المحتوى الرئيسى

سيف «الحجاج»

06/08 21:49

لم يكن «الحجاج» عادلاً بمقاييس عصره، ولا بمقاييس المؤرخين المتأخرين، فهو فى نظر الجميع مستبد، واستبداد «الحجاج» وقسوته أمر لا مراء فيه، فقد كان الرجل كذلك وأكثر، فأزهق الأرواح، وجلد الظهور، وضرب الأبشار، واستحل حرمات مخالفيه، ولم يتردد فى التنكيل بكل من تسول له نفسه معارضة الخليفة، أو الخروج عن دائرة طاعته، كأمير لجيوش الخلافة. كان «الحجاج» كذلك وأكثر، والرجل كان أول من يصف نفسه بالاستبداد، فهو الذى قال وهو يقدم نفسه إلى أهل العراق: «إن أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان نثر كنانته، ثم عجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدنى أمرّها عوداً وأصلبها مغمزاً، فوجهنى إليكم». الاستبداد لا يصنع قيادة صالحة بحال من الأحوال، لكنه قد يقدم قيادة ناجحة قادرة على تحقيق أهدافها، خصوصاً إذا أدركت بشكل جيد الوسائل التى تعينها على تحقيق الأهداف، والأهم من ذلك أن تكون متصالحة مع نفسها، وواعية بالواقع من حولها، فلا تكذب ولا تراوغ، وتتعامل مع الآخرين بلغة وأفعال صريحة، كما كان يفعل «الحجاج».

العدل هو الواقع المثالى ولا شك، لكن هل بمقدور كل قوى أن يكون عادلاً؟، ربما شهد التاريخ استثناءات بشرية من هذا النوع، لكن هذا الاستثناء يؤكد قاعدة أن القوى أشد جنوحاً إلى الاستبداد، وحتى عندما يمارس العدل، فإنه يمارسه بطريقته الخاصة، أو بعبارة أخرى ينفذ ما يراه هو عدلاً، بغض النظر عن رؤية الآخرين له، لأن الاستبداد يعلم صاحبه ألا ينشغل كثيراً بأمر الآخرين، وقد يرى البعض فى المستبد ما رآه الحسن البصرى -وهو واحد من كبار فقهاء المسلمين- فى «الحجاج». يحكى أن العلماء فزعوا إلى الحسن البصرى، وقالوا له: ماذا تفعل.. وأنت ترى الحجاج يسفك دماء المسلمين دون رحمة أو شفقة، ويقتل أعداءه دون قضاء أو محاكمة، وينفق ثروات المسلمين فيما يغضب الله؟، فقال لهم: لا تقاتلوا إلا إذا أعلن الكفر بالله، وأنكر أصلاً من أصول الدين، وإن تكن أفعاله الآن عقوبة من الله، فما أنتم برادّى عقوبة الله بأسيافكم. وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل