المحتوى الرئيسى

تحرير الأرض فى عصر العولمة | المصري اليوم

06/12 22:47

أتمنى لو يخرج علينا أى مسؤول إسرائيلى، أو حتى غير إسرائيلى، ليدلنا على طريقة فريدة لتحرير الأرض المحتلة، أىّ أرض محتلة فى أى مكان بالكرة الأرضية، ما نعلمه على مر التاريخ، قبل أن تهِل علينا الألفية الثالثة تحديداً، أو قبل عصر العولمة، هو أن الأرض لا يمكن تحريرها من أى محتل غاصب، إلا بأحد أمرين، المقاومة أو التفاوض، لن ينسحب المحتل أبداً من تلقاء نفسه، وإلا لما كان كلّف نفسه عناء الاحتلال.

فى حالة الأرض الفلسطينية المحتلة، إذا كان المحتل الإسرائيلى يرفض التفاوض، ماذا تبقى أمام أصحاب الأرض؟، بالتأكيد ليس أمامهم سوى المقاومة، السؤال هو: إذا كان هناك رأى عام دولى «فى الحالة الفلسطينية فقط» ينظر إلى مقاومة الاحتلال على أنها إرهاب، هكذا نجحت آلة الدعاية الصهيونية فى معظم دول العالم، إذا كان هناك رأى عام عربى بدأ هو الآخر فى الخضوع والخنوع لمثل هذه النظرية اللا أخلاقية، ماذا تبقى إذن أمام الفلسطينيين؟، لا أحد يجيب.

بالتأكيد الشعب الفلسطينى فى موقف لا يُحسد عليه، حتى قيادته السياسية تستنكر عليه المقاومة، القيادة اعتادت الوضع الحالى، وضع الخضوع للاحتلال والاكتفاء بالتصريحات، العالم الغربى كما العربى، يستنكر قتل المدنيين الإسرائيليين، هذا على اعتبار أن القتلى الفلسطينيين بصفة يومية من العسكريين المغاوير، ليسوا فى المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، بنين وبنات، أيضاً هذا على اعتبار أن مئات المجازر التى ارتُكبت بحق قرى فلسطينية كاملة، على امتداد ٦٨ عاماً، هى عمر الاحتلال، كانت تستهدف العسكريين.

مازال السؤال يطرح نفسه، ما هو الطريق الذى يمكن أن يسلكه الشعب الفلسطينى لتحرير أرضه إذا كانت دولة الاحتلال قد أغلقت عليه طريق المفاوضات، ليس ذلك فقط، بل اعتمدت سياسة الأمر الواقع، بناء مستوطنات، تغيير معالم وهويات، ضم أراضٍ وهدم منازل، سياسة تضييق وخنق وتهجير واضطهاد وسجن، إلى غير ذلك من قتل يومى بدم بارد.

أعتقد أن أحداً لا يستطيع أن يزايد على الشعب الفلسطينى، فيما قدّم من شهداء، فيما قدم من تضحيات، من عمليات استشهادية، من أشقاء وشقيقات، بل عائلات وأُسر بأكملها، لنعترف بأن هناك كما فى كل الحروب، وكما فى كل بلاد العالم، من تاجروا بالدماء، من نطلق عليهم فى كل الحروب أثرياء الحرب، بل هناك كما فى كل الحروب لدينا ولدى غيرنا، من نطلق عليهم الخونة أو العملاء، بصفة خاصة بين السياسيين وصناع القرار، لا شك فى ذلك.

إلا أن الحقيقة المؤكدة أنه لا يوجد بيت فلسطينى ولا أسرة فلسطينية لم تقدم شهداء، ليس شهيداً واحداً أبداً، ومازالوا على استعداد لتقديم المزيد، ما على المزايدين إلا أن يتركوهم لحال سبيلهم، هم يعرفون الطريق لتحرير وطنهم، بإمكانيات مادية وعسكرية متواضعة، هم يعرفون كيف يقضّون مضاجع عدوهم، يدركون مواطن إيلامه، لم يعد المناضل الفلسطينى الحقيقى يطلب عوناً عربياً، لقد فقد الثقة فى ذلك تماماً، لكن على الأقل لنتركهم وحال سبيلهم، لا يجب أبداً أن نحبط عزائمهم، وإلا فلندلهم على الطريق الآخر لتحرير الأرض، إذا كان ذلك الطريق متوافراً.

أستطيع الزعم أن كل ما تفعله المقاومة الفلسطينية المتقطعة الآن هو التذكير بأن هناك أرضاً محتلة، لا أكثر ولا أقل، محاولة إحياء القضية كلما وجدوا أنها قد ماتت، انتفاضة السكاكين الحالية ذهب ضحيتها نحو ٢١٠ من الفلسطينيين، شباناً وفتيات، مقابل نحو ٤٠ إسرائيلياً فقط لا غير، إلا أنها فى العرف الصهيونى خسارة فادحة، رعب لا حدود له، خسائر اقتصادية يومية، هى هزيمة معنوية يدركونها جيداً، كل مخاوفهم هو أن تستمر هذه الانتفاضة، أو ترتفع وتيرتها.

الغريب فى الأمر هو ذلك الاستنكار من بعض الأقطار العربية، بدعوى أن ذلك الذى يجرى المقصود منه هو إحباط جهود السلام، إجهاض مبادرات السلام، وإدخال المباحثات فى نفق مظلم، مصطلحات الولادة والإيلاج والترقيع العربية كما هى لا تتغير، أين هو السلام، وأين هى جهود السلام، وأين هى المباحثات؟ لا أحد يدرى، نحن نتحدث عن قضية سوف يحتفى الإسرائيليون بعيدها الماسى بعد بضع سنوات، قضية هى الأقدم فى العالم، احتلال هو الوحيد فى العالم، ومازلنا نتشدق بإجهاض وقيصرة ووأد، وغير ذلك من مَواطن الإبداع العربى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل