المحتوى الرئيسى

"الله أكبر" وأسرار معجزة العاشر من رمضان

06/14 14:32

الإصرار على الصوم كان هدفاً مشتركاً للجنود

لم تسجل الحرب تمثيلاً بجثث العدو كما يحدث في حروب العالم

الزكاة والصدقات وبناء دور العبادة أبرز آثار نكسة 67 الاجتماعية

“في الساعة الثانية ظهراً بدأت المفاجأة بالهجوم على العدو وعبر الجيش المصري وهو يردد “الله كبر”، وانطلقت الطاقات العظمى للإرادة المصرية التي كانت نتيجة التخطيط النفسي في إطار من ثقافة دينية غلابة”.

هذا يؤكد كتاب “الندوة الاستراتيجية لحرب أكتوبر” الصادر عن هيئة الكتاب، فقد ردد الجنود “الله أكبر” كصرخات مدوية تفتت فى العدو الصهيونى وتقل من عزيمته وجبروته، كان الجنود ينطلقون كالصاعقة والطوفان الذى لا يقدر أحد على إيقافه.

وتحل غدا ذكرى حرب العزة والكرامة “العاشر من رمضان” والتى انتصر بها الجيش المصرى على الجيش الصهيونى، واستطاع أن يعيد لمصر فرحتها وكرامتها من جديد، وأن يحول مرارة كأس هزيمة 67 إلى ملحمة انتصارية خالدة، نتوقف عند الجوانب النفسية في هذه الحرب التي اختير التوقيت المناسب لها، وكان رمضان هو الوقت الملائم نفسيًّا وروحيًّا؛ لما يمد به الجنود من نفحات، وما يعطيهم من شحنة روحية، وكان أكتوبر مناسبًا، من حيث المناخ، وليس فيه حرارة الصيف، ولا برد الشتاء.

قد روى الحاج بشير، أحد ضباط الاحتياط بحرب أكتوبر 1973، تفاصيل يوم العاشر من رمضان وانتصار جنودنا البواسل في الحرب، حيث أكد أن أوامر وردت للضباط للإفطار، ولكنهم أصروا على الصيام واستكمال اليوم.

وأضاف: “إن الجنود لم يشعروا بالجوع ولم يهتموا أيضًا بنوعية الطعام المقدم لهم، فالعسكري كان يقسم الرغيف مع زميله وقت الإفطار، والأكل كان عبارة عن وجبات جافة، وكان العرب يأتون باللبن ويوزعوه على الجنود حتى لا يشعروا بالجوع”.

وقال اللواء طلعت مسلم، قائد ” اللواء18” مشاة ميكانيكا: كنا نصوم رغم فتوى الأزهر الشريف التى كانت تصدر كل عام طوال حرب الإستنزاف، بإباحة الإفطار أثناء القتال، إستنادا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، حين أمر رجاله بالإفطار وأفطر هو فى إحدى المعارك.

وأضاف: كان كل ضابط وجندى يحمل معه تعيين جاف، وهى وجبات نسميها” تعيين طوارئ”، بكميات تكفيه لعدة أيام، عبارة عن علب عدس أو فول، يتناولها وقت الإفطار، وكان زملاءنا الأقباط يحمون ظهورنا فى وقت الإفطار والصلاة، وإستمر بنا الحال هكذا طوال سنوات حرب الإستنزاف وحتى إنتصارات أكتوبر المجيدة.

يبرز الكتاب أن الجمعية الدولية لعلماء النفس عقدت اجتماعها السنوى لعام 1975 فى تل أبيب، فى الفترة من 6 إلى 10 يناير، وكان الموضوع الرئيسى لهذا الاجتماع هو “الضغوط النفسية، والتوافق النفسى فى الحرب والسلام”، وكان من بين المتحدثين الرئيسيين فى هذا المؤتمر عالم النفس الاجتماعى الشهير ريتشارد لازاروس الذي قال: لقد أدت حرب يوم الكيبور بنتائجها غير الحاسمة، وخسائرها الكبيرة إلى تغير التقييمات الإسرائيلية السابقة تغيراً جذرياً، وقد حدد لى بعض أصدقائى وزملائى الإسرائيليين عدداً من المسلمات والافتراضات الشائعة التى انهارت نتيجة لهذه الخبرة، ومنها على سبيل المثال: إن العرب لن يتّحدوا أبداً ضد إسرائيل، إنهم لن يحاربوا بشجاعة أبداً، إن قوات الدفاع الإسرائيلية على درجة عالية من الكفاءة، وأن المخابرات الإسرائيلية تضمن انتصاراً دائماً بأقل قدر من الخسائر، إن لدى قيادة الدولة من الحكمة والخبرة ما يسمح بترك كل شىء لتصرفها، إن الرأى العالمى سوف يبقى مؤيداً لإسرائيل، إن الوقت فى صالحنا.

ويستشهد لازاروس بما نشرته إحدى الصحف الإسرائيلية بعد مضى عام على الحرب حيث قالت: ثمة شىء ما قد تحطم فى حرب يوم الكيبور فى العالم الماضى، لقد أنقذت الدولة حقاً، ولكن إيماننا قد تداعى، ويقيننا قد تحطم، وقلوبنا قد تمزقت حتى الأعماق، وفقدنا ما يقرب من جيل كامل، ويشير لازاروس إلى ما لاحظه من انتشار اللامبالاة لدى العديد من الإسرائيليين، يقول لازاروس بوضوح لقد كانت حرب يوم الكيبور كارثة سيكولوجية، بمعنى أنها قد هددت أو دمرت عقيدة الإسرائيليين، ولسنا نعرف على وجه اليقين ما الذى حل أو سوف يحل محلها، والخطر الأعظم هو أنها يمكن أن تستبدل بتعاظم الإحساس بالتهديد وانعدام الحياة.

“كانت الصورة التي قدمها الإعلام العالمي عن المقاتل العربي عقب حرب 67 هي صورة مليئة بالسلبيات، وتعطي انطباعًا باستحالة المواجهة العسكرية، ولكن جاءت حرب أكتوبر 1973 لتثبت وجود المقاتل العربي وقدراته”، “لقد حقق العرب نصرًا نفسيًا ستكون له أثاره النفسية” هكذا أكدت الصحف العالمية بعد انتصار أكتوبر.

على الجانب المقابل كانت المعنويات في مصر في أوجها، فقد أعادت الحرب الثقة إلى النفوس بعد استرداد الكرامة، ففي مبحث “الآثار النفسية لحرب أكتوبر” الذي يضمه الكتاب، يرى د.عبدالسلام عبدالغفار وزير التعليم الأسبق أن المجتمعات تواجه في تاريخها عديد من المواقف البعض منها انتصارات والآخر هزائم، وقد واجهت مصر في تاريخها الطويل عديد من المواقف، وكانت تخرج دائماً من هزائمها مرفوعة الرأس منتصرة، ولم تستلم قط لهزيمة أو نكسة.

ويستعرض عبدالغفار بعض الآثار النفسية لحرب أكتوبر، منها أن المصريين لا يفرطون في أرضهم مهما كانت الظروف، نحن قوم لا نعتدي ولا نحب العدوان ولا نقبل أن يعتدي علينا آخرون، ولا نستسلم أبداً.

أصبحنا أكثر واقعية مما كنا عليه ، لقد تعلم المصريون عندما نجحوا في التخطيط لحرب أكتوبر 1973 أن التخطيط هو سبيل النجاح، وأن العلم ركيزة أساسية للتقدم.

لقد كشف نصر أكتوبر عن المعدن الأصيل للجندي المصري وعن قدراته القتالية وكفاءته الميدانية، كذلك تبني مصر للسلام خيار استراتيجي أدى إلى انتشار ثقافة السلام بين المصريين، لقد تخلص المصريون من الإحباط والتوتر الذي عانوا منه بعد هزيمة 67، كذلك حطم المصري جدار الوهم الذي بنته إسرائيل وادعت تفوقها على مصر.

ويثني اللواء أركان حرب عبدالغفار حجازي مساعد وزير الدفاع الأسبق في الكتاب على الجندي المصري في هذه الحرب يقول: شاهدت الجندي المصري في هذه الحرب يثأر لكرامته لا يهاب الموت، شعاره النصر أو الشهادة، كلمة واحدة في أفواه الجنود الله أكبر، رددها المسلم والمسيحي، فتغيير الجندي المصري للحقائق على أرض الواقع في حرب 73 كان الأساس وراء إيجابية الصورة المصرية في الإعلام المحلي والعربي والدولي.

مما حدا بالجنرال فارا هوكلى مدير تطوير القتال فى الجيش البريطانى أن يقول: “أن الدروس المستفادة من حرب بأكتوبر تتعلق بالرجال وقدراتهم أكثر مما تتعلق بالآلات التى يقومون بتشغيلها، فالإنجاز الهائل الذى حققه المصريون هو عبقرية و مهارة القادة و الضباط الذين تدربوا و قاموا بعملية هجومية جاءت مفاجأة تامة للطرف الآخر رغم أنها تمت تحت بصره وتكملة لهذا أظهر الجنود روحا معنوية عالية فى عداد المستحيل”.

الإيمان بالله لم يكن حجة للتواكل

يقول د.علي السمان رئيس لجنة الأزهر لحوار الأديان كما يوضح الكتاب، أنه كان من الطبيعي بعد هزيمة يونيو أن يزيد حجم الإيمانية لدى الإنسان المصري وأن يستعين بالله المقتدر الجبار في كشف هذه الغمة، لم يستعن الإنسان المصري بالله حجة للتواكل، بل مزجها مع إرادة العمل والعطاء والتفاني.

سجل العالم أن الشخصية المصرية وهي تلتحم بالعدو أثناء المعركة وتدمر وتسيطر على جزء من قواعده لم تنتقم من الأسرى الإسرائيليين الذين وقعوا في أيدي القوات المصرية ولم يفعلوا كما حدث في تاريخ الحروب بالعالم أن يقتلوا الجنود وهم معتقلين ويشوهوا أجسادهم، لأن المحارب المصري الذي نبت على أرض الإسلام يعرف الرحمة.

الأمر الذي دفع مجلة “نيوزويك” الأمريكية أن تقول: “إن كل يوم يمر يحطم الأساطير التى بنيت منذ انتصار إسرائيل عام 1967 و كانت هناك أسطورة أولا تقول إن العرب ليسوا محاربين و أن الاسرائيلى سوبرمان ، لكن الحرب أثبتت عكس ذلك”، وهكذا صحيفة لوموند الفرنسية حين قالت: “لقد كان مبالغة فى الوهم فعلا من الجانب الاسرائيلى أن يصدق أن الدول العربية ستبقى مستسلمة الى الأبد حيال احتلال أراضيها، “مهما تكن نتيجة المعارك فإن العرب أحرزا إنتصارا و قضوا على الصورة السائدة عنهم” .

من جانبه يقول د.جمال ماضي أبو العزايم مستشار الطب النفسي أنه كان يرأس العمل السياسي لوحدات الوايلي إبان عام 1967، وكذلك كان مديراً عاماً بدار الاستشفاء لصحة النفسية بالعباسية.

يضيف كما جاء بالكتاب: كنت أعيش الأحداث النفسية لهزيمة 67 بين مؤسسات الطب النفسي، وقد دعيت لاجتماع للقيادات بعد أيام من الحرب وعندما اجتمعنا أذيع نبأ النكسة واستقالة الرئيس جمال عبدالناصر، وخيم السكون المؤلم على الحاضرين، الذين اصفرت وجهوهم لكن من وسط هذا ينادي أخ من الحاضرين بضرورة الصمود ومبايعة الرئيس من جديد، وأن المعركة لم تنتهي بعد. ويطمئن قلبي إلى أصالة هذا الشعب وعزمه على المضي في المعركة إلى النصر بإذن الله.

ووسط هذه الموجات المحزنة نلاحظ أنه بدأت حرب الاستنزاف مع العدو، ونسفت القوات المسلحة السفينة إيلات أمام شواطئ العدو. قام الأدباء والشعراء ورجال الموسيقى بتزويد الإعلام بفيتامينات الإرادة القوية التي هيأت الجو إلى مزيد من العمل الجماعي.

بدأت الجهات المسئولة التخطيط في جمع الزكاة وارتفع إيرادها إلى درجات عالية، زاد الاهتمام بعقد الندوات في المدارس وأمان العبادة، وبدأت المؤتمرات النفسية في التزايد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل