المحتوى الرئيسى

النزوح والرصاص والفقر تقضم فرحة أهالي سيناء بشهر رمضان

06/07 13:15

سرقت الفرحة منهم، فلم يعد بإمكانهم عيش فرحة شهر رمضان الكريم كباقي المسلمين في أرجاء العالم، إنهم أهالي سيناء الذين يأسفون على الاعتراف بأن شهر رمضان لم يعد يمثل لهم مصدراً للبهجة والفرح؛ لأن الخوف يسكن الصدور من تبعات الأحداث الدامية هناك.

وكيف لهم الفرحة ومائدة الإفطار المتواضعة ستذكرهم بمن اختطفته منهم الحرب شهيداً أو معتقلاً أو مختفياً قسرياً! وكيف لهم الفرحة وقد حرموا من الصلاة في المساجد أو قراءة القُرآن دون أن يسمعوا صوت الرصاص أو التفجيرات، يحرم صغيرهم من أب أو أخ أو جد كان يصطحبه لشراء الفانوس أو بعض الألعاب من "الشوادر" التي كانت تنصب لعرض بضائع رمضان، فحظر التجول المفروض على مدينتَي رفح والشيخ زويد لأكثر من ثلاثة أعوام قضى على كل بهجة.

أمنيات أهالي سيناء الآن استنشاق "الهوا اللي بيرد الروح" في البيارة، أو الجلوس مع الأحبة على سفرة إفطار بها طعام بدوي أو حليب النوق والتمر، يتمنون اقتناص وقت قليل لشرب فنجان القهوة معد على نيران الحطب، لكن الحقيقة أن الناجين منهم يقضون رمضان هذا العام في الشتات، بعدما كان جمع "العائلة الكبيرة" والإفطارات في "المجاعد والدواوين" من أهم ما يميز القبائل في سيناء، قلوبهم موزعة ما بين وجع على ابن أو زوج أو شقيق معتقل أو مختفٍ أو مطارد، الكثير منهم لا يعلم لقريبه أي مصير.

العروس .. تحرم من رمضان الأول مع زوجها

في رمضان (2013) كان عمر الفتاة السيناوية عبير ثلاثة عشر عاماً، في هذا الشهر فقدت عبير أباها وشقيقتها الرضيعة وزوجة أبيها، قضى الثلاثة في قصف لطائرة الأباتشي المصرية، حل رمضان في العام التالي (2014) وقبل أن يتسنى للفتاة عيش الذكريات الأليمة اعتقل شقيقها في إحدى الحملات العسكرية للجيش المصري وأخفي قسرياً.

لم تقف معاناة عبير هنا، إذ انتقلت مع والدتها وشقيقها ذي العشر سنوات إلى حي الترابين، وهناك تعرض الحي لقصف عشوائي في أبريل/نيسان الماضي فاضطرت العائلة للنزوح مع العشرات من أهالي الحي.

تزوجت عبير قبل فترة، وبينما كانت تحلم بأن يعوضها زوجها الأمان الذي فقدته، استشهد زوجها منذ أيام، والأقسى أن عليها أن تكتم عن أقرب المقربين هذا الخبر المفجع كي لا تُلاحق من الجيش المصري.

كان هذا الزوج بالنسبة لها بصيص الأمل بعد فقدان والدها وشقيقها، تقول إحدى قريباتها: "كانت تترقب أول رمضان تقضيه مع زوجها بفارغ الصبر، ولكن قتل زوجها بعد مرور خمسة عشر يوماً على زفافها في قصف للجيش المصري خلال حملة حق الشهيد الثالثة ليأتي عليها رمضان أرملة شابة لم تتجاوز السادسة عشرة تقضيه بين ألم نزوحها هي وأسرتها وحياة الشتات وألم فراق زوجها".

الفقر يستفحل، وانعدام العمل الخيري

امرأة بدوية في الأربعينات من العمر، من سكان المرحلة الثالثة في رفح، منذ بضعة شهور أخلت السيدة منزلها وقامت بخلع الأبواب والشبابيك وانتقلت للسكن في مكان متواضع، وذلك لأن الجيش أخبرها بأن منزلها سيهدم وسيتم تعويضها، وحتى الآن لم يهدم بيتها ولم يتم تعويضها.

سيحل رمضان هذا العام على السيدة التي تكنى بـ"أم فريح" وهي نازحة عن بيتها، لكن لا يوجع قلبها ترك منزلها وتشردها؛ إذ أضنى قلبها اعتقال أحد أبنائها الثلاثة كما تقول لنا، وتضيف: "اعتقل ابني الأكبر عندما خرج للعمل في الإسماعيلية، حسرتي كبيرة عليه، فلا أعرف مصيره".

قاومت هذه المرأة حالها اليائس وحاولت ألا تجلس في انتظار أن يعطيها أحد لقمة "تقيم صلبها"، قررت أن تعول أبناءها؛ لذلك فهي تذهب في كل صباح للعمل في جمع خردة الحديد في المنطقة العازلة على الحدود مع قطاع غزة، وعليها أن تستأذن من مجندي الجيش كي يسمحوا لها بجمع خردة الحديد من المناطق التي تم إخلاؤها وتجريفها في رفح.

مشهد أم فريح لا يقتصر عليها، فعدد الأسر الفقيرة التي تركت فيها المرأة وحيدة تعاني المر لجلب لقمة عيشها وصغارها كبير، فقد انقطع الدعم من الجمعيات الخيرية في هذا الشهر المبارك؛ لكون العديد من المؤسسات التي كانت مصدراً للحياة لكثير من البيوت أغلقت أو اعتقل العاملون فيها علي خلفية أعمالهم الخيرية.

كان هناك أيضاً أم مصطفى (55 عاماً) التي تشتكي لنا انعدام المؤسسات الخيرية التي كانت تخفف من ضنك الحياة في العريش؛ تحدثنا السيدة عن شاب سيناوي يدعي أحمد (في العشرينات من العمر) شارك أحمد تطوعاً في أعمال إحدى الجمعيات الخيرية بمدينة العريش، قربه عمله هذا من الأيتام والفقراء، فكان يقدم الكفالات الشهرية لهم، اليوم ستفتقد كثيراً الحاجة أم مصطفى لأحمد الذي كان لا يمر شهر رمضان إلا وتجده يطرق بابها فيغنيها عن بسط يدها للناس، حاولت أن تتحدث لنا عن حالها فقالت: "من الذي سيتذكرني الآن وقد بات من يذكرنا سجينا في مقبرة العازولي؟".

النزوح من رفح إلى العريش

للمرة الثانية، وبعيداً عن رفح التي أحبتها كثيراً، ستقضى مريم (25 عاماً) شهر رمضان نازحة عن بيتها، الآن ستقضي رمضان وهي تشتاق لكل أجوائه البسيطة في رفح، لـ"جلسة صفا" مع حماتها بعد العصر في (البيارة)، لفرحة صغارها وهم يلهون في ساحة البيت بالدراجة، لعمل فطير الصاج على الحطب، للمة الأحبة على طبق حلوى صنع في البيت.

حنين مريم وزوجها وعائلتها كبير إلى رفح، فمنذ ما يقارب العامين وهي مضطرة للعيش في العريش، تتوق إلى العودة لكن لا مجال، تقول : "رفح والله جنة، حسبي الله ونعم الوكيل في كل من دمرها"، وتضيف: "الروابط العائلية أفضل ما يميز رفح، الناس تأكل وتشرب مع بعضها البعض دون أي فرقة، إي نعم هناك ناس فقيرة وتعيش بالقليل إلا أن التكافل الاجتماعي يخفف من وطأة المعاناة، خاصة في شهر رمضان".

تقول المرأة التي انتهت لتوها من الاتصال مع بعض جاراتها في رفح للمعايدة بقدوم رمضان: "معظم البيوت لا يوجد فيها رجال، هرب أكثرهم خوفاً من الاعتقال العشوائي، لا يوجد غير النساء اللواتي آثرن البقاء"، تصمت السيدة قليلاً ثم تقول: "يعيشون في رعب، كنت أرى (العيل) ابن التاسعة أو العاشرة من العمر يهرب من الجيش، وكان الجيش يتفاخر بأنه لا يوجد رجل واحد في رفح".

طفولة تُحرم من اللهو بـ"الفانوس"

علي الطفلة هالة ذات العشر سنوات أن تباشر رحلة قاسية من العلاج في الأيام الأولى لشهر رمضان، عليها الاستمرار في الخضوع لعمليات جراحية، فإصابة حرجة نالت من عينها أثناء قصف منزلها من قِبل الجيش المصري في فبراير/شباط الماضي، لقد اخترقت الشظايا عينها.

هالة التي تعيش الآن في بيت شقيقتها بعد أن هدم منزلها لديها شقيقة اسمها دعاء (11 عاماً)، نعود بالذكريات مع دعاء عن رمضان الفائت فتقول: "كان هناك عمليات كثيرة، وكنا نخاف من القصف، لكن في رمضان هذا جلبت لي أختي فانوساً وآخر لهالة وسنلعب بهما داخل البيت، أنا أحب أن أصوم وألعب في الفانوس وأصلي مع أمي".

حكاية هالة ودعاء هينة بالنسبة لما يعيشه الأطفال في سيناء؛ إذ إنه حتى مايو/أيار الماضي تسجل الأرقام مقتل أكثر من 86 طفلاً، وإصابة العشرات منهم، ناهيك عن أن المئات من أطفال سيناء فقدوا آباءهم وأمهاتهم، الغالبية من هؤلاء يعيشون الآن في بيت جماعي أو "عشة" من الخوص، بسبب قصف بيوتهم أو استشهاد والدهم أو اعتقاله أو اختفائه القسري أو مطاردته، يشاركون أمهم الأرملة أو النازحة العيش في عشة بدون زوج ولا أب أو أخ.

تقول أم الطفل عمر (12 عاماً) إنها حزينة لعظم المسؤولية التي يتحملها ابنها الوحيد بعد مطاردة والده، وتضيف: "يشعر أنه رجل عليه مسؤوليات كثيرة تجاه أخواته الأربع اللاتي يكبرهن"، تشفق أم عمر كثيراً عليه فقد ترك مدرسته، والآن يبيع الفوانيس في سوق الشيخ زويد، تقول أمه وهي تبكي: "كان يحلم أن يصبح مدرس لغة إنجليزية، الآن لا يحب أن يسمع شيئاً عندما أخبره أنه سيعود إلى المدرسة".

الحظر والحرمان من صلاة التراويح

لم يعد بإمكان الشيخ محمد (65 عاماً) الصلاة في مسجد "الوالدين" القائم بشرق مدينة رفح، وتحديداً في حي الصرصورية، إذ يأتي رمضان هذا العام دون أن يتمكن الرجل من أداء صلاة التراويح أو أي من الصلوات في المساجد، فقد هدم المسجد كي تقام على أرضه منطقة حدودية عازلة مع غزة وخالية من السكان، ورحل الشيخ محمد من مسقط رأسه مع عائلته.

هناك مساجد أخرى تمر على خاطر الشيخ محمد كان يذهب إليها قبل أن تقام المنطقة العازلة، مثل مسجد "الفاتح" الذي يسمى مسجد "آل قشطة" أو "الحارون" أو مسجد "المهاجرين والأنصار"، أو مسجد "قباء" في ميدان صلاح الدين، لكنها مساجد أتت عليها حملات الجيش المصري، وسوتها بالأرض أسوة بما حدث في مدارس ومستشفيات ومنازل للمواطنين هناك.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل