المحتوى الرئيسى

4 محاولات للطيران.. وحكاية الطائرة التى حملت اسم الأميرة فائزة (الحلقة الرابعة) | المصري اليوم

06/08 22:25

تقودنى هذه الحلقات لرسم وفهم الطبيعة الكاملة للأحداث والشخصيات والسياق التاريخى والسياسى والاجتماعى لكل واقعة قبل أن أنقلها هنا. ومع تعمقى فى الوقائع أرى جوانب أخرى جديدة فى حياة الملك فؤاد ومن بعده الملك فاروق. جوانب إيجابية للغاية لم أقرأها من قبل. أحد هذه الجوانب حرص «فؤاد» ودعمه للاستكشافات الجغرافية والعلم. وهنا لدىَّ واقعتان ارتبطتا ببطل هذه الحلقات «أحمد حسنين باشا»، وهما دعم الملك لرحلته الثانية للصحراء، والثانية محاولته قيادة أول طائرة من أوروبا لمصر. وهذا السلوك كان يرتبط بممارسات القادة والملوك الذين يحكمون دولاً متحضرة وعصرية حريصة على العلم، خاصة الاستكشاف و«المغامرة»، فمعروف تاريخياً أن الاكتشافات الجغرافية الكبرى مثل الأمريكتين ورأس الرجاء الصالح وأستراليا ارتبطت بدعم وتمويل ملوك وأفراد أوروبا للمستكشفين من البحارة والعلماء.

المتاح حول محاولة أحمد حسنين باشا الوصول إلى مصر من أوروبا فى طائرة قليل للغاية، وبعضه تنقصه الدقة، بل ينقصه تحديد التوقيت الزمنى لذلك.

العائلة «جيدة هانم» وابنها عزيز وابنتها عطية ليس لديهم سوى أرشيف للصور لأحمد حسنين بزى طيار، مأخوذة من مجلات وجرائد هذه الفترة، بعضها للطيارين فى ثلاثينيات القرن الماضى- وتتضمن احتفالاتهم وتصريحات مقتضبة من هؤلاء الطيارين. والذى استطعت توثيقه هنا أن الرجل حاول الوصول إلى مصر فى طائرة، وذلك قبل 1930- وهو التاريخ الذى يسجل نجاح أول مصرى فى الوصول بطائرة إلى مصر، وهو محمد صدقى فى يناير 1930- ويسرد مصطفى أمين حكاية أحمد حسنين باشا مع الطيران كما يلى: طرأت على فكر أحمد حسنين فكرة جديدة:

لماذا لا يقود طائرة من القاهرة إلى لندن؟ ولم يتردد فى تنفيذ الفكرة المجنونة! فاستقل طائرة صغيرة طار بها من القاهرة فوق البحر المتوسط بنجاح. لكن بعد بضع ساعات سقطت الطائرة فى جنوب فرنسا، وتهشمت الطائرة تماماً.. لكن أحمد حسنين نجا من الموت! وبقيت الفكرة المجنونة فى رأسه!

فاشترى طائرة صغيرة ثانية طار بها.. لكن الطائرة الثانية سقطت فوق أراضى سويسرا! ونجا حسنين من الموت مرة ثانية..

اشترى طائرة ثالثة.. وطار بها لكنها سقطت هذه المرة فوق الأراضى الإيطالية، وأُصيب حسنين بإصابات بالغة.. واعتقد الأطباء الإيطاليون أنه ميت لا محالة! حتى حسنين نفسه اعتقد أنه سيموت. لولا تذكر أن أمير الشعراء أحمد شوقى قد شبهه ذات يوم بالليث! فأخذ يردد بصوت مرتفع وهو راقد على الفراش: «تشجع يا ليث.. تشجع يا ليث..».

وأُصيب الأطباء الإيطاليون بالذهول.. عندما رأوه يتغلب على جراحه وإصابته الشديدة ويغادر الفراش والمستشفى! لكنه بعد أيام قليلة.. اشترى الطائرة الرابعة! وفكر أن يعود بها طائراً إلى القاهرة، لكن قبل أن يستقل أحمد حسنين الطائرة بنصف الساعة، صعد أحد الخبراء إليها لتجربتها، وبعد خمس دقائق فقط كانت الطائرة شعلة نار. احترقت واحترق معها الخبير. كل ذلك وأحمد حسنين واقف ينظر على مدرج المطار.

وفى هذه اللحظة انتهت مغامرات أحمد حسنين مع الطيران، وبعيداً عن مصطفى أمين، فإن بعض المنشور فى صحافة هذه الفترة يشير إلى أن الطائرة التى احترقت كانت تحمل اسم الأميرة «فائزة»، ابنة الملك فؤاد.. وهو الاسم الذى حملته أول طائرة نجحت فى الوصول إلى مصر عبر «المتوسط» وكان يقودها محمد صدقى، الملقب بـ«النسر المصرى».

وحيث إن هدفى هو إضاءة هذه الحقبة من تاريخ مصر بكافة جوانبها، فإننى أترك أحمد حسنين قليلاً وأقترب من «النسر المصرى». كانت طائرته صغيرة جداً ذات سطح واحد ومقعد واحد، وقوة محركها 40 حصاناً، ووزنها 250 كيلوجراماً، وقد أبدى الخبراء دهشتهم من جرأة البطل المصرى على القيام برحلته عليها.

وصل محمد صدقى بطائرته «الأميرة فائزة»، يوم 25 يناير 1930 بعد رحلة تاريخية من برلين إلى الإسكندرية، حيث هبط فى مطار أبى قير، وكان فى استقباله حسن صبرى باشا، محافظ الإسكندرية، ثم وصل إلى مطار هليوبوليس بالقاهرة.

وقال الكابتن جولد سميث، قائد مطار أبى قير، عندما وقع نظره على الطائرة، إنها أصغر طائرة رأيتها فى حياتى.

حظى «صدقى» باهتمام رسمى كبير، حيث كان فى استقباله صادق يحيى باشا، كبير الياوران، مندوب جلالة الملك فؤاد الأول، والأمير عباس حليم، ورئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا، والبارون فون شتورر، وزير ألمانيا المفوض، ومحمود النقراشى، وزير المواصلات. وشارك فى استقباله أمير الشعراء أحمد شوقى الذى قال: «لقد رأيته فخُيل إلىَّ أنه قائد شاب مصرى قفل راجعاً من ميدان القتال وهو متوج بأكاليل النصر والفخار. ولقد رأيت فى وجهه صورة فرعونية صادقة، فوجهه مربع أسمر اللون، إنه فرعونى تماماً، وهذا سر ما فيه من جرأة وشجاعة وإقدام».

شمله الملك فؤاد الأول بعطفه، فقلده نوط الجدارة الذهبى، وقررت الحكومة إهداءه ألف جنيه مكافأة لخدمته الوطنية.

وفى مساء يوم 29 يناير 1930، أقام له أول نادٍ للطيران المصرى أول حفلة احتفاء بأول طيار مصرى، وحضرها كبار رجال المجتمع فى قصر الأمير عمرو إبراهيم بدعوة منه، وقد تحدث فى هذه الحفلة حسن أنيس باشا، فنَوَّه بعمل «صدقى» الجرىء، وذكر أنه أول شخص اجتاز البحر المتوسط على مثل طيارته فى الخفة والصغر، وفى هذا ما يدل على أنه من الرجال الأفذاذ، وقد أعلن انضمامه إلى نادى الطيران، وقرر إهداءه حصتين من حصصه التأسيسية قيمتهما خمسون جنيهاً.

قام طيار مصر البطل برحلة جوية إلى الوجه القبلى، فطار إلى الأقصر ومنها إلى أسوان، ثم عاد إليها وزار يوم 27 مارس المنيا، ثم أسيوط.

لكن الاهتمام بهذا «النجم» لم يستمر طويلاً، ففى يوم 27 يونيو طار «صدقى» عائدا إلى ألمانيا، حيث قال إن الحكومة لم تقدره، وإنها استخفت به وعرضت عليه وظيفة صغيرة بمرتب ضئيل لا يعادل ما يربحه طيار مثله فى ساعة واحدة، ولا يكفى لتخزين طائرته والعناية بها، فاضطر أن يرفض ما عُرض عليه، مغادرا مصر من مطار هليوبوليس.

أما أول امرأة مصرية وعربية وأفريقية تحصل على إجازة الطيران عام 1933، فهى لطفية النادى، وهى أول كابتن طيار مصرى وثانى امرأة على مستوى العالم تقود طائرة منفردة، وكان عمرها 26 سنة.. كان رقمها فى التخرج 34 تخرج قبلها 33 طيارا فقط، جميعهم من الرجال. ولم تتزوج نهائيا، وحصلت على الجنسية السويسرية تكريما لها، وعاشت جزءا كبيرا من حياتها فى سويسرا، ووُلدت عام 1907 وتوفيت فى القاهرة عام 2002 عن 95 عاما.

أما موضوع الطيران التجارى فى القطر المصرى فقد تألفت لجنة فى وزارة المواصلات لبحث مستقبله فى 1924، وكانت اللجنة مؤلفة من أحد كبار موظفى الوزارة ومن أعضاء يمثلون مصلحة الجمارك، ووضعت اللجنة مشروعًا يتضمن جملة من المقترحات الأولية، التى كانت أشبه بأساس نظرى للطيران المدنى، وكان من بين المقترحات «إنشاء مصلحة للطيران المدنى تكون تابعة لوزارة المواصلات، وتكون مهمتها مراقبة الملاحة الجوية فى البلاد مراقبة إدارية، ومراقبة المطارات التى تنشأ فى البلاد، وكل ما له علاقة بالطيران من الوجهة الفنية». وقوبل المشروع بموجة من التفاؤل، حتى إن الصحف خرجت لتصفه بـ«المشروع العظيم»، وطالبت بوضع نظام يتم التعامل بمقتضاه مع الطائرات فى مجيئها إلى القطر المصرى وفى خروجها منه، وأعربت عن أملها فى أن يتم تنفيذ ما جاء فى المشروع خلال خمس سنوات، هذه كانت بداية وفى العام نفسه، وبعد شهرين، نشرت الصحف تقول إن جماعة من رجال المال المصريين، وعلى رأسهم حسن أنيس باشا، قد شرعوا فى تأسيس شركة «لترقية الطيران التجارى فى مصر»، وإنهم بصدد طرح أسهم هذه الشركة والبحث فى أحسن طراز صالح من الطائرات، واستقر الرأى على استخدام نوع كله من المعدن، والطائرة ذات ثلاثة محركات، وتستطيع أن تحمل اثنى عشر مسافرًا وطنين من البضائع، وكانت هذه إشارة بدء أخرى لقيام شركة «مصر للطيران».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل