييد عادة؟ وكيف يمكن التوفيق بين "السرية" وبين نفقات الإجراءات الأمنية الضخمة على حساب دافعي الضرائب في البلد المضيف، كما أظهر سؤال نيابي في فيينا (يوم 8/6/2015) احتجاجا على تلك النفقات؟

هذه الصورة "الرسمية" عن نشأة المنظمة اهتزت مع غياب ما يؤكد الحفاظ على الدوافع الأولى لصاحب المبادرة، وتضاعفت الشكوك بسبب سرية تعاطي المنظمة مع صناعة القرار عالميا. وفي المقابل يصعب الجزم بشأن التكهنات حولها، إذ تعتمد على مؤشرات عامة، ولا توجد دراسات موضوعية قاطعة.

من المؤشرات في اتجاه "حكومة خفية":

1- المشاركة من جانب كبار المسؤولين حاليا أو سابقا، من مؤسسات مالية كبرى وشركات عالمية ومنظمات دولية، مثل دويتشه بنك (آشلايتنر) والمصرف المالي العالمي (فولفنزون) واتحاد شركات إيرباص (إندرس) والاتحاد الأوروبي (باروسو) وشركات لاتسارد (كينيث) ومايكروسوفت (موندي) ومنتدى دافوس (شفاب)، ومن قادة حلف شمال الأطلسي (كلاس وكارينغتون).. وغيرهم.

2- لا ريب في تأثير "التوجه السياسي" على تكوين الأجهزة، فعند النظر مثلا في من ينتسب إلى تركيا -وهي عضو في الحلف- لا نجد أحدا ممن تصدروا المشهد السياسي والاقتصادي من حزب العدالة والتنمية عبر السلطة المنتخبة، ولكن نجد شخصيات من حزب الشعب الجمهوري ومن قطاعات إعلامية وجامعية أقرب إليه (سيلين سايك بوكي، وزولي أوزال، وموراي ميرت وغيرهم).

3- غموض كيفية اختيار المسؤولين، وكيفية إدارة الشؤون المالية والتنظيمية، وكيفية توزيع الصلاحيات والمهام.

4- غياب المتابعة الإعلامية، فبعض الحضور من كبار أصحاب المال في القطاع الإعلامي، يتعهدون بالحفاظ على السرية، ولم يخرقوا تعهداتهم عبر عدة عقود، وحتى جدول أعمال المؤتمر ‎لا يعلن للإعلام إلا بعد انتهائه، في شكل عناوين دون تفصيل، ولا يتلقى المشاركون في مؤتمرات سابقة (كما ذكر الأمين العام الأسبق للأطلسي كلاس في مقابلة إذاعية) سوى تقرير عن محتويات النقاش دون أسماء، علاوة على نص تفسيري منذ عام 1963.

5- غياب "دستور" أو "نظام داخلي" معلن.. إنما تظهر الهيكلية التنظيمية في أربعة مستويات:

(1) الرئاسة (حاليا الناطق باسم اتحاد شركات آكسا الفرنسية ووزير المالية الأسبق هنري دي كاستريس)، وتعمل مع الرئاسة سكرتارية ضخمة نصف أفرادها من المتفرغين.

(2) "اللجنة الاستشارية"، أبرز من فيها عضو الشرف "ديفد روكيفلر" أشهر أصحاب النفوذ المالي والمصرفي عالميا، وعضو الشرف وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسينجر، ويتولى على الأرجح تحديد قائمة المشاركين في كل مؤتمر دوري على حدة، وتوجه الدعوة رسميا باسم رئيس المنظمة وعضوي الشرف.

(3) "اللجنة التوجيهية"، وتشمل الرئاسة واللجنة الاستشارية وأعضاء آخرين، وتتولى إدارة المنظمة ولقاءاتها، وتعتبر هي "السلطة العليا" حسبما ورد في نشرة أرسلتها سكرتارية المنظمة إلى الكاتب ماركوس كلوكنر، صاحب كتاب "نخب السيطرة وحلقات النخب" الصادر عام 2007.

(4)-الأعضاء الآخرون.. وهؤلاء لا تذكر أسماؤهم ولا عددهم، والأرجح أنه يتراوح بين المئات والآلاف.

يمكن العودة بوصم المنظمة أنها حكومة العالم الخفية إلى ما أصبح معروفا عن مؤتمرها الأول، وشمل تحديد الموقف من "الاتحاد السوفياتي والشيوعية"، ومستقبل "المستعمرات الأوروبية"، وحركة "الاندماج الأوروبي"، ومناقشة تشكيل "مجموعة الدفاع الأوروبية" (منظمة عسكرية فقدت مفعولها لاحقا في ظل حلف شمال الأطلسي).

أما الأسلوب فيمكن استقراؤه عبر ما طرحه ريتينجر نفسه من "شروط المشاركة": أن يكون المدعو من "الشخصيات ذات النفوذ، التي تحظى بالاحترام عموما، ولديها ما يكفي من المعرفة بالمجتمعات ومن الخبرة العملية، والقادرة على استخدام نفوذها في الدوائر الوطنية والعالمية لتحقيق أهداف المنظمة"، بالإضافة إلى "مستوى عال من الصراحة وعدم تمثيل اقتناعات وطنية أو أحكام مسبقة، والمشاركة في تبني القيم الأخلاقية والثقافية الغربية".

ومن المؤشرات الأقوى دلالة على هذا الصعيد، ما ذكره العضو السابق في اللجنة التوجيهية، جورج ماك جي، لمؤلف كتاب عن سيرة حياة الأمير بيرنهارد: "بإمكاني القول إن معاهدة روما التي أدت إلى تأسيس الرابطة الأوروبية المشتركة، ولدت في هذه المؤتمرات".. وهي الرابطة التي أصبحت معروفة في هذه الأثناء باسم الاتحاد الأوروبي.

ومن المؤشرات أيضا أن المشاركين في المؤتمر يتلقون في ختامه "تحليلا لمحتواه"، مع التأكيد أن عليهم العمل لتحقيق ما فيه من إستراتيجيات سياسية واقتصادية وغيرها، في مواطنهم.. وليس هذا أمرا بسيطا بمعيار "وزن" المشاركين وقدراتهم. ومثال على ذلك رؤساء المنظمة، وكانوا على التوالي: الأمير بيرنهارد الهولندي، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق دوغلاس هيوم، والرئيس الألماني الأسبق فالتر شيل، ورئيس مصرف ووربورغ البارون إيريك رول، والأمين العام الأسبق للحلف بيتر كارينغتون، وأحد أبرز رجال السياسة والمال في بلجيكا إيتيينه ديفجنون.

على هذه الخلفية يرفض المحرر الإعلامي ماركوس كينابيل -وهو من مؤسسي "الإعلام البديل"- غياب التوجيه السياسي في نشأة منظمة بيلدربيرغ، ويستشهد بقول الرئيس الأميركي الأسبق روزفلت "لا توجد مصادفة من وراء حدث سياسي، فعندما يقع يمكن الجزم بأنه وقع هكذا وفق ما خطط له".

ويربط كينابل -ككثير من الناقدين سواه- بين مشاركة شخصيات بعينها في مؤتمرات بيلدربيرغ للمرة الأولى غالبا، واستلامها مناصب حساسة بعد ذلك بفترة وجيزة كالرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي فان رومبوي عام 2009، ورئاسة تسوليك للمصرف المالي العالمي عام 2007، وكذلك كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي باروسو وتريخيه وبرودي.. ويمكن تعداد المزيد ممن استلموا مناصب عليا عسكرية وسياسية ومالية بعد فترات وجيزة من حضور مؤتمرات بيلدربيرغ للمرة الأولى.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل