المحتوى الرئيسى

المجتمع السوداني تشكله صبغة صوفية خاصة تعمق وجدانه

06/13 20:41

المجتمع السوداني قوي الحاسة الدينية، ويغلب عليه التسامح، وهو متصوف بامتياز، ولا يختلف اثنان في أن الطرق الصوفية قد شكلت وجدان معظم أهله، إذ يتسم الإسلام في السودان بصبغة صوفية خاصة.

إن أغلبية المسلمين في السودان ينتمون إلى جماعات صوفية، بل وتتوارث هذا الانتماء ابنا عن أب، فهناك قرب للصوفية من وجدان السوداني خاصة، وأن الإسلام انسرب في هذا الوجدان، وما كان ليستكين في وجدان أهل السودان لولا تعاليم الفقهاء المتصوفة الأول، ولم يكن سبيل هؤلاء الرجال في نشر الدين إكراها.

ومع اختلاف أساليب المتصوفة في التقرب من الله تعالى، إلا أن هناك مالا اختلاف عليه بينهم، ومن ذلك أن أهم صفة في سالك الطريق هي الإخلاص، وأن العلم هو الأساس، ولابد من إحكامه، وتقييده بالكتاب، والسنة النبوية الشريفة.

إن التاريخ يوثق دور الصوفية في نشر الإسلام بالسودان، ومنه إلى العمق الأفريقي، فالإسلام في السودان هو في جوهره، وعمومه صوفي، ولذلك تمثل الصوفية عمق الوجدان السوداني.

وكما يقول الدكتور يوسف فضل في مقدمته لكتاب الطبقات لابن ضيف الله، فإن الثقافة الدينية الأصولية لم تستهوي إلا قلة من السودانيين، وإن الأغلبية قد انخرطت في سلك مريدي، وأتباع الطرق الصوفية، وفضلتها على الطابع الأصولي.

كما يلاحظ أن عددا كبيرا من الفقهاء الأصوليين اتجهوا للجمع بين منهجي الظاهر، والباطن، وصاروا من مؤيدي الطرق الصوفية، وبهذا التلاقح ساد السودان الفكر الصوفي الذي استطاع استيعاب الحالة الفكرية السابقة له في توافق عقلي ونفسي معها.

فقد كانت الثقافة الأفريقية في السودان تقوم على مفاهيم مثل مفهوم الحكيم، والساحر كوسيط روحي، والرقص الطقوسي و الاستحواذ على المزايا الإلهية عن طريق التشخيص، والمحاكاة، ولذلك عندما دخلت الحركات الصوفية السودان تمثلت الأبعاد الروحية الدينية التي كانت سائدة عبر إسقاطات أحلت شيخ الطريقة محل الحكيم، والولي محل الساحر، وحلقات الذكر محل الرقص الطقوسي، وعبر هذه الإسقاطات استطاعت استيعاب الروحية الدينية الأفريقية في الإطار الديني الإسلامي.

ولولا الصوفية لما تمكن الإسلام من اختراق السودان وأفريقيا، و ويقول الدكتور عبد القادر محمود في كتابه الطوائف الصوفية في السودان إن التصوف ألغى العصبة القبلية العنيفة، وأزال كل تمايز .

ويقول المفكر الإسلامي الصادق المهدي في كتابه مستقبل الإسلام في السودان إن غالبية العلماء المسلمين الذين توجهوا إلى السودان لنشر الإسلام، وثقافته كانوا يأتون عبر مصر أمثال محمود العركي، أما مشايخ الطرق فقد أتى معظمهم عبر الحجاز، والمغرب أمثال عبد الكافي العربي والشيخ حسن والشيخ التلمساني المغربي أستاذ الشيخ محمد عيسى سوار الذهب والشيخ تاج الدين البهاري القادم أصلا من العراق للسودان عبر الحجاز، وقد أسهموا جميعا في إرساء قواعد الإسلام في السودان .

ويضيف لقد أفضت جهود العلماء، والمشايخ إلى منجزات كثيرة أهمها نشر الإسلام في السودان سلميا، وإقامة قنوات قاعدية للتعليم الديني، والإرشاد، وتنظيم النظم الاجتماعية السودانية بإتاحة مواعين لاستيعاب القبائل المتعددة، وإقامة تجمعات سكانية عامرة كانت هي البدايات لكثير من المدن السودانية، والتصدي للحكام نصحا، وتوسطا .

وأشار إلى أن المجتمع السوداني قوي الحاسة الدينية، وهو مجتمع يغلب عليه التسامح في تلوين العلاقات بين الناس .

ويقول شيخ الطريقة الإسماعيلية بالخرطوم مختار مكي محمد - في تصريحات خاصة لموفد وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى الخرطوم، عن دور الصوفيين في نشر الإسلام في السودان، ومنه إلى القرن الأفريقي إن الإسلام انتشر في السودان عبر السادة الصوفية من خلال مؤسسة المسيد، وهو في جوهره، وعمومه صوفي، ولذلك تمثل الصوفية عمق الوجدان السوداني، كما أن الإسلام كممارسة وجدانية يجسد أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو النهج الذي عليه الصوفية .

وحول اتفاقه مع الراحل الشيخ حسن قريب الله فيما ذهب إليه من أن التصوف في السودان يعتبر متنفسا طبيعيا، واتجاها حتميا للمزاج الديني، قال إن السودان بلد التصوف بامتياز، والإسلام في السودان يتسم بصبغة صوفية خاصة، لأنه ما من إنسان يفتح عينيه إلا ويجد بين أهله صوفي أو تابع لصاحب طريقة فالأغلبية العظمى في السودان ينتمون إلى الطرق الصوفية .

وأضاف إن الشخصية السودانية لا تنفك عن التصوف، لأن الإسلام الصوفي هو عبارة عن ممارسة حقيقية، وورثها علماء التصوف من سيرة الرسول (ص) من حيث اللين، والرقة في التعامل مع المسلمين، وغير المسلمين.. إيواء للمشردين وإطعاما للجائعين، ونصرا للمظلومين .

وبشأن مراحل الحركة الصوفية في السودان، أفاد بأنها تواترت بها الأخبار، والأسانيد كابر عن كابر، والإجازات التي تؤكد ذلك موجودة.

وقال قد تظهر طرق ذات اتجاه تجديدي من حيث الممارسات في التربية السلوكية، والأذكار، ومواصلة الأوراد، والتعليم، وهذا متروك لأهل التجديد من الشيوخ، وهو مستنبط من كتاب الله، وسنة الرسول (ص) الفعلية، والقولية، والتقريرية .

وحول كون قيام سلطنة الفونج الإسلامية أول نقطة تحول حضارية في اتجاه تكوين المجتمع السوداني الجديد، حيث شجع سلاطين الفونج توافد العلماء، والمتصوفة إلى البلاد، قال ليس بالضرورة أن تكون سلطة الفونج قد أوفدت علماء من خارج البلاد، ولكنها احتوت، وتعاملت مع السادة الصوفية داخل البلاد بشكل جيد .

وأفاد بأن الحجاز، وبلاد الحرمين المصدر الرئيس لدخول التصوف إلى بلاد السودان، ضاربا المثل بتاج الدين البهاري، ثم مصر وبلاد المغرب.

وقال ان مجاهدة النفس، وتطهيرها ليس هدف التصوف فحسب وإنما هو هدف الإسلام الذي جاء من أجله، حيث كان الناس في جاهلية عمياء فوحد صفوفهم معنا، وحسا، وكانت التربية جماعية، و كل المسالك التي عليها أهل التصوف واحدة الهدف، والقصد، وإن اختلفت في كيفية الممارسة .

وبشأن أقدم الطرق دخولا في السودان، قال القادرية (أول داعية لها الشيخ تاج الدين البهاري)، وهي كذلك الأوسع انتشارا في العالم .

وأشار إلى تأثر الطريقة الإسماعيلية بما حولها من حركات فكرية، وتجديدية، وثقافية، وأنها تنسب إلى الشيخ إسماعيل بن عبد الله الولي وهو بديري دهمشي، هاجرت أسرته إلى كردفان.

وحول دور ووظائف شيوخ الطرق الصوفية بوصفهم فقهاء، ومتصوفة في مجتمعاتهم، قال إن دور شيوخ الطريقة يتلخص في أنهم يرشدون الناس، ويعلمونهم أمور دينهم على نهج الرسول (ص)، وتربيتهم وتهذيب أخلاقهم .

وبين أن الطرق الصوفية تعد المعول الأكبر في تحفيظ القرآن الكريم، وتعليم الناس شئون دينهم، ودنياهم، وتهذيب السلوك، وترسيخ القيم الإسلامية.

وحول اتجاه التصوف السوداني نحو توسع علاقاته الخارجية، قال إن المجمع الصوفي العام يمثل واجهة المتصوفة بالسودان الخارجية .

وعن المسيد، قال هو مكان تقام به الشعائر الدينية من صلوات، وعبادات، وإرشاد الناس، والخلوة لتحفيظ القرآن الكريم، وعلومه ، مؤكدا خصوصية شهر رمضان المعظم عن سائر الشهور من حيث الصيام، والقيام، والاعتكاف.

وبين أن الذكر هو جوهر الممارسة الصوفية، وأن مصطلح الراتب الذي تستخدمه الطريقة الإسماعيلية للدلالة على شعائرها الخاصة هو جزء من أوراد، وأساس الطريقة ووقته في اليوم بعد الصبح، والمساء .

ويقول الدكتور علي صالح كرار جامعة النيلين، كلية الآداب، في ورقة بعنوان (الطرق الصوفية في السودان: منظور تأريخي) لا يختلف اثنان في أن الطرق الصوفية قد شكلت وجدان معظم أهل السودان وتركت آثارا متعددة، ومتجددة في الحياة السودانية منذ منتصف القرن السادس عشر الميلادي مما أكسب هذه الآثار أهمية خاصة في دراسة الأصول الفكرية للمجتمع، والروافد المغذية، والمؤثرة في تشكيل الشخصية السودانية، وارتباط ذلك بالمتغيرات الاجتماعية، والثقافية، والسياسية في الحقب التأريخية المختلفة .

واتفق كرار مع البروفيسور الراحل الشيخ حسن قريب الله فيما ذهب إليه من أن التصوف في السودان يعتبر متنفسا طبيعيا، واتجاها حتميا للمزاج الديني، والنزعة الروحية التي ظلت تجلل المجتمع السوداني.

ويذكر البروفيسور الراحل محمد إبراهيم أبو سليم أن الحركة الصوفية مرت خلال مسيرتها المتطورة في السودان بثلاث مراحل، مرحلة أولى: لا تتوفر معلومات عنها لانقطاع الأخبار، وهذا بالتأكيد لا يعني أن السودانيين لم يشهدوا في هذه الفترة حركة صوفية، بل قد مارسوا الحياة الصوفية كاملة بما فيها الانتساب إلى الطرق والاشتغال بمذهب أهل الباطن في الحياة، ومرحلة ثانية: أخذت فيها الطرق تظهر، وتنمو، وتأخذ اتجاهات جديدة على نحو ما نجد في الطريقة الشاذلية التي اهتمت بالجوانب العلمية لأن مؤسسها كان عالما.

ثم جاءت المرحلة الثالثة، والتي ظهرت نتيجة لمؤثرات الحجاز القوية، والتي بدأت في أواخر القرن السابع عشر الميلادي، وشهدت هذه المرحلة ظهور طرق ذات اتجاه تجديدي مثل السمانية، والختمية، والإسماعيلية، واهتمت هذه الطرق اهتماما كبيرا بنشر الدعوة بجانب تعاليمهم، ومبادئهم.

ويعتبر البروفيسور حسن مكي أن قيام سلطنة الفونج الإسلامية في العام 1504م على أنقاض مملكة سوبا المسيحية نقطة تحول، وفاصلة حضارية مهمة بدلالاتها الفكرية، والثقافية في اتجاه تكوين المجتمع السوداني الجديد، فقد شجع سلاطين الفونج توافد العلماء، والمتصوفة للبلاد، وأجزلوا لهم العطاء، والهبات.

ويقول الدكتور علي صالح كرار، في ورقته، لقد وفدت الطرق الصوفية للسودان من عدة مصادر هي الحجاز، ومصر، وشمال، وغرب أفريقيا، وفي المراحل الباكرة كان الأثر الصوفي الحجازي أقوى من سواه، وربما يكون مرد ذلك إلى القيمة الروحية للحجاز، والأثر الوجداني العميق لذلك على السودانيين.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل