المحتوى الرئيسى

تنظيمات التقسيم والتوحش | المصري اليوم

06/13 00:29

التنظيمات الدينية المسلمة الحديثة ذات الطبيعة السياسية متناقضة. من رأسها لأخمص قدميها. تزعم لنفسها باستمرار أنها تمثل أمة المسلمين فى العالم، وتسعى لانضوائهم تحت خلافة واحدة وخليفة واحد، بينما تنتج فى الواقع تقسيما وتمزيقا للمجتمعات المسلمة وغيرها من المجتمعات، التى تضم مجموعات من المسلمين، بداية من تقسيم شبه القارة الهندية سابقا، حتى تقسيم الوطن الفلسطينى المحتل والسودان وتفكيك البلدان فى العراق وليبيا وسوريا واليمن حاليا.

الشيوعيون أمميون كما الإخوان وبدرجة مختلفة القوميون أيضا. كلهم عابرون للحدود، منتشرون فروعا وتنظيمات فى أغلب بلدان العالم. وحدهم القوميون داخل الأقطار العربية فقط. الشيوعيون أقاموا بلدانا وإمبراطورية لامست حدود القوى العظمى كما الاتحاد السوفيتى الراحل. القوميون أيضا أقاموا دولا عربية.

تمركزوا فى مصر، فصاروا قوة إقليمية كبرى تحظى بالنفوذ السياسى فى المنطقة، كما كانت أيام عبدالناصر.

إلا الإخوان فى الدنيا. وبقية فروع مدرستهم من تنظيمات وجماعات مختلفة. وحدهم وليس إلا. لا يقيمون دولة أبدا. إنما يفككون أو يفتتون دولة، وبين الأنقاض يقيمون «إمارة». لذا أينما وُجدوا صاروا مرض الدول والمجتمعات.

كذلك ليس مصادفة أن يلجأ الجيل الجديد من هذه المنظمات إلى التوحش العنيف كأداة لتحقيق أهدافه، فقد ظل العنف سمة أصيلة واستراتيجية لدى هذه المنظمات منذ بداية ظهورها الحديث فى عشرينيات القرن الماضى كرد فعل لانهيار الإمبراطورية العثمانية والتدخل الغربى المباشر فى المنطقة.

التقسيم والتوحش متلازمة واحدة فى أصل هذه التنظيمات على اختلاف فروعها وتصنيفاتها، فلماذا هم كذلك؟

ربما تتعدد الأسباب، الفكرية والسياسية والاجتماعية، محلية وخارجية، وربما الأسباب مجتمعة تتفاعل سويا فى صنع مثل هذه الظاهرة. وقد أتبارى، وقد تتبارى فى تعداد الأسباب. إنما يستوقفك بالضرورة ما يلى:

- حركة هذه التنظيمات دائما فى الاتجاه المعاكس. تريد خلافة بعد أن انتهت الخلافة من التاريخ. لا تدرك أن ما تعنيه بالخلافة كان جزءا من إمبراطوريات مشابهة عرفتها البشرية فى زمن مضى ولن يعود. سلكت البشرية طرقا أخرى للاتحاد بغير خلافة أو إمبراطورية غابرة. لا ينظرون إلى الاتحاد الأوروبى، وتجمعات الدول المتحدة فى آسيا وبقية القارات. عديمو النظر للتطور والحضارة أصلا، لا يتعلمون طرقها الحديثة، حتى لو عاشوا داخلها كما هى فروعهم المنتشرة فى أوروبا وأمريكا وغيرهما.

- هذه التنظيمات متى ظهرت صارت بذاتها مجتمعا داخل المجتمع وبديلا له ودولة داخل الدولة وبديلا عنها. وهنا أصل طبيعتها الانقسامية والانقلابية باستمرار.

- هذه التنظيمات ذات طبيعة عسكرية بدائية، وليست سياسية. ولذا تصبح باستمرار ميليشيا كامنة، تأخذ طريقها للظهور الصريح متى وجدت فرصة داخل المجتمع، وضد المجتمع.

- تحاول بعض أقسام هذه التنظيمات التحور سياسيا لكنها سرعان ما ترتد إلى طبيعتها متى تمكنت، فتعود للالتحام ببقية صفوف مدرستها الأصلية. حدث هذا مع الإخوان فى مصر سنة حكمهم، فالتفوا كما التف حولهم كل الفرق والجماعات المشابهة وغربوا معا بعد 30 يونيو. كذلك حدث سابقا بالسودان، مع انقلاب البشير- الترابى، ولا تنسَ المثال الصارخ فى تركيا أردوغان، الذى يرعى من الإخوان إلى داعش وما شابه.

- هذه الطبيعة المتناقضة لمثل هذه التنظيمات جعلتها موظفة باستمرار فى يد القوى القادرة دوليا وإقليميا كما يتضح من نتائج الحرب العالمية الأولى، ثم الثانية، مرورا بالحرب الباردة وحتى الآن.

يكفيك أن تنظر حاليا كيف تتحد هذه التنظيمات موضوعيا مع دولة الدين والطائفة الغربية «إسرائيل»، لتجعل كل ما حول الأخيرة جزيئات طائفية ودينية مثلها، فلا يعود لنا حق ولا سؤال معها.

ثم انظر كيف تتحد هذه المنظمات ذاتها موضوعيا مع دولة المذهب «إيران» لتجعل كل ما يقابلها مذهبيا مثلها وفى الاتجاه المضاد، لنغرق جميعا فى بحر حرب مذهبية سنية- شيعية، يقولون إنها تدبر لنا بليل، وصارت معالمها واضحة فى الخليج وسوريا والعراق واليمن.

ربما لا تكون فى حاجة إلى النظر للإخوان. قد يكون لديك ما يكفى من معرفة بهم، أو مستمسكات تخصهم. ثم إنك تحاصرهم، ولا تغفل عنهم. أنت فى حاجة ماسة للنظر إلى المجموعات السلفية. هنا الوقود الحيوى للعنف المتوحش. لا تقل إن السلفيين حلفاء، أو إنهم مجرد أتباع سلف.

لا تذهب إلى «بيت السلفية» لتصالح المسلمين بالمسيحيين كما فعل محافظ الحكومة بصحبة رجالات الأزهر فى المنيا أخيرا، أو كما فعل «المجلس العسكرى» سابقا، عندما دار بشيوخ السلفية على كل قرية ومنطقة شهدت حوادث طائفية. وكاد يوزعهم مع مواد التموين على بيوت البلد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل