المحتوى الرئيسى

عوائق تجديد الخطاب الدينى
 4ــ فقه القرآن المكى

06/08 22:38

تداول الدارسون مقولة عجيبة تزعم أن القرآن المكى قد اهتم بتأصيل العقيدة.. عقيدة توحيد الله جل جلاله، وتنزيه الله عما لا يليق بالمعبود، ويتصور هؤلاء حسب السائد فى كتبهم أن 86 سورة قرآنية تنزلت فى مكة قد خلت من الأحكام اللهم إلا الصلاة! والسبب فى تداول هذا الفهم واعتباره قضية مسلمة أنهم ينظرون إلى الفقه على أنه الأحكام التى تضبط الشعائر أو المعاملات فى المستويات المتعددة.

وهذا تضييق لمفهوم الفقه تجب مراجعته ودراسته فى دراسات جادة تعيد الفقه إلى مكانته وترد المسلمين إلى كتاب ربهم ردا جميلا حتى لا تقع الأجيال فى محنة هجر القرآن، التى اشتكى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بين القرآن: ((وَقَالَ الرَسُولُ يَا رَبِ إِنَ قَوْمِى اتَخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورا))

وحقيقة الفقه أنه كما عبر عنه أبوحنيفة، قائلا: «الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها»، وليس مجرد أحكام الشعائر والمعاملات. والقرآن الكريم لا يترك الناس حيارى، بل دائما يصحبهم ويأخذ بأيديهم، ومن ذلك قول الله: ((..لِكُلٍ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجا..)). فها هو القرآن يعلمنا أن الله قد تفضل علينا بأمرين عظيمين ألا وهما الشرعة والمنهاج.

والشرعة هى الأحكام الشرعية المباشرة، التى تتم من خلال الأوامر والنواهى، أما المنهاج فهو الإطار العام الجامع للقرآن باعتباره خاتم الشرائع وآخر الوحى الإلهى. فهل درس الدعاة والشيوخ «المنهاج» أما أنهم اعتبروا الشرعة والمنهاج شيئا واحدا وأن اللفظين مترادفين؟!

والمنهج الذى نزل به القرآن هو المقابل الشرعى لما تسميه الأمم الأخرى «فلسفة الحياة»، ويستخرجون من فلسفتهم علوم (الاجتماع ــ النفس ــ التربية ــ الاقتصاد ــ السياسة)، فهذه ركائز المنهج..

ونظرا لتعدد البيئات جغرافيا، وتغاير الأجيال تاريخيا، واختلاف القدرات والمهارات، فإن القرآن لم يصنع المنهاج فى أحكام مباشرة، بل ساقها من خلال الأمثال المتنوعة التى ذكرها فى القرآن فى 80 آية ينوعها بين «ضرب المثل«: ((وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَاسِ فِى هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِ مَثَلٍ..)).

ومرات أخرى يقول: ((وَلَقَدْ صَرَفْنَا فِى هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَاسِ مِن كُلِ مَثَلٍ..))، ومرات أخرى يحكى المثل دون لفظ (ضرب/صرف).

ولقد ألفت كتب كثيرة فى أمثال القرآن، واعتبرها بعضهم من «علوم القرآن»، وهذا اعتبار جيد، ونوقشت رسائل علمية فى أمثلة القرآن الكريم.

ولكن هل درس الدارسون مقررا مستقلا عن «أمثال القرآن«؟ وهل تم تصنيف الأمثال إلى ما تحمله من قيم ومفاهيم منها ما هو تربوى، ومنها اقتصادى، ومنها اجتماعى.. وهذه الأمثلة هى محور من محاور المنهج القرآنى الذى لم يلتفت الشيوخ إليه، وتركوا الأمة تحيا عالة على مناهج أمم أخرى وتقع فى فتنة مكذوبة بين العلم والدين.

لابد وأن تشمل الدراسات القرآنية فى كليات الدعوة وغيرها على مقررات دراسية وافية عن أمثال القرآن..

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل