5 مشاهد تكشف خفايا رمضان في المقابر

رمضان فى القبور حالة خاصة جداً.. طعم مختلف، وشكل تانى، وروح متفردة تغير وجه الحياة وسط الأموات. عندما يهل شهر رمضان على سكان المقابر يتحسسون بطونهم ويقولون:« ذهب الجوع»!

فكل المصريين يخشون الجوع والعطش فى رمضان، ما عدا سكان المقابر، فساعات الصيام تمر عليهم مثل لمح البصر، إذا ما قارنوها بفترات الجوع التى يعيشونها ولهذا يقولون فى المقابر.. الناس تصوم شهر واحد فى العام وهو شهر رمضان، ما عدا سكان القبور الذين يجوعون 11 شهراً ويأكلون فى شهر واحد فقط، وهو شهر رمضان.

وهم يأكلون من تبرعات أهل الخير التى تتوافد عليهم من كل اتجاه، تأتيهم فى شكل وجبات ساخنة حيناً، وشنط رمضانية حيناً آخر، تحتوى على أرز ومكرونة ولحوم وسكر وزيت وشاى.. وهذا ما رصدته «الوفد» فى الحلقة الأولى من هذا التحقيق، والحقيقة أن رمضان فى المقابر حالة خاصة ليس فقط فى أكل، وإنما أيضاً فى جميع مناحى الحياة.. رصدنا 5 مشاهد تعكس روح رمضان فى القبور، وتكشف أن الشهر الكريم عند جيران الموتى حالة مختلفة وخاصة.

العصائر والمشروبات ضيف دائم على كل موائد رمضان.. وإذا كنت من سكان المقابر، فستحصل على ما تريد من العرقسوس وتمر هندى وسوبيا.. وكله مجاناً. والحكاية أن أهل الخير يتبرعون بتوزيع كل هذه المشروبات على كل من يمر فى المقابر، وفى وسط مقابر المجاورين ومنذ سنوات يتبرع حسين مصطفى - موظف- بتوزيع التمر هندى على كل من يريد من المارة وسكان المقابر..

يومياً يجهز براميل التمر هندى ويتولى شقيقه تعبئة التمر فى أكياس بلاستيك، وتوزيعها على من يطلب.

رفض حسين الحديث عن تكلفة ما يوزعه من تمر يومياً.. وقال: «اتبرع به لوجه الله، والتكاليف دى بينى وبين ربنا.. بس يا رب يتقبل منى».

وأضاف: «الناس اللى فى المنطقة عارفين مكانى وبيجوا لى، أما المارون بالصدفة فيعرضون دفع مبالغ ، ويشكروننا بشدة عندما نعتذر عن قبول فلوس ونؤكد لهم أن التمر الذى نوزعه مجاناً، قربى إلى الله تعالى».

جملة يكررها دومًا: «عمرى 120 سنة وعاوز أتجوز»!

قابلته فى المقابر هائماً على وجهه، استوقفتنى ملابسه الممزقة، وطوله الفارع ووجهه المطلى بالبوية البيضاء..

كان يمشى بسرعة وكأنه يسابق الزمن.. تصورت فى البداية، أنه يريد أن يلحق بالإفطار فى مكان ما.. استوقفته، وسألته عن سر البوية البيضاء التى يطلى بها وجهه؟.. فقال بشكل جاد: «أنا عاوز أتجوز»!

قلت: تتجوز فى رمضان؟!.. فقال وهو يضحك: «أمى مش عاوزه.. وأنا عمرى 120 سنة».. قلت: وإيه علاقة البوية بالزواج.. فقال كلاماً غير مفهوم، كل ما فهمته منه كلمة «أمى»!

حاولت أن أعرف منه كيف يعيش فى المقابر.. وماذا يفعل فى رمضان، فلم يكن يجيب سوى بعبارة واحدة «أنا عمرى 120 سنة وأمى مش عاوزة تجوزنى».. وظل يكرر ذات العبارة كلما سألته أى سؤال!.. حتى عندما سألته «عاوز تتجوز مين؟ ».. أجاب: «أنا عمرى 120 سنة وأمى مش عاوزة تجوزنى»!..

اسمه محمد حبيب يسكن مع والدته حوش أحد مقابر المجاورين، قال لى جيرانه، أنه فقد عقله منذ سنوات، ولا يعرف أحد لماذا ضربه الجنون.

هزتنى المعلومة.. شاب فى مقتبل حياته، ما الذى يطير عقله؟.. كيف حدث هذا؟.. ومن المسئول عن ضياع عقل « حبيب»؟..

هل حياة الحرمان التى يعيشها فى المقابر «طيرت عقله».. هل اكتأب بسبب رائحة الموت الذى يحيط به فى المقابر، فدفعه الاكتئاب للجنون؟

.. والسؤال الأخطر.. كم شاب - مثل محمد حبيب - فقد عقله بسبب مآسى الحياة فى المقابر؟

دنيا سمير غانم ومحمود عبدالعزيز الأفضل

الرجال يتابعون «7 أرواح».. والشباب مهووسون بـ«الأسطورة»

كل من يسير فى شوارع المقابر لا بد أن يستوقفه العدد الكبير من أطباق الدش المثبتة فوق أسطح المقابر.. وهو ما يعنى أنهم متابعون جيدون لكل ما تبثه الفضائيات، رمضان يعنى مسلسلات بلا حصر.. وفنانون وفنانات يتنافسون على عقل المشاهدين.

وفى المقابر لا تتوقف المسلسلات عند كونها وسيلة ترفيه، ولكنها تصبح مصدر إلهام للبنات والبنين على حد سواء.

وعندما كنت أسال من قابلتهم فى المقابر، عما يشاهدونه من مسلسلات، وما يعجبهم، جاءت الفنانة دنيا سمير غانم ومسلسلها «نيللى وشريهان» على قمة المسلسلات التى تحرص سيدات المقابر على متابعتها، تليها يسرا ومسلسلها «فوق مستوى الشبهات»، ثم نيللى كريم ومسلسلها «سقوط حر»، أما الرجال فيفضلون «رأس الغول» لمحمود عبدالعزيز، و«7 أرواح» للفنان خالد النبوى، و«الأسطورة» للفنان محمد رمضان.

«إذا جاء رمضان فُتّحـت أبواب الجنة، وغُـلّـقـت أبواب النار، وصُفّـدت الشـياطين».. كل المصريين يحفظون عن ظهر قلب هذا الحديث النبوى الشريف، ولكنى وجدت فى المقابر شياطين لم تصفد فى رمضان..

قال لى سكان المقابر إن شياطين الإنس فى المقابر لم يختفوا فى رمضان، على العكس نشطوا وزاد نشاطهم فى الشهر الكريم الذى تصفد فيه شياطين الجن.

حكى لى حسين السيد -أحد شباب مقابر المجاورين- أن اللصوص يستغلون الصيام، وحالة التعب التى تصيب الصائمين، فتزداد حوادث خطف الموبايلات وخطف الحقائب من المارة فى الشوارع، ويفرون بموتوسيكلات مسرعة، وطبعاً يعجز الجميع عن اللحاق بهم بسبب الصيام والتعب الذى يصيب الصائمون.

ليالى رمضان عند الأطفال حالة خاصة جداً.. ففى رمضان يسهر الكثيرون حتى مطلع الفجر.. وهذه الساعات الطويلة، يقضيها الأطفال فى اللعب واللهو، اما أطفال المقابر فيقضون ليلهم بشكل خاص..