المحتوى الرئيسى

أنا وأسامة أنور عكاشة حوارقديم يتجدد «3»

06/07 23:37

نبدأ من النهاية، من احتفاء التليفزيون (وهو جهاز حكومى دماً ولحماً) بمسلسل «ليالى الحلمية»، فى الوقت الذى يجرى فيه الإعداد على قدم وساق لتصفية القطاع العام، وفى الوقت الذى يبدأ فيه «هيكل» نشر حلقات الجزء الثالث من شهادته على ما جرى. تُرى.. هل من المصادفة أن تطرح الخمسينات والستينات نفسها على هذا النحو الكثيف؟.

قال أسامة: بالتأكيد ليست مصادفة. لقد آن الأوان لفتح الدفاتر القديمة، ولو دققت قليلاً ستدرك إلى أى مدى كانت السنوات العشرون الأخيرة (منذ رحيل الزعيم جمال عبدالناصر) سنوات تخبط وضرب عشوائى وطمس لمعالم واحدة من أغنى فترات التاريخ المصرى بالأحداث، كل ذلك تحت دعوى مناقشة سلبيات المرحلة. وخطورة ما حدث خلال هذه الفترة تكمن فيما ترتب عليها من عمليات غسيل مخ لأجيال لم تعش عصر «عبدالناصر» الحقيقى، وتحديداً: العقدان الأول والثانى من عمر الثورة. الآن، ومنذ عام 1985، تعيش مصر هامشاً ديمقراطياً أتاح لأصحاب العقول فرصة البحث عن الحقيقة، وفهم الأمور فهماً موضوعياً، رغم أن الساحة لم تخلُ تماماً من سفاهات، أقلها خطراً ما يقال من أن عبدالناصر «ودّى البلد فى داهية» وتسبّب فى احتلال اليهود لسيناء والجولان!. وفى هذا الإطار، يبذل الطرفان كل جهدهما: الذين تحركهم مسألة تصفية الحسابات، والذين يحاولون فهم الأمور فهماً موضوعياً. وبالنسبة لـ«ليالى الحلمية» أقول إننى حرصت على ألا أفصل فترة حكم «عبدالناصر» عن سياق تاريخ مصر فى نصف القرن الأخير، وقلت من البداية إن «ليالى الحلمية» مشروع درامى لرصد التغيرات الاجتماعية فى مصر -بخلفياتها السياسية- من عام 1939 إلى عام 1989، وإنها فرصة مواتية لإفهام الناس (الأجيال الجديدة بالذات) حقيقة ما جرى كما رأيته خلال سنوات حكم «عبدالناصر».

هنا، أشير تحديداً إلى شخصية «على البدرى» (ممدوح عبدالعليم)، الشخصية التى تمثل جيلنا نحن، الجيل الذى تربى على مبادئ ثورة يوليو وتحمّس لها حماساً هائلاً. جنى ثمارها وتجرّع مراراتها. لقد حاولت قدر المستطاع أن تكون معالجتى متوازنة ودون تحيز شخصى مسبق. وأعتقد أن صالح مرسى فى (رأفت الهجان) جرى على نفس المحاولة، محاولة تعريف من لم يعرف، وتذكير من نسوا أو تناسوا، دون أن تربطنى أو تربطه مصلحة.. إلا فيما يتصل بقضية بلدنا.

«عبدالناصر» لا يملك لنا الآن نفعاً أو ضراً، من ثم فإن محاولتنا فى الاتجاه الصحيح، وبناءً عليها سيؤسس التاريخ حكمه (طبعاً بالتوازى مع جهد كتّاب ومؤرخين متخصصين). المهم أن نسجل للنصف الثانى من الثمانينات ميزة الاتجاه نحو العقلانية التى تحاول رفع راياتها رغم ضراوة المعارك وكثرتها والتى لن تكون آخرها -فيما يبدو- معركة بيع القطاع العام.

لا أريد أن أكون متشائماً وأقول إن معركة بيع القطاع العام تُعد من أعمال «الثورة المضادة»، ولا أريد أن أتهم دعاة البيع بأنهم «خونة»، يحاولون هدم صرح وطنى لحساب الإمبريالية العالمية والكومبرادور وغيرها. لكننى أقول إن مصر تمر الآن بمرحلة مراجعة شاملة، تدخل فى سياقها -كما قلت- محاولة البحث عن حقيقة ما جرى، وبموجبها يعاد النظر فى المؤسسات الاقتصادية والثقافية القائمة حالياً. وهذه المراجعة ليست بدعة مصرية، لكنها تتم على مستوى كل بلاد العالم، وفى رأيى.. ليس هناك ما يمنع أن «نفتق» جراحنا ونعرض عوراتنا للضوء إذا كان ذلك طريقاً لعبور الأزمة الخانقة التى تمر بها مصر.

قلت لأسامة: بما أنها ليست مصادفة بحتة، فاسمح لى أن أقول إن احتفاء تليفزيون الحكومة بـ«ليالى الحلمية» ليس أكثر من تعبير عن حالة تخبط، أو ربما حالة «فصام» حكومية حادة، أو ربما كان الأمر جزءاً من محاولة أكبر للتعتيم -بطريقة تبدو ديمقراطية- على سياسات تفرضها ضغوط البنك الدولى أكثر مما تفرضها حالة المراجعة التى تتحدث عنها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل