المحتوى الرئيسى

إسراء عرفات تكتب: حركة النهضة التونسية.. نموذج الإستراتيجية المرنة بعيدًا عن الجمود والاستاتيكا | ساسة بوست

06/10 14:55

منذ 1 دقيقة، 10 يونيو,2016

يُقال في معنى كلمة «الحركة» أنّها كلّ مظهر من مظاهر النشاط بعيدًا عن مظاهر الثبات والسكون والاستاتيكا، وبالنظر إلى مظاهر النشاط الذي تنضوي عليه كلمة «الحركة»، فإنّ أوجهه تتعدّد وتتخذ أشكالًا مختلفة ما بين السياسي والثقافي والاجتماعي وغيرها.

وبعيدًا عن المستويات الأخرى، وعلى صعيد المستوى السياسي، فإنّ كلمة «الحركة» تأتي غالبًا لتعبّر عن جماعة بشرية انسجمت وتأطّرت في شكل تنظيمي للوصول إلى تحقيق هدف معين، ومن هنا يُمكن فهم طبيعة الحركات الاحتجاجية التي جاءت لتعبّر عن جماعة بشرية انتظمت في شكل حركة احتجاجية وانطلقت في الميادين لتنادي بمطالب حقوقية أو سياسية أو اجتماعية، ومن هنا –أيضًا- يُمكن فهم طبيعة حركات التحرّر الوطني كتعبير عن جماعة بشرية انتظمت في شكل حركة تحررية تسعى للنضال من أجل دحر الاستعمار أو الاحتلال والوصول إلى هدف الحرية المنشودة.

وإنّ متابعة أحوال التحوّل الديمقراطي العربي والذي بدأ مع انطلاق شرارة الثورات العربية، وما أفرزه هذا التحوّل من صعود حركات الإسلام السياسي التي تسيّدت الساحة السياسية، يطرح سؤالًا عن موقع هذه الحركات من كلمة «الحركة» بما تضمنه من معنى النشاط والمرونة والانفتاح والتعاطي المسؤول مع تحديات المرحلة الانتقالية.

وتبعًا لذلك، يُلاحَظ التباين الواضح في تعاطي حركات الإسلام السياسي مع هذه التحديات؛ فبعض حركات الإسلام السياسي تعاطت معها بمزيج من الاستاتيكا والسكونية المتمثّلة بالتشبّث بالأيديولوجيا وإقصاء جلّ القوى السياسية عن المشاركة في الحكم والسعي نحوَ الاستئثار بالمناصب المفصلية في الدولة، ناسية أو متناسية الطبيعة الحرجة التي تتسّم بها المراحل الانتقالية – عمومًا – وما تتطلبه من مرونة وانفتاح كبيرين وقدرة على بناء التحالفات والتوافقات بعيدًا عن الإقصاء والتمسّك بالمصالح الضيقة، الأمر الذي أدى إلى تحويل الصراع في الدولة من صراع بين ثنائية ديمقراطي/ غير ديمقراطي، إلى صراع هوياتي قائم على ثنائية إسلامي/ علماني بما قوّض دعائم الديمقراطية الوليدة وقاد مسيرة التحوّل الديمقراطي إلى انتكاسة كلّية عادت معها الأنظمة الاستبدادية من جديد، وأكبر مثال على ذلك مصر وجماعة الإخوان وحزبهم الحرية والعدالة.

في مقابل ذلك، اتسّم تعاطي بعض الحركات الإسلامية الأخرى مع تحديات المرحلة الانتقالية بمزيج من المرونة والحركية وذلك من خلال إستراتيجية تقديم التنازلات وتغليب المصلحة الوطنية العليا والبحث عن سبل التوافق مع المختلفين أيديولوجيًا واستمرار القيام بالنقد الذاتي والمراجعات الفكرية، وهوَ الأمر الذي أدى إلى الوصول إلى نموذج تحوّل ديمقراطي شكّل الاستثناء الناجح المستقرّ، والذي ما كان له أن يترسّخ لولا تلك الإستراتيجية المرنة التي اتبعتها حركة النهضة التونسية بزعامة الشيخ راشد الغنوشي بعيدًا عن كلّ سكون واستاتيكا.

حركة النهضة التونسية.. استخدام التوافق في إدارة المرحلة الانتقالية

بعد نجاح الثورة التونسية في إسقاط نظام «زين العابدين بن علي» تمّ انتخاب المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر (تشرين الأول)2011، وكان من نتائجه تشكّل حلف ثلاثي عُرفَ باسم الترويكا لإدارة المرحلة الانتقالية وصياغة الدستور، وقد ضمّ المجلس كلّاَ من «حركة النهضة» التي ترأست الحكومة، وحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، وحزب «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات». غيرَ أن تونس مرّت بعد ذلك بمجموعة من الصعوبات التي هددت مستقبل الديمقراطية الوليدة فيها، وكان أحد أهم هذه الصعوبات حملة الاغتيالات التي طالت شخصيتين مرموقتين من صفوف المعارضة هما «شكري بلعيد» و«محمد البراهمي»، الأمر الذي أدى إلى تنامي حالة الاستقطاب الثنائي الذي ظهر بين «جبهة الإنقاذ الوطني» الممثلة للكتلة العلمانية المعارضة وبين حكومة الترويكا التي تترأسها «حركة النهضة» والتي تمّ تحميلها المسؤولية المباشرة عن حوادث الاغتيال، وقد كان الوضع مرشحًا لمزيد من التفاقم، وهنا ظهر دور حركة النهضة التونسية فاعلًا سياسيًّا اتسّم بالمرونة وقدّم تنازلات عديدة سامهت في تحقيق التوافق مع القوى السياسية التونسية مغلّبًا المصلحة الوطنية على مصلحته، وقد ساهم ذلك كلّه في تجنيب تونس من الانجرار إلى ويلات الانشقاقات والحروب الأهلية، وعزّز من وصولها إلى مسار التحوّل الديمقراطي التي طمحت له منذ البداية.

حركة النهضة التونسية.. تراكمية المراجعات الفكرية وصولًا إلى المؤتمر العاشر

جاء البيان الختامي للمؤتمر العاشر الذي عقدته حركة النهضة التونسية ما بين 20-23 مايو (أيار) 2016 تتويجًا لمراجعات فكرية عديدة قامت بها الحركة وظهرت واضحة وجلية في مؤلفات زعيمها راشد الغنوشي الذي أُعيد انتخابه في المؤتمر رئيسًا للحركة، وقد أكّد البيان الختامي على ما يُمكن اعتباره استكمالًا لقواعد الإستراتيجية المرنة التي اتبعتها الحركة منذ أن تمّ الاعتراف بها بوصفها حزبًا سياسيًّا رسميًّا في 1 مارس 2011(آذار)، حيثُ شدّد البيان على أنّ تجربة الحركة التنظيمية والهيكلية في ما بعد الثورة أبرزت الحاجة إلى رؤية تنظيمية وسياسية جديدة يُمكن عبرها استيعاب المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية التي شهدتها تونس، وهو ما يسمح للنهضة بالتحوّل إلى حزب سياسي وطني يُنافس بكفاءة على الحكم وإدارة الشأن العام ويتخصص في مجال العمل السياسي بعيدًا عن مجالات الإصلاح الديني، وأكّد البيان على أنّ التخصّص «سيضع الجميع في موقع التساوي في مجال المنافسة السياسية٬ وسيحرّر المشهد السياسي من التوترات والتشنج، وسيمنح التدافع الفكري فرصة للنهوض بالمبادئ والأخلاق»، كما وذكر البيان أنّ أولويات الحزب في المرحلة القادمة تقع في أمرينْ، أوّلهما: تركيز اقتصاد صاعد ومجتمع متضامن وتنمية مستدامة، وثانيهما: إتمام تشكيل المؤسسات الدستورية والحرص على تحقيق التكامل والانسجام بين كلّ الأطياف السياسية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل