المحتوى الرئيسى

صحتك أولا.. عندما يجب أن تتوقف عن العبادة بأمر النبي

06/09 17:55

للإنسان بوصفه إنسانا مكانة كبرى عند محمد صلى الله عليه وسلم، فقد عاش صلى الله عليه وسلم مستهدفا برسالته الإنسان، فإليه يحسن، وعلى هدايته يحرص، وإن أفلت منه فعليه يحزن، فهو ينظر لكل نفس بشرية، من حيث بشريتها وتكريم الله عز وجل لها، فقد قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم)، ومن هذا المبدأ التكريمي للإنسان تنطلق نظرة محمد صلى الله عليه وسلم للإنسان، فهو إنسان مكرم، حتى لو كان مخالفا له في الاعتقاد، حتى لو كان هذا المخالف يرى محمدا صلى الله عليه وسلم كاذبا وليس نبيا يوحى إليه من عند الله، فقد مرت عليه جنازة يهودي، فقام لها واقفا صلى الله عليه وسلم، فتعجب الصحابة فقال لهم: أليست نفسا؟! أي أن النفس البشرية تحترم وتقدر، ولو كانت مخالفة من حيث أنها نفس خلقها الله عز وجل، فاستحقت التكريم والتبجيل، وإن كانت جثة تحمل للمقابر.

وجاءت تشريعات محمد صلى الله عليه وسلم مستهدفة إسعاد الإنسان وراحته، ومراعاة بشريته وإنسانيته، فصحة الإنسان مقدمة، كما يقول علماء الأصول: صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان، فكل أمر يتعارض أو يضر صحة الإنسان، ولو كان عبادة وخيرا، تقدم صحته وتراعى، ويبحث الإسلام عن وسائل أخرى تؤدى بها العبادة والطاعة بعيدا عن أي ضرر يصيبه، يقول صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"، ويقول: "رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه"، وفي غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم أصيب رجل وشجت رأسه، فذهب يسأل بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل يتيمم؟ فقالوا له: لا نجد لك عذرا، فالماء موجود، فاغتسل بالماء، فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "قتلوه قتلهم الله".

وعندما مر النبي صلى الله عليه وسلم فرأى حبلا ممتدا في المسجد، فسأل: لمن هذا الحبل، وماذا يفعل به؟ فقالوا: حبل لزينب، تصلي من الليل، فإذا تعبت تعلقت به، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا حلّوه ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد"، أي إذا وجد الإنسان فيه الصحة والقوة للعبادة فليتعبد، فإذا تعب فليقعد، أو لينم، لكن لا يصلي وهو مرهق أو متعب. فإذا كان المسلم يدعو في صلاته، ويقرأ في كتابه القرآن الكريم هذا الدعاء للمؤمنين ويكرره: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) البقرة: 286، فمحمد صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا" أي أن العبادة لا تتطلب من الإنسان أن يعذب نفسه، فالله عز وجل لا يطلب من عباده عبادته بما فيه تعذيب النفس، وإهلاك الإنسان، وجلب العنت والمشقة له، بل يريد الله أن تكون العبادة رصيدا لتهذيب سلوك الإنسان، وواحة من الراحة والسعادة له، فكثير من الناس يتصور أن الأجر في الإسلام يرتبط بالتعب والمشقة، وهو ما ينفيه الرسول صلى الله عليه وسلم في تشريعه للإنسان.

كما يقف محمد صلى الله عليه وسلم في تشريعه مع الإنسان، من حيث تمتعه بالحياة وطيباتها، فليس مطلوبا منك أن تحرم نفسك من ملذات الحياة، وتعذب جسدك وروحك كي تكون إنسانا صالحا، أو بدعوى التدين، بل مطلوب منك التوازن بين مطالب الدنيا والآخرة، فقد جاء ثلاثة رهط (أي ثلاثة رجال) إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها (رأوها قليلة)، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".

كمان كان محمد صلى الله عليه وسلم يحكم على المبادئ والمفاهيم والثقافات من حيث أهدافها ونفعها للإنسانية والبشرية، وإن كان صاحبها غير مسلم، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن شعر أمية بن أبي الصلت الشاعر الذي مات كافرا: "آمن شعره، وكفر قلبه". وعن الشريد بن سويد الثقفي رضي الله عنه قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: "هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيئا؟" قلت: نعم، قال: هيه. فأنشدته بيتا، فقال: هيه، ثم أنشدته بيتا فقال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت. قال: إن كاد ليسلم".

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل